في طرح ذكيّ ومتقن، يجسّد الكاتب والمخرج، محمود حجيج، إزداوجيّة يعيشها المجتمع اللبناني، وحالة لا استقرار يعبّر عنها بطريقة جنونيّة في فيلمه الجديد quot;طالع نازلquot;، الذي يصدر اليوم في الصالات اللبنانيّة.


بيروت : استنادًا الى حركة المصعد الصاعد والهابط من وإلى عيادة الطبيب النفسي، استخرج الكاتب والمخرج اللبناني، محمود حجيج، إسم فيلمه الجديد quot;طالع نازلquot; الذي يتنّقل به من حالة نفسية إلى أخرى مع سبع شخصيّات رئيسيّة في الفيلم كل واحدة تتحدّث عن مشكلاتها، وما هي إلّا نماذج عن مشكلات وشخصيّات موجودة في المجتمع اللبناني.

quot;طالع نازلquot; يعبّر عن حالة اللااستقرار التي يعاني منها المجتمع اللبناني، والتي ترتدّ عليه بطريقة أو بأخرى، ولكنه على الرغم من ذلك يبقى يتظاهر بالفرح والسعادة ويصرّ على الاحتفال والعيش ولبس الأقنعة أمام أفراد المجتمع الآخرين، يعيش المرء فيه بازدواجيّة مرضيّة تظهر من خلال تصرّفاته بين الناس وظهور شخصيّته المضطربة في العيادة فقط، فيكون الجنون التعبير والردّ الوحيد عليها.

محمود حجيج : الفيلم مدخل إلى حياة اللبنانيين
في حديث لـquot;إيلافquot; يرفض محمود حجيج الإدعاء بأن الفيلم يمثّل كل أطياف المجتمع اللبناني ومشكلاته، بل يمثّل نفسه والقصّة التي يرويها من خلال عدد من الأشخاص، يحتفلون بليلة رأس السنة كلّ على طريقته وبعيدًا عن مشكلاتهم، ولكنهم قبل ذلك يمرّون في اليوم نفسه إلى عيادة الطبيب النفسي ليتكلّموا عن حياتهم الشخصيّةquot;.

ويضيف حجيج : quot;هؤلاء أناس يريدون أن يتحدّثوا ويعبّروا عن مشكلاتهم بطريقة احترافية، وهم ليسوا مرضى بالمعنى الدقيق للكلمة. الفيلم هو مدخل إلى حياة اللبنانيين وكيفية تفكيرهم ورؤيتهم للأمور بطريقة سلسة وكوميديّة. إنه عن الناس وعلاقاتهم ومشكلاتهم وكيفيّة احتفالهم بليلة رأس السنة على طريقتهمquot;.

طالع نازل نظر أبطاله
إلى ذلك، يعرض الفيلم سبعة نماذج، يبدأها مع الممثلة ندى بو فرحات المرأة المتزوّجة وتقيم علاقة مع رجل آخر، ولكنها في الوقت نفسه تحب زوجها وعشيقها، وتبحث دائمًا عن رجال آخرين لسدّ حاجاتها الجنسيّة ورغبتها بالاهتمام والعناية، وقد لعبت ندى دورها باحترافية اعتدناها منها، فأقنعتنا بدور المرأة المضطربة حينًا واللعوب أحيانًا أخرى. وتقول ندى لـquot;إيلافquot;: quot;أقدّم دور إمرأة مريضة نفسيّة تعاني من الوحدة في حياتها ولديها حاجات جنسية مكبوتة، فتخرج مع عدّة رجال في الوقت نفسه لتلبية هذه الرغبات، الدور جريء وهذه الشخصيّة لا تنفصل عن المجتمع وهي منبثقة عنه، فهناك كثير من الناس الذين يعانون من عقدٍ نفسية نظرًا لحالة اللااستقرار التي نعيش فيها في لبنانquot;.

ويأتي الممثل حسّان مراد الذي يقدّم شخصيّة بائع المجسّمات البلاستيكية (مانيكان)، الذي يعاني من مشكلة في التواصل مع الآخرين وخوفًا منهم، يعبّر عن مكنونات قلبه في العيادة النفسية. فيبتعد عن الأداء الكلاسيكي ويتقمّص دوره بحرفية عالية ومقنعة. ويقول لـquot;إيلافquot; : quot;شخصية وجدي في الفيلم تعبّر عن حالة خوف يعيشها تجعله يظن أن الآخرين هم سبب مشكلاته، لا يتواصل مع الآخرين، ويرى في العيادة المكان الأجمل الذي يرتاح فيه، فهناك يتخطّى القواعد بحجة أنه دفع مقابل هذه الجلسة، ولكنه عندما يخرج منها يعود إلى حياته، يحاول التواصل مع الناس ولكنه يفشل لأن من يجرّب التواصل معهم هم المجسّمات البلاستيكية وليسوا أشخاصًا حقيقيينquot;.

أمّا المريض السوري الذي يقدّم دوره الممثل حسام شحادات، يقصد لبنان بحثًا عن مكان آمن للتعبير، هو الذي عانى كبتًا منذ صغره، سواء في بلده أو في علاقته مع والده.

الممثلة عايدة صبرا، هي إمرأة تنهمك بمعالجة علاقتها المضطربة مع إبنها هربًا من مواجهة أزمتها الحقيقية مع زوجها العنيف الذي يضربها، الأمر الذي انعكس على سلوك إبنها وولّد مشكلات في التعامل معه.

ونصل إلى الممثلين يارا أبو حيدر ومنذر بعلبكي، هما زوجان يعانيان من فراغ ولّده عدم إنجابهما الأطفال، فانعكس سلبًا على علاقتهما لدرجة انقطاع أي تواصل بينهما. وتقول يارا لـquot;إيلافquot; تعليقًا على دورها : quot;الكل مرضى في الفيلم، ولكنني اعتبر نفسي سويّة، أقدّم دور امرأة بسيطة جدًا ومرتاحة في حياتها، ولكنّها تقرّر الذهاب مع زوجها إلى الطبيب النفسي لمعالجة مشكلة التواصل بينهما، خصوصًا أن زوجها منزعج من حياته اليوميّة ويفضّل قضاء وقته في الألعاب التكنولوجيّةquot;.

أمّا العنصر الأكثر كوميديّة فيتجلّى بدور الممثل زياد عنتر المدمن على تناول الحبوبلمعالجة أمراضه الوهمية،ما يجعله يفشل في كل علاقاته مع الجنس الآخر ظنًا منه أنه يعاني من أمراض لا تكون موجودة في الواقع.

وأخيرًا، الممثلة ديامان بو عبود التي تبدع في أدوارها، وتعيش في الفيلم صراعًا بين الصمت والكلام، وتعيش متأثّرة بحياة والدتها التي فضّلت الصمت كرمى لأولادها بدل مواجهة واقعها المخذي مع زوجها. وفي حديث لـquot;إيلافquot; تتحدّث ديامان عن دورها وتقديمها شخصيّة quot;آناquot; الفتاة التي تقرّر أن تصمت، فهي تتواصل بهذه الطريقة مع محيطها، وتقول : quot;جميع المشاركين في العمل مرضى نفسيون، وهذه النماذج تخرج من صلب المجتمع اللبناني وتحكي عنه، وتوجّه الأنظار نحو ضرورة الإصغاء إلى الآخرquot;.

أمّا الطبيب النفسي الذي بقيت صورته مجهولة طوال فترة الفيلم التي يعالج خلالها زبائنه المرضى، يتحوّل هو الآخر إلى إنسان يعاني من مشكلات مع زوجته وفي حياته الشخصية، وبعد أن استمع لكثير من الناس، يبدأ يطالب بحقه في الكلام والاستماع إليه، ويقدّم هذا الدور الممثل كميل سلامة الذي يتحدّث لـquot;إيلافquot; قائلًا : quot;أنا طبيب نفسي عيادته موجودة في البناية التي تضمّ هذا المصعد الذي لا يكلّ عن الصعود والهبوط تعبيرًا عن حالة غير مستقرّة، زبائني يأتون إليّ للمعالجة لكن عندما يخرجون يعودون إلى أماكن لا تشبه مشكلاتهم. واللافت أنني أعاني من مشكلات أيضًا، ومن حالة لا توازنquot;.

تجربة مميزة في السينما اللبنانية
لا شكّ أن حجيج بنى حوارات ذكيّة عفوية لا تبتعد عن الطرافة، كسرت الحركة الروتينية وتكرار مشهد المصعد والوجوه نفسها التي أضفت ثباتًا على الفيلم، فيما صوّر تفاصيل تحرّكات الشخصيّات ليعبّر عن حالة ملبّدة وغير مستقرّة يجب التعمّق بها لفهمها، متخطيًا من خلالها واقع هشاشة بعض النصوص وسطحيتها مقدّمًا فيلمًا غنيًا عميقًا وجديرًا بالمشاهدة.