جمال الخرسان من غوتلاند: وسط بحر البلطيق تقع جزيرة "غوتلاند-Gotland" التابعة للمملكة السويدية، موقعها الاستراتيجي تجاريا جعلها محطة مهمة للتجارة وميناءا حيويا لمختلف السفن التجارية بين بلدان البلطيق وحتى من خارجها، وايضا لأنها وسط البلطيق فإنها تعتبر ملتقى ثقافيا فنيا حيويا جدا، لقد حافظت غوتلاند واشهر مدنها "فيسبي" على تراث وثقافة وتقاليد بلدان البلطيق ومن هنا اختيرت مركز البلطيق للكتاب والمترجمين BCWT، الذي يحظى برعاية من الامم المتحدة، وهناك فندق خاص بالكتّاب والفنانين المنحدرين من هذه الدول، يقيمون فيه مجانا وتقدم لهم تسهيلات من نوع خاص. كما يحرص الكثير من الكتاب على قضاء فترة من السنة فيها اقترابا من البحر، ابتعادا عن صخب الحياة وعودة لأجواء القرون الوسطى.&
الجزيرة التي تبلغ مساحتها الاجمالية حوالي 3140 كلم مربع ويبلغ عدد سكانها قرابة الستين الفا، موضوعة على لوائح اليونسكو للتراث العالمي. لعاصمة غوتلاند مدينة فيسبي وجهان قديم وجديد، الوجه القديم محافظ على اطلالته القروسطية بشكل كبير، ومحاط بسور تاريخي كبير، يعود بناؤه إلى القرن الثالث عشر للميلاد، لصد الهجمات التي تتعرض لها الجزيرة آنذاك باعتبارها مركزا تجاريا نشطا جدا، خصوصا من قبل المملكة الدانماركية.
وفي قلب الجزء القديم من مدينة فيسبي يقع متحف "فورنسالن" الذي يوثق تاريخ الجزيرة، يضم ذلك المتحف مئات المسكوكات النقدية التي تعود للحقبة العباسية والاندلسية، عام 2008 لوحده تم العثور على 470 مسكوكة نقدية عربية، في جميع مدن شمال اوروبا لا توجد مدينة اخرى تحتفظ بهذا العدد الهائل من المسكوكات العربية والاسلامية. السبب الذي يقف وراء وجود تلك الاعداد الكبيرة التي يتم العثور عليها بين الحين والآخر يعود ذلك وفقا للمؤرخين الى التعاون التجاري الوثيق بين الاسكندنافيين وخصوصا الفايكينغ وبين العاصمة العباسية بغداد. لقد انتشرت رقعة الفايكينغ في مناطق مهمة من اوروبا ابتداءا من القرن التاسع للميلاد وحتى منتصف القرن الحادي عشر. وصلت قوافلهم التجارية الى بغداد عبر بحر قزوين، قيل انهم تركوا سفنهم هناك وامتطوا الجمال الى العاصمة العباسية المهيبة، وهناك من يعتقد بأنهم وصلوا عن طريق دجلة. كانوا شغوفين جدا بتلك الحاضرة الاقتصادية والعلمية، يأتونها بعد عناء طويل من اجل أن يستبدلوا ما يجلبون معهم من جلود، فراء، كهرمان بما يحتاجون من بضائع، إضافة الى ذلك فإنهم كانوا يبيعون في بغداد ايضا الجواري الحسان والغلمان من الاسكندنافيين الشقر، يعتقد المختصون بتاريخ الفايكينغ ان سكان الجزيرة في نهاية الالفية الاولى للميلاد كانوا يفضّلون التعامل التجاري بالمسكوكات العباسية، السائح الذي يود معرفة تفاصيل اكثر عن حقبة الفايكينغ بإمكانه زيارة قرية الفايكينغ التي بنيت في الجزيرة لتجسيد تفاصيل تلك الحقبة.
تقام في هذه الجزيرة نشاطات فنية ثقافية تجارية اجتماعية رياضية مختلفة، منها: مهرجان القرون الوسطى، الذي بدأ الاحتفال به منذ العام 1984 سنويا في الاسبوع الأول من آب، تخليدا للشهداء الذين دافعوا عن الجزيرة مقابل الغزو الدانماركي عام 1361، في ذلك الاسبوع تلبس المدينة حلة قروسطية بكامل التفاصيل اليومية.
الحدث الاستثنائي الآخر "اسبوع آلميدال- Almedal" الذي يقام في حديقة آلميدال، وهو اسبوع سياسي سويدي بامتياز يقام في الاسبوع السابع والعشرين من كل عام " نهاية حزيران وبداية تموز" تشارك فيه جميع الاحزاب السياسية السويدية نتيجة لجماهيريته الكبيرة، انه منتدى سياسي جماهيري في اطار سياحي، اشبه بسوق عكاظ سنوي للسياسة فيخوض الجمهور والساسة نقاشات مفتوحة حول مختلف الموضوعات السياسية ولكن الطابع العام لتلك الفكرة هو طرح الرؤى السياسية في اطار لا يشوّه المهرجان ويشنّج الاجواء، بدأ الاحتفال بهذا الاسبوع منذ العام 1968، حينما كان وزير التعليم حينها ورئيس الوزراء السويدي لاحقا "أولوف بالمه" يستغل ذلك المكان من اجل فتح حوار مباشر مع الجمهور، فاصبح تقليدا متّبع من قبل معظم الاحزاب السويدية. إضافة الى الحدث الرياضي الابرز الذي ينظم في الجزيرة وهو سباق الخيل الدولي والذي يشرف على تنظيمه الاتحاد الأوربي.&
ان جزيرة غوتلاند جوهرة البلطيق وهويته الثقافية التجارية تفتح ابوابها طوال العالم للزائرين لكن متعتها الحقيقية بالنسبة للسياح لا تكتمل الا في فصل الصيف وايامه الطوال التي لا تعرف بعضها الليل على الاطلاق! على امتداد الشريط الساحلي توجد مراكز ترفيهية متنوعة جدا، الغولف، التجديف، المراكب الشراعية وغير ذلك. الجزيرة محطة استراحة جميلة جدا لهواة الطبيعة والبحر بعيدا عن ضجيج المدن