لأن القيود الإيرانية على الفنون لا تنتهي، آثر المبدعون الإيرانيون أن يعيشوا حياتهم الفنية تحت الأرض، بعيدًا عن عيون المسؤولين وحلالهم وحرامهم.


عبد الاله مجيد: يصطدم الفنانون الإيرانيون بجدار أصم من الرقابة، ولإيصال أعمالهم إلى الجمهور يتعين عليهم أن يجتازوا حقل الغام من القيود والشروط والمعايير يتعين أن يستوفيها انتاجهم الفني، لينال رضا الرقيب.

جرة قلم اعتباطية

أصبح الاحتيال على هذه القيود بحد ذاته شكلًا فنيًا يجب على المبدع الإيراني أن يتقنه، للقفز فوق هذه الحواجز وإيصال عمله إلى الجمهور. وإذا لجأ الفنان إلى مواقع التواصل الاجتماعي، المسموح بها على الأقل، فهي تخضع للرقابة على مدار الساعة.

وتغطي أحكام الرقابة في إيران دائرة واسعة تشمل مظهر المرأة والقضايا المسموح بمناقشتها علنًا، وأي عمل ثقافي أو فني يُراد تقديمه للجمهور يجب أن يحصل أولًا على إجازة من وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي وموافقتها قبل البدء بانتاجه.

وتخضع المسرحيات والروايات واشرطة الفيديو والافلام والأغاني كلها للرقابة، وكثيرًا ما تُمنع بجرة قلم اعتباطية من موظف بيروقراطي، أو ملا مفروض على الثقافة.

صوتها عورة

من الممنوعات الكثيرة المسرحيات التي تتناول مواضيع سياسية أو دينية، أو تتضمن اشارات إلى قضايا جنسية. ولا يُسمح بالغناء الفردي للفنانات امام جمهور من الرجال أو بينهم رجال، ولا حتى بتسجيل الغناء لإيصاله صوتيًا من دون صورة، لاعتقاد راسخ لدى الملالي بأن صوت المرأة "عورة" يستثير الرجل جنسيًا.

وأُجبر كثير من الفنانين الإيرانيين على العمل السري لممارسة حرية الابداع، وأحيانًا العمل تحت الأرض بالمعنى الحرفي للكلمة، بتقديم عروض داخل أنفاق أو في كهوف أو بين جدران بيوتهم أو في حقول مهجورة بعيدًا عن أعين المسؤولين. ويلجأ الفنانون الإيرانيون إلى هذه الأساليب ليس تمردًا، وانما لأن السلطة لا تترك لهم خيارًا آخر.

كما يستطيع الفنان الإيراني أن يتنقل بين النشاط المسموح به والعمل السري تحت الأرض. فيمكنه أن يشارك في فعالية مجازة رسميًا ويعمل في الوقت نفسه على مشاريع سرية تحت الأرض.

يملك صوتًا غربيًا!

وكان الفنانون والمثقفون الإيرانيون تفاءلوا بانفراج في الحريات المدنية بعد انتخاب حسن روحاني، بوصفه سياسيًا معتدلًا قيل انه يتخذ موقفًا وديًا من الفنون. وشعر كثيرون بأن التغيير قادم، وإن كان بالقطّارة، بعد أن نقل التلفزيون الإيراني على الهواء الحفل الذي احياه المغني بالت بند في مطلع العام الحالي، وسُمح في نيسان (ابريل)& الماضي لنجم موسيقى البوب المشهور إيرانيًا زانيار خسروي بالغناء على المسرح، بعد أن منعته وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي في وقت سابق، لأن يملك صوتًا غربيًا.

وأمضى جيريمي سايكر، مصور صحيفة واشنطن بوست، عدة اشهر في إيران يتابع الثقافة السرية لشباب وشابات من الراقصين والرسامين والفنانين الأدائيين والموسيقيين ومبدعين إيرانيين آخرين، صمموا على ممارسة حرية التعبير خارج قيود الرقابة.

واستقبله الفنانون الإيرانيون في جمعيتهم السرية، ليس بوصفه غريبًا جاء يتفرج عليهم، بل مبدعًا مثلهم يمكن أن يستخدم كاميرته لتصوير نتاجاتهم ونضالهم. وما أطلع عليه المصور سايكر تحت الأرض يختلف كثيرًا عن الثقافة الإيرانية الظاهرة على السطح.