هذه القصيدة تجبرنا على قراءتها لاكثر من مرة كلما صادفتها اعيننا في اي مكان ، قصيدة مشاكسة لكنها تقطر ألما ، تقرأ اوجاعا عراقية في زمن عراقي تميز بهوامشه !!.

&&& لا يفتأ الشاعر العراقي الكبير كاظم الحجاج الا ان يلفت انتباهنا اليه بقوة ويجعلنا نصفق له بعفوية تفرضها علينا الكلمات التي يدلقها على مسامعنا او تتنافس النظرات في قراءتها ، فهو لا ينفك ان يحيلنا الى الدهشة ويتركنا حائرين في رسم علامات التعجب وفردات الاعجاب ، ولا اعتقد انه حين يقول ما عنده لمحض اثارة بل ان نبضات قلبه هي التي تعزف الاحرف لتظهر بهذا البهاء التي هي عليه .
&&& كاظم الحجاج .. لا زلنا نتداول قصيدته التي تحمل عنوان (أنظر بعين من نهرين) ، انه يجعلنا نصغي بحرص لسماع او ننتبه لكل حرف او كلمة او جملة لاننا نعرف انه سيدهشنا بالمفارقة الجريئة التي سيجعلها تحلق مثل طيور النورس وتتحرك مثلها بشيء من السحر ، فتحاول العيون ان تمسك بها لكن جمالها يتسرب الى القلب والروح ويجعل العينين تدمعان ، انه يقول ما صعب على الكثيرين ان يقولوه، بل ربما لا احد يستطيع صياغته مثلما صاغه بذلك التكثيف والهدوء والعذوبة والذكاء ، بل اعتقد انه امر يثير الخوف قبل النطق به ،خاصة انه يقوله بصوت عال وبأحرف مركزة ثابتة وباعتراف غير مسبوق حول قضايا خطيرة تعد من اركان الاسلام هي الصلاة والصوم والزكاة ،فيقارن ما بين نفسه والاخرين الذين يطلقون الشعارات ويبسملون ويحوقلون
يقول الحجاج في المقطع الاول من قصيدته القصيرة :

(أنا لا أصلي!
أنا أتوضأ ، دون صلاةٍ ، وهذي شماليْ
أعف وأطهر ممن يصلي نهاراً، ويسرق في الليل خبز عيالي!)

&&& انه يرسم شكلا مغايرا لوقائع حياتية ،انه يرمي كلمته الصادمة بهدوء ، لكنه يطرح اشكالية ما بين الصلاة والوضوء ،فهو يتوضأ دون صلاة ، فيما يمد يده الشمال ، وكأنه يشير الى (ان المؤمن يأخذ كتابه بيمينه و الكافر بشماله أو من وراء ظهره، كما دل عليه القرآن الكريم) ، لكنه ازاء هذا يوضح بشكل ليس اي التباس او شك ان يده هذه اعف واطهر ممن يصلي نهارا ويسرق خبز عياله في الليل ،وهو هنا يشير الى ان (الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) لكنه يرفع يده التي لا تتوضأ للصلاة وهي اعف واطهر من ذلك الذي يصلي ويسرق !!
وفي المقطع الثاني نقرأ:
(أنا لا أصوم!
أنا صائم منذ ستين عامْ!
أجوع وآكلُ
لكنني لا أبسمل عن لقمةٍ بالحرامْ!)

انه هنا يطرح اشكالية اخرى تخص ركنا دينيا مهما ، وهو الصوم، لكنه يعترف انه لا يصوم (شهر رمضان) المتعارف بالصوم فيه ، ومن ثم يعلن بفم فصيح ممتليء بالوجع والحزن والحسرة انه عاش عمره كله صائما ، لكنه يجوع فيأكل ،فقط حين يجوع يأكل ، ومن ثم يرمي جملته الصادمة الجريئة انه لا يقرأ (بس الله الرحمن الرحيم) عن لقمة بالحرام وهو يشير الى كثيرين يفعلونها ويعني ذلك بكل وضوح .
ويختم& الشاعر الحجاج نصه المشاكس بالقول الآتي :
(أنا لا أزكي!
فمن أين ليْ؟
وحتى لحافي.. قصير على أرجلي ؟!) .

ثم يمر على الزكاة ،فيعترف بجرأة انه لا يدفع الزكاة ، ويبرر ذلك بشيء من السخرية من نفسه او واقعه ، كأنه يبرطم وهو يقول الكلمة، اي يدفع شفته السفلى الى الامام، ويرفع حاجبيه استغرابا واستفهاما ، بأنه ليس لديه مال كي يزكيه ،وكأنه يريد ان يقول ان للزكاة اهلها الذين ذكرهم سابقا (الذين يسرقون في الليل خبز عياله) و (ويبسملون عن لقمةٍ بالحرامْ!) ولانه لا بد ان يوضح الصورة اكثر فهو يعلن انه ان لحافه الذي يمتلكه لا يستطع ان يمده على قدر رجليه ،كما في الامثال الشعبية التي تنصح بـ (مد لحافك على قد رجليك) ، لان لحافه قصير، وفي تلك اشارات ليس من الصعوبة فهمها في بلد يعاني الكثير من السلبيات التي تطيح باشياء كثير تعد من اعظم المباديء وتدين وضعا مزريا يرثى له حيث الصور اكثر وضوحا على خارطة الوطن الذي تسوده شعارات تتناقض مع الواقع ، حيث انه لا يصلي ولا يصوم ولا يزكي لضرورات يريد منها المقارنة مع اولئك الذين يحرصون على اداء الاركان لكنهم في شك وريب
&