إستضاف المعهد الثقافي المكسيكي بمدريد الإسبوع الماضي المؤرخ والباحث كريستوفر دومينغيث الذي قدّم كتابه الجديد عن أوكتافيو باث قائلاً أنه أوّل سيرة ذاتية شاملة عن الشاعر المكسيكي.
إنغمر أوكتافيو باث في خضم حياة المكسيك، موطنه الأصلي. بكى لمآسيه، وتمتع برقصاته، وناضل من أجل تغييره. مجسّداً في نثره روح وتأريخ وتنوع بلده. ولا تزال أشعار الشاعر الحاصل على جائزة نوبل للآداب لعام 1990، بعد مرور 100 عام على ولادته، تبحث في معاناة المكسيكيين. وكانت صدرت مجموعة كبيرة من الكتب التي تتحدث عنه وعن أعماله، لكن فيما يخص حياته الأكثر حميمية، لم تكن قد ظهرت منها، حتى الآن، سوى الشائعات.
غير أن السيرة الذاتية ( أوكتافيو باث في مئويته) التي قدّمها المؤرخ والباحث كريستوفر دومينغيث مايكل (مدينة مكسيكو، 1962)، خلال الإسبوع الماضي في المعهد المكسيكي بمدريد، في كتاب عن باث، تعدّ في رأيه البيوغرافيا الأكثر شمولاً وعمقاً عن الشاعر المكسيكي.
وكما يوضح مؤلف الكتاب أن مرد هذا التأخير في ظهور السيرة الخاصة بحياة باث يعود إلى تشتت أرشيف حياته وبأنه غير منظّم. وبغية إكمال عمله أجرى دومينغيث، إلى جانب العديد من المتخصصين، عشرات اللقاءات مع أصدقاء وزملاء الشاعر المكسيكي، من الكتّاب المكسيكيين، ومع أرملة الشاعر ماريا خوسيه تراميني، حيث يصف الحديث معها بأنه "كان مقتضباً جداً، لكن غنياً جداً بالمعلومات". ورغم لقاءاته العديدة بشخصيات جد مقربة من أوكتافيو باث، والتي منحته فرصة الإلمام بأدق تفاصيل حياة هذا الشاعر الفذ، إلاّ أن دومينغيث لم يحظ بلقاءٍ مع إبنة باث الوحيدة إيلينا باث غارّو، حيث كانت توفيت عن عمر 74 عاماً، وذلك في 30 مارس/ آذار، عشية الذكرى المئوية لميلاد والدها، معلقاً& على ذلك " ولكن لحسن الحظ أنها تركت مذكراتها والتي تعدّ في غاية الأهمية".
يتحدث دومينغيث في كتابه عن العلاقة العاصفة بين باث وزوجته الأولى، إيلينا غارّو، والقطيعة مع إبنته، وولعه بالرسم الذي يتعارض ولامبالاته بالموسيقى، وكذلك مسيرته السياسية، ومساعيه التي لم تتحقق& من أجل الحوار مع اليسار المكسيكي، وزواجه الثاني، وأفكاره الماركسية والليبرالية، وبالتأكيد أعمال الشاعر الأدبية.
ويؤكد مؤلف الكتاب كريستوفر دومينغيث، الذي عمل في مجلة "فويلتا" التي كان أصدرها أوكتافيو باث في العام 1976 على أن "هناك قطبان في أشعار باث العظيمة: التأريخ بمثابة كابوس لا يمكن التخلّص منه، والإثارة الجنسية كخلاص وحيد من جحيم هذا التأريخ. وفيما بينهما يكمن الشعر الذي يمثل محاولة للإيقاع بالحاضر".
ولما يقرب من عشر سنوات كان دومينغيث حاضراً في الإجتماعات التي كان يديرها مؤلف "متاهة العزلة"، إذ يقول "كنت أقوم بترويض عقلي للإحتفاظ بأجزاءٍ كاملة مما كان يقوله، ومن ثم نقله إلى دفتر يومياتي عند وصولي إلى بيتي". وقد كانت علاقة العمل هذه واحدة من الأسباب التي أدّت بمؤلف الكتاب إلى البحث والإستعلام وسرد حياة مديره السابق. ويقول دومينغيث الذي يصف باث بالرجل الطيب والسخي "كتابة السيرة كانت ديناً في عنقي عليّ أن أرده. لقد حالفني الحظ، عندما كان عمري 26 عاماً، أن أكون ضمن هيئة تحرير تلك المجلة، وأن أجتمع به، على الأقل، مرّة واحدة في الشهر".
ومن المتوقع أن يظهر الكتاب في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي ضمن المعرض الدولي للكتاب في غوادالاخارا بالمكسيك. وقد تمت ترجمته أيضاً إلى اللغة الفرنسية، ويأمل المؤلف في أن يتم ترجمته إلى الإنكليزية أيضاً. وليس لدى دومينغيث شك في ظهور كتب أخرى تبحث في سيرة باث الذاتية بشكلٍ توثيقي أفضل، غير أن كتابه، كما يقول، يعتبر أول محاولة متكاملة تروي حياة الشاعر المكسيكي بإسهاب وبأنها" ليست المحاولة الأخيرة والوحيدة، لكنها أول سيرة ذاتية شاملة كتبت عن الشاعر حتى الآن".