جاء فوز المترجم المصري سمير جريس بجائزة معهد غوته للترجمة الأدبية إلى العربية عام 2014 احتفاء بروح تترجم بحس إبداعي متفرد، وتقديرا لما أنجزه من ترجمة لروائع إبداعية لكبار الروائين والكتاب الألمان كان لها تأثيرها الواسع على الحركة الإبداعية العربية من بينها :"عازفة البيانو" لإلفريده يلينك، و"الكونتراباص" لباتريك زوسكيند، و"الوعد" لفريدريش دورنمات، و"رجل عاشق" لمارتين فالزر.
وقد سبق لجريس الذي درس الألمانية وآدابها في القاهرة وماينتس بألمانيا أن حصل على الجائزة الأولى في ترجمة القصة من المجلس الأعلى للثقافة في مصر عام 1996. وفي هذا الحوار معه نتعرف على جوانب مهمة من أفكاره ورؤيته لعالم الترجمة وتأثره بما يجري على الساحة الثقافية والسياسية.

* بداية لماذا اخترت الترجمة؟ أو بعبارة أخرى لماذا اختارتك؟
** هي الرغبة في نقل عمل تستمتع به شخصياً وتريد أن تشرك الآخرين في هذه المتعة، أو الرغبة في إطلاع الآخرين على تجربة أدبية تراها جديرة بأن تعبر الحدود والثقافات. عندما كتبت رسالة الماجستير في الترجمة في جامعة ماينتس بألمانيا، حول "إشكاليات ترجمة الأدب الألماني المعاصر إلى العربية"، قرأت جملة للروائي البرتغالي الحاصل على جائزة نوبل للآدابجوزيه ساراماغويقول فيها: "الكاتب يبدع بلغته أدباً قومياً، أما الأدب العالمي فيصنعه المترجمون". هذه الجملة تجسد طموح أي مترجم. كما أنه هناك، أخيراً، متعة الترجمة الأدبية التي تدفع المترجم لتجشم كل مشاق الترجمة وتحمل عذاباتها وتدني أجورها.

* ما هي في نظرك شروط ترجمة عمل أدبي أو فكري؟ وما المعايير المطلوبة لاختيار عمل قصد ترجمته؟
** دعني أتحدث عن خبرتي الشخصية لترى ما هي المعايير التي أستخدمها في الترجمة. لقد كان همي منذ بادية عملي كمترجم أدبي هو نقل أعمال متميزة من كافة اتجاهات الأدب الألماني اللغة المعاصر، أي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945. أقول أعمالاً متميزة، إما لأنها حققت شهرة في داخل المنطقة الألمانية (مثل "قصص بسيطة" لإنغوشولتسه)، أو لأنها حققت نقلة فنية أو أسلوبية وبالتالي كانت لها أهمية نقدية (مثل "مونتاوك" لماكس فريش)، أو رواية "عازفة البيانو" للنمساوية إلفريده يلينك التي حصلت على نوبل عام 2004، وأحياناً أنقل عملاً أراه مناسباً للقارئ العربي (مثلاً "الحيوان الباكي" لميشائيل كليبرغ والذي يتحدث فيه عن رحلته إلى لبنان وعلاقته بالشاعر عباس بيضون). وفي بعض الأحيان أترجم عملاً لكاتب لا يعرفه القارئ العربي (مثل توماس برنهارد وكتابه "صداقة")، وأخيراً، يحدث أن أترجم عملاً ما لأنني – ببساطة – أحببته، واستمتعت به وأردت أن يشاركني آخرون هذه المتعة (مثل "الكونتراباص" لزوسكيند، وكل أعمال دورنمات التي ترجمتها حتى الآن، وخاصة "الوعد"). كما ترى أعمال مختلفة كل الاختلاف، يجمعها، برأيي، القيمة الأدبية، وأنها أعمال "غير مُغرقِة" في ألمانيتها، أي تستطيع – رغم التصاقها بالتربة المحلية – أن تخاطب القارئ العربي.
عموماً أستطيع القول، وهذا معيار آخر، إني لم أترجم كتاباً لم أحبه، باستثناء كتاب واحد كانت له ظروفه التي آمل ألا تتكرر.

* هل ترى معي أن المترجم مدعو طوعا إلى ترجمة بعض الأعمال الأدبية، كمبادرة منه للإسهام في الشأن الثقافي؟
** نعم، بالطبع، يمكن أن يفعل ذلك. ولكن لا تنسى أنه سيتحتم عليه في هذه الحالة السعي وراء شراء حقوق الملكية الفكرية، ثم البحث عن دار نشر تتحمس لنشر الترجمة – وهذه كلها خطوات تستهلك وقتاً وجهداً كبيراً من المترجم، الذي يحتاج إلى هذا الوقت للقيام بعمله الأساسي: الترجمة
.
* تستحوذ الكتب التي تناقش أو ترصد وتحلل ظاهرة جماعات وتنظيمات الاسلام السياسي المتطرف والتكفيري منها والارهابي جل أعمال المترجمين في الكثير من دور النشر الخاصة حيث تلقى إقبالا ورواجا كبيرا.. ما رأيك في ذلك؟

** هذه ظاهرة تشغل القراء والباحثين، ومن الطبيعي أن تلقى اهتمام المترجمين ودور النشر. بالطبع هناك "موضات" في سوق الترجمة كما في سوق التأليف. عن نفسي لن أسعى لترجمة كتاب يساير موضة معينة، إلا إذا شعرت أنه كتاب يسد بالفعل ثغرة، أو يقدم جديداً. ولكن لا تنسى أن الترجمة مهنة كأي مهنة، وهناك من يترجم لأنه يتعيش من مكافآت الترجمة.

* لماذا لم نعد نسمع عن ترجمات أدبية سواء سردية أو شعرية أو نقدية نظرية وتطبيقية تحقق رواجا أو حضورا كبيرا في الساحة الثقافية والإبداعية؟
** ألا ترى معي أن الساحة الثقافية والإبداعية خاملة إلى حد كبير؟ أعتقد أن هذا التراجع الذي تصفه لا ينطبق على مجال الترجمة فحسب، بل على كافة المجالات الثقافية. تنشط الترجمة عندما تتعافى الثقافة، ويتراجع دورها بتراجع دور الثقافة في الحياة عموماً.

* وفي نظرك إلى أي حد يمكن أن تساهم الترجمة في تحسين الواصل الثقافي بين الشرق والغرب خصوصا في ظل المجريات الحادثة على الساحة الإقليمية الآن؟
** ما أفسدته السياسة لا يصلحه الأدب أو الترجمة. الترجمة تعمل – على المدى البعيد – على تفعيل التواصل الثقافي، ولكن لا تنتظر منها نتيجة مباشرة أو آنية.
&