مسرحية الملك لير تأليف وليم شكسبير مسرح مدينة ستوكهولم والمخرج النرويجي أولى أندرسون والممثل الكبير سفين والتر في دور الملك ليروهو راقد على سرير متحرك في مستشفى مريض يشكوا من وهن الشيخوخة يقول الراوي عندما جئتُ لزيارة أمي في بيت المسنين شاهدت رجلآ مقعد& على كرسي متحرك وهو يصرخ ويحاول الهروب والنجاة من الممرضات ولكن بدون جدوى لأن كل الابواب مقفلة وموصدة لكنه توقف وهو ينظر في وجهي وهو يردد كم كنت ساذجآ في تصرفاتي وفي تقييمي الى الامور،أنا الذي كنت ملكآ وزعت أملاك مملكتي على بناتي وكانت خيبة أمل بسبب خديعة إثنين من بناتي أودعوني في سجن المجانين وتركوني أتجرع سم التخلف والموت البطيئ; كنت أحب أسرتي وبناتي وأسفي على غدر الزمان تركوني عاريآ وسط عاصفة الامطار وبدون مأوى , وتعتبر مسرحية الملك لير والمفعمة بالشعر والعاطفة والدسيسة بغض العمر بالنسبة للملك ولكن الانسان حينما يتعرض الى حالة الاذلال على يد أقرب الناس إليه وهم فلذة أكباده بناته وفق لعبة توزيع مخزونات كرسي العرش وتوزيع وتقسيم البلاد مابين بناته وفق مزاد علني ولعبة السوآل الوحيد لهن : من تحبه أكثر؟ وهنا تبدأ لعبة الغش والكذب والنفاق والدسيسة من الاختان كورنيلا والمخادعة ريغان وفن الاستحواد على الميراث وتوزيعه بينهما وتقع الاخت الاصغر كورديليا في فخ الحرمان نتيجة طيبتها وبراءتها وحبها الحقيقي للوالد الملك لير ويقرر إبعادها وحرمانها من كل مكاسب الميراث،وفي الجانب الاخر يتعرض غلوستر لنفس الخديعة من قبل إبنه إدموند والوشاية على أخيه إدغار كونه يريد قتله وهذه الوشاية تجبر الابن إدغار على الفرار والتنكر على إنه مجنون ,ويعود كنت لخدمة الملك وهو متنكر وفي تمويه يرتدي ملابس أرنب كبير استطاع المخرج معالجة المسرحية بشكل معاصر واستخدام بعض الحوارات المعاصرة تجاوزآ على لغة الحوار في النص الشكسبيري وإستخدام تقنيات الاضاءة وخلق أجواء الريح والضباب والاجواء الحالمة وتحول الحوار الشكسبيري الى لغة حوار معاصرة ويبقى الممثل سفين والتر في دور الملك لير وعمره ٨٠ سنة شخصية مناسبة ثم إنه في الواقع ماتت إبنته بسبب مرض قلة الشهية ولازال يتحمل الحزن وألم فراقهاهذا في الواقع هنا في المسرحية يفقد إبنته وحبيبة قلبه كورديليا، والمسرحية عبارة عن قطعة درامية رائعة وذات عمق إنساني كبير وقمة نجاح العمل هو تفسير النص وتحويله الى حالة معاصرة وكذلك السينوغراف والازياء ومشاهد المبارزة وتبقى مسرحية الملك لير مثيرة ومبهرة رغم مدة العرض ثلاث ساعات مع إستراحة واحدة يقول الممثل سفين والتر في مدوناته ربما بعد ٦٠ سنة على خشبة المسرح عندما كنت شابآ ماكنت أعرف الالم والحزن وبعد موت إبنتي عرفت معنى الحب والفجيعة وقد تكرر حزني في مسرحية الملك لير عندما أضع إبنتي كورديليا على الركبة وهي ميتة لاأستطيع الهروب والخلاص من الحزن لقد غزا قلبي رغم ذلك أعيش في بيتي كبستاني وأحاول نسيان الماضي وأتحاور مع الورود في حديقة بيتي . يبقى وليم شكسبير من أكثر الكتاب والذي يتميز مسرحهم بقوة حواره وعمق غوصه في أعماق النفس البشرية وكل موضوعاته تعبر عن حقائق إنسانية تصلح لكل الازمات وممكن تقديمه في كل زمان وعصر وبطريقة معاصرة فمعظم مسرحياته تهز القلوب والعقول وتلعب الرؤية البصرية وممكن تجاوز بعض الحوارات والمنولوجات الطويلة صحيح إن عبقرية شكسبير تكمن في حواراته ولكن يجوز الحذف وتجاوز العديد من المشاهد والمسألة تتوقف على رؤية المخرج وطريقة المعالجة الاخراجية وبالتنسيق والتشاور مع الدراماتورج والسينوغراف وقدرة الممثل الذي يعتبر العمود الفقري وقوة التعبير والحركة والاداء وسر نجاح أي مسرحية يتوقف على طريقة التجانس واستخدام التقنيات الحديثة المكملة لتفسير وتفكيك النص المسرحي ومعالجته بطريقة تتواكب مع واقع العصر وإتباع الطريقة المثلى لأداء شكبير وهذه تتوقف على حرص المخرج والممثل في إبراز جمال النص الشكسبيري وروعة الشعر وتقديمه للجمهور على شكل متعة ثقافية ونقدية من الطراز الاول والمرموق من خلال تحويل النص والحوار الدرامي الى فعل وحركة درامية وهذه تنتج وفق خلية عمل متألفة مثل فرقة سمفونية في فهم إيقاع النص ولونه والتعبير عن مضمونه وفلسفة المؤلف تكملها ترجمة المخرج وقوة تعبير وأداء الممثل الراقي والفهم الواعي والذي يصل إليه فريق العمل المسرحي ،عندما يتحول ثاج الملك وقصره وكرسيه وملابسه الراقية الى مجرد ملك فقد صلاحياته ومجنون مقعد على سرير متحرك أو عربة في مستشفى المجانين أو في دار العجزة والمقعدين وأعمدة القصر تتحول الى أبواب مقفلة أشبه مايكون بالسجن وخدم القصر عبارة عن ممرضات والملك شيخ عجوز والاحساس بالبرد والهزبمة والخدلان وأصبح الملك شبه عاري وإنتهت مرحلة التبختر شعرنا نحن بالاسى والحزن على نهاية الملك لير وحبيبة قلبه كورديليا ،إستطاع المخرج النرويجي أولى أندرس أن يتجاوز عاصفة الثلج في النص الشكبيري وتجاوز جدران القصر ربما قادنا المخرج في زيارة الى المستشفى لكي نشاهد نهاية لعبة الملك وأماكن موبوءة بالجنون والقتل ونشم رائحة النفي والموت ويؤكد شكسبير على إن المسرح يعتمد على مشاركة عقل المتفرج وأحيانآ نتفق مع مقولته العالم عبارة عن مسرح كبير والمقصود هو قدرة العرض المسرحي على إحتواء العالم بكل مافيه .فقصر النظر والفهم لدى الملك لير وطريقة توزيع وتقسيم عرش مملكته وقد أكدّت إبنته ريغان إن الملك قليل المعرفة وتتدهور شخصيته لكونه شديد الاعتداد بنفسه وتضعف مشاعره بسبب الشيخوخة وعوامل الهرم ، ملك عنيد ويغضب بسرعة والتجني وحكمه القاسي على إبنته الصغرى كورديليا الرحيمة وبسبب هذه الفعلة الحمقاء المتعلقة بأستبعاد كورديليا وحرمانها من وراثة العرش نصل الى نهاية مصير الملك لير على يد محور الشر المتمثل ببناته كورنيل وريغان ويتم إبعاد وتصفية الملك مثلما حصل مع كورديليا والتي أصبحت عالمآ من العذاب والتعاسة وهي ميتة بين ذراعيه ولكن بعد فوات الاوان أصبح الملك نادمآ ورحيمآ عليها وهذه كانت نهاية سوء التقدير للملك لير وقياس حب بناته له وجشع الاستحواد على عرش مملكته وتحول الرجل العجوز والمغرور والحاد المزاج الى رجل يدرك أسرار العالم وتحول جنونه إلى إدراك الشر الذي يخيم ويسيطر على العالم من خلال ظلم وزيف الشخصيات وطريقة التفنن بالنفاق . يؤكد المخرج السويدي إنجمار برجمان في مدوناته في وصف مسرحية الملك لير هي عبارة عن بانوراما العصر المستشري في عصرنا هذا الزيف والنفاق والتملق هذه الدراما الساحرة نجد فيها الفجيعة وسخافات التأريخ الدموي والكراهية ،الشيخوخة والخرافة والاطراء المزيف والمخادع والتزلف والاكاذيب تخدع الملك لير وقد حان تسليم زمام الامور والسلطة على بناته ولكن من هي الاجدر بقيادة كرسي العرش كورديليا الضحية وهي ميتة بين يديه الملك والاب المخدوع وهو يولول ويصرخ : أبدآ .أبدآ سأكون مع إبنتي الجميلة والرحيمة والرهيبة، وهذه كانت قمة العزاء وعلينا أن نتعلم كيف نعيش مع الالم وكيف نتجاوزه، فكل أحداث مسرحية الملك لير تثير فينا مشاعر الامل والخوف والتقزز وتجعل المتفرج في حالة إشباع لهذه المشاعر ربما تؤدي الى حالة التطهير والتكامل النفسي لقد إنقاد الملك العجوز الى الاطراء الكاذب من قبل بناته وكانت غلطة العمر دفع ثمنها وقادت مملكته وأسرته الى الكوارث والمأسي وإنتهى كل شيئ وأصبح في عالم الخراب والدمار وكانت الضحية كورديليا والملك وكذلك حلوستر المخدوع من إبنه الشرير إدموند وقدعذب وفقأت عيناه وأصبح ضرير. وتبقى مسرحية الملك لير ضربة الممثل الشاطر وحصة الاسد وإقبال الجمهور لغرض مشاهدة الممثل الكبير سفن والتر كونه يتمتع بشعبية واسعة وحب الجمهور السويدي سواء تمثيله في المسرح والتلفزيون والسينما وله قدرة هائلة على الغناء وصوته الرخامي الجميل وله العديد من المساهمات والنشاطات السياسية المؤيدة والمساندة للقضية الفلسطينية وكذلك حبه وعلاقته الوطيدة مع المهاجرين.

عصمان فارس مخرج وناقد مسرحي ستوكهولم