بغداد: صورته موشومة في الذاكرة بكل بهاء يحمله وكل امتنان له وهو الرجل الذي اسرج الحروف والكلمات لتكون فضاءات من الحرية تضيء للآخرين دروبهم نحو التألق.
&الاقربون منه يؤكدون بمصداقية ليست فيها ذرة من الشك انه (كائن متفرد بالمعرفة والتحليل والاستكشاف والتجديد والبراعة واللغة المطواعة والخيال المبدع)، يعرفونه جيدا جدا ويرونه يقف في الصف الاول من المبدعين العراقيين الذين تركوا اثرا في المسيرة الادبية للبلد،
&انه حميد المطبعي الذي يعيش الان ومنذ وقت طويل.. وحيدا، مريضا، لم يغادر منزله، لانه قدرته على ذلك لا تساعده، المقربون منه والعارفون بأمره يؤكدون انه لا يفعل سوى ان ينظر الى التلفون ينتظر ان تأتيه عبره& اصوات الاصدقاء وهي تسأل عنه او يطمع بزيارة بعضهم له، للاطمئنان عليه فيشعر بشيء من السرور يغمره لان هناك من يتذكره.

لم يتفقده احد !!
&&& انه هناك يعاني الكثير من عذابات المرض وليس الشيخوخة فهو بعمر 72 عاما& لكن الغريب ان الاهمال داهمه مثل الكثيرين غيره من ادباء ومثقفي العراق الذين تركته الدولة لاقدارهم يقاتلون العوز بسيوف من ارث ثقافي وادبي لا يقوى على ان يمنع المرض من ان يصيب الجسد المثقف بسوءاته، فهذا هو حميد المطبعي الذي تحيطه اعداد مجلة (الكلمة) و(موسوعة اعلام العراق في القرن العشرين) بأجزائها الثلاثة، غير قادر على توفير ثمن الدواء ولا على ثمن زيارة الطبيب وليست لديه امكانية الحصول على الرعاية الصحية الحقيقية، بل ان المؤذي اكثر بالنسبة اليه ان الكثيرين لم يسألوا عنه، والاغرب ان احدا لم يتفقده من وزارة ثقافة& فيما اتحاد ادباء يسلم عليه سلام الخجول العاجز عن اداء واجبه وكأن لسان حاله يقول ليس باليد حيلة، والمقربون منه يقولون انه لا يعرف العتب ولا القاء اللوم على احد، بل انه على حد تعبيرهم&& يجد الاعذار لمن ينشغل عنه.
&ليس من السهولة السؤال: من هو حميد المطبعي؟ فهذا يصيب بالوجع كون المطبعي قامة ادبية انيقة طالما ضاءت في الكثير من المواقف وطالما كان له حضور مميز في الوسط الثقافي، لكن المؤسف ان نرثي لحاله وهو الذي مفعم بالكبرياء، ومن المؤسف ان يعيش عليلا لا يقوى على ان يستريح قليلا ولا تأن نفسه من الوجع فيما السؤال الذي يطفو على السطح ويكون واضحا للعيان : أليس من حقه على الحكومة ان ترعاه وتعتني به كأحد واجباتها الرئيسية ؟

رهين البيت&
&&&& قال عنه الكاتب رضا الأعرجي: كتب الصديق الشاعر كامل الشرقي إرسالا مؤثرا عن الحالة الصحية المتردية لصديقنا المشترك الكاتب الكبير الأستاذ حميد المطبعي، وعلى الأثر اتصلت به هاتفيا لكنه لم يرد كعادته كلما اتصلت به، فكان أن اتصلت بولده بسام الذي أكد حراجة الوضع الصحي لوالده ورفضه الذهاب للمستشفى بل حتى استقبال أطباء أتى بهم بعض أصدقائه الأوفياء لإجراء الفحوصات عليه، ظنا منه أنه في ساعاته الأخيرة.
واضاف: لقد أجبر المرض الكاتب المطبعي على البقاء رهين بيته لأكثر من عقد وهو المعروف بحراكه وديناميته في الوسط الثقافي، كما حال دون مواصلة مشروعه الفكري بتقصي سير أعلام العراق وإكمال موسوعته عن رجال الفكر والأدب العراقيين.
وتابع : وكان الكاتب المطبعي قد مهد لحركة الحداثة الشعرية العراقية بإصداره مجلة (الكلمة) آواخر ستينات القرن المنصرم، وقد استقطبت منذ ذلك الوقت أهم الأسماء الإبداعية من شعراء وقصاصين ونقاد حتى بات يطلق عليهم (جيل الكلمة).
وختم بالقول : لن نراهن على وزارة الثقافة أو أية جهة رسمية بانتشال الكاتب المطبعي من براثن المرض، لكن الرهان على أصحاب الأقلام النبيلة في القيام بحملة انقاذ هذا الكاتب الذي أثرى المكتبة العراقية بالعشرات من المطبوعات المرجعية المهمة، فهل سنربح الرهان؟

& عطاءٌ رغم خريف العمر
وقال عنه الباحث عكاب السالم : الباحث حميد المطبعي، مثل حي، على قدرة مدهشة على الإفلات من تداعيات (شبكة) التقدم في العمر، بل وتحويل (الشيخوخة) الى محفز مضاف لعطاء غزير(كماً ونوعاً). إن المطبعي، رغم صمته عن الكلام، وشبه العزلة عن الحضور في هذه الندوة أو تلك، يحلم مع قدر غير قليل من التذكر.
&واضاف : حميد المطبعي، باحث مؤرخ، رحالة. درس الفلسفة واللغة في معاهد النجف العلمية. أصدر اكثر من ثلاثين كتاباً في الرحلات والحضارة والتاريخ، ويعتز اكثر بكتابه الفلسفي(رسائل الى سقراط). وفي حوار معه بداره العامرة، صباح يوم الجمعة (2014/2/7، ذكر المطبعي أن هذا الكتاب من (أحسنِ كتبه) كما قال: الى جانب كتاباته الصحفية المتواصلة. يُمن بالإنسان فكراً وفلسفة ومنهجاً.والسؤال هو: بعد هذا العرض السريع والمختصر لعطاء المطبعي، من ينتصر: المطبعي أم الشيخوخة؟المعطيات الملموسة، تؤكد ان المطبعي مصر على الحاق الهزيمة بالشيخوخة، وقد حقق اكثر من هدف في مرماها.

ذاكرة مدينة وشخوص وسيرة
من جهتها قالت الروائية عالية طالب: من أصعب الحالات التي يمكن ان نمر بها، هو ان يكون علينا ان نتحدث عن شخص نعرفه جيدا ورافقنا مسيرته سنوات طوال ودخلنا معه في عوالم متشعبة تعطي مدياتها عبر& افاق& مفتوحة المسارات قابلة للاحالات متشعبة الرؤى ممتدة الى اللامحدود من الزمان والمكان،هذا ما اراه وانا احاول ان امسك اطراف الحديث عن شخصية بحجم ” حميد المطبعي” فمن اين ابدا ومن اية زاوية وعن اي منعطف& نفتح البوابة، والجهات الاربع تفتح ذراعيها بلا اية تقاطعات..
واضافت: أكثر من ثلاثة عقود مرت وأنا أحمل صداقة فريدة من نوعها تربطني& بالمفكر الكبير "حميد المطبعي" صداقة& تشبه الانتماء والتجذر والتوحد والألفة العجيبة، في بدايات تعرفي به بعد عودتي من سنوات غربة في بيروت كان صديقا ودودا ثم أصبحنا مع الايام ثنائيا مترابطا ثم بات عاكسا لذاكرتي باوقات واشخاص وأمكنة وأحداث وحوارات لا تنفك عن ملازمتي اينما أكون، وبعدها أصبح هاجسا من قلق أخشى عليه من ويلات زمن بدأ يصدأ في اغلب زواياه، ولاحقا أصبح أبنا اتفقده وانا اشعر بأنني أما تغدق حنانها على كائن من مزايا لا يحمل توصيفات الزمان والمكان بل يتعداها الى مديات أعرف حجم تكويناتها جيدا في نفسي، يحمل الوداعة والضحكة المجلجلة والمعرفة والفكر والذاكرة النشطة والرؤيا الاستبصارية والتحليل الواعي والفهم المتجدد والمقدرة على انتزاع ما& نتوقف عن البوح به لانفسنا لكننا معه نصغي لذواتنا التي تريد ان تقول كل شيء دون تردد.
وختمت بالقول : انه حميد المطبعي الذي تناسته المؤسسة الرسمية وترسخ في بصمة& المشهد الثقافي والفكري والاعلامي العراقي بكل ثبات وصلابة. تحية لك ايها المتميز بالكثير.
&