هذه القصيدةُ هجاءٌ في الامبراطور "شين تسونج" الذي كان مشغوفاً بالشعبذةِ. فذات مرَّة أخبرَهُ أحدُ الكهنةِ الطاويين بأن أعشابَ إطالةِ العمرِ تنمو على مقربةٍ مِن مدينةِ "تاي-تشو" فأقامَهُ الامبراطور حاكماً عليها؛ ليتمكنَ من أن يجمعَ له الأعشاب بيسرٍ كما يشاء، وعندما اعترضَ المسئولين على هذا، أجابهم الامبراطور قائلاً "إن خرابَ مقاطعةٍ واحدة، إنما هو أبخسُ ثمنٍ يُدفع في سبيل أن يحظى رَبُّ الناس بمزيدٍ مِن العمرِ". (فما أخبلها مِن إجابةٍ مُشبَّعةٍ بخرفِ ذوي السلطةِ المعهود، وخليقة بأن يوسعَهُ "باي جويي" شعراً لاذعاً مِن أجلها!)

1.

كان ياما كان
رجلٌ حَلَمَ بأنه عَرَجَ إلى السماء
كان جسدُه في الحُلْمِ
يُحلِّقُ إلى أجوازِ الفضاء
& ممتطياً ظَهْرَ غُرْنُوقٍ
& أبيضِ الرياش
& مسترشداً في تحليقِه
& برايتين قرمزيتين
وحفيفُ الأجنحةِ ووجيبُ ذيلِ معطفِهِ
& في أذنيه ينسكبان

فجأةً باغتته نواقيسُ
& -مقدودةٌ من اليَشْبِ-
بصليلِها الحاد
وفي منتصفِ الطريقِ إلى السماءِ
نَظَرَ إلى الأسفلِ
& عبر ضَجَّةِ العالمِ الحالكة
وتدريجياً غابَ
& عن ناظريه مسقطُ رأسِهِ:
الجبالُ والماءُ - غيرُهما لم يَعُدْ شيءٌ يبين
المحيطُ الشرقيُّ - شريطٌ نحيفٌ من البياضِ
تلالُ الصينِ - خمسُ بُقعاتٍ من الاخضرارِ

وإذ بجمهرةٍ مِن الجان
تتجاوز موضعَهُ في انحدارِها
& منجرفةً إلى قصرِ مدينةِ اليَشْبِ
-كيف له أن يتنبأ بأن أبناءَ الآلهةِ
& ينحنون أمام العرشِ كما تفعلُ الحاشيةُ
& مع الملوكِ الأرضيين!-

اقتادوه
& إلى حضرةِ الامبراطور اليشبيّ العظيم
فأحنى رأسَهُ
& وقَدَّمَ لجلالتِهِ البيعةَ مخلصاً
قالَ له الامبراطور:
& "نحن نعاين فيكَ مواهبَ الجان
& كُن رابطَ الجأشِ
& ولا تستخف بنفسِكَ
& فبعد خمس عشرة سنةً
& سنأتي بكَ إلى هنا
& لنهبكَ مكاناً مرموقاً
& في بهوِ الخلود"

بانحناءتين
عَبَّرَ الرجلُ عن بالغِ امتنانِهِ
& لكلماتِ الامبراطور السخيَّة
ثم أفاقَ من غفوتِهِ
& مُترعاً بالدهشةِ والغبطة

2.

أخفى الرجلُ سِرَّهُ طي صَدرِه
& لم يجرؤ على أن يجهرَ بِهِ قَطُّ
وآلى على نفسِهِ أن يتَّخِذَ
& كهفاً من الصخرِ مسكناً لَهُ:
مِن حُبِّهِ وحُنوِّهِ نَبَذَ أقرباءه وأصدقاءه
مِن طعامِهِ نَزَعَ المشهيَّاتِ والتوابلَ
نُثارُ المَرْجَانِ
& كان وجبةً لفطورِهِ
وعُصَارةٌ مصفاةٌ مِن ندى الغيومِ
& كانت شراباً لعشائِهِ

زُهاء ثلاثين عاماً
ظَلَّ في الجبالِ الموحشةِ يعيش:
مع كُلِّ يومٍ جديد
& يرتقبُ قدومَ المركبةِ السمائية

كان ميقاتُ الموعدِ المُؤمَّلِ
& قد مضى منذ أمدٍ بعيد
دون أن يَصُكَّ مسمعَه حفيفُ الأجنحةِ
& وجلجلةُ أجراسِ المركبةِ المنتظَرة
ومع كُلِّ يومٍ جديد
& صارت أسنانُهُ تتعفن
& وشعرُهُ يتصوَّح
& وعيناه وأذناه تخسرانَ مَضَاءهما

وذات صباحٍ
& ذاقَ ما يذوقه البشرُ أجمَعُون
وعادَ جسدُهُ إلى الأرضِ
& ليمتزجَ بترابِها ووضرِها:
عجيبةٌ هي طُرقُ الآلهةِ والجان
& -إن كان لهما حقاً وجود-
فهي دوماً أقصى ما تكون
& عن كفاحِ رجلٍ فان

لو لم تملك في رأسِكَ نتوءاً
& جاءَ إثرَ صفعةٍ ذهبية
لم لم يكن اسمُكَ مرقوماً
& على لفائفِ الشرفةِ الحمراء
فعبثاً تعلمتَ "طرق الزهد في الطعام"
وعبثاً درستَ "فرقان المعارف الخيميائية"
هأنتذا تثابرُ وتكدحُ بلا انقطاع
& فما جدوى شقائِكَ هذا؟
فما نصيبُكَ منه إلا أن تفقدَ
& شطراً عظيماً مِن عمرِكَ المقدور

وا لَهْفَتَاه على رجلٍ حَلَمَ بالجان
وفي سبيلِ محضِ حُلْمٍ وحيد
& أفسدَ حياتَهُ كُلَّها