غيب الموت اليوم& الثلاثاء الموافق 25 نوفمبر 2014، في عمان واحدا من اشهر معماري الحداثة العربية المعمار جعفر طوقان، هو المولود في القدس (1938) بفلسطين والحاصل على شهادته الهندسية المعمارية من الجامعة الامريكية في بيروت. وقد ساهم بتصاميميه المميزة في اثراء البيئة المبنية بتصاميم معمارية عدت من اهم ما انتجته عمارة الحداثة العربية. لقد مثلت الحداثة بالنسبة الى جعفر طوقان قرارا معماريا يعكس انتماءاته المهنية، مثلما كانت تعني لديه موقفاً أخلاقياً أيضا، يطمح أن يكون نتاجه التصميمي من خلالها، أداة فعالة في تغيير البيئة المحلية المبنية نحو الأحسن والأكفأ والأجمل والأكثر تجديدا.
تعود اهتمامات جعفر طوقان بالشأن الحداثي إلى الخمسينيات، وفي بيروت تحديدا، هو الذي أكمل تأهيله المعماري فيها (درس في الجامعة الأميركية، 1955-1960)، تلك المدينة المسكونة حينها بالحداثة؛ الحداثة المتنوعة الشاملة للكثير من الأجناس الإبداعية، ومن ضمنها بالطبع العمارة: تعليما، وممارسة. كانت بيروت وقتها حاضنة للنزعات الطليعية، وكان أغلب المثقفين فيها يعون دورهم التجديدي، ذلك الدور المتصادي مع سياقات اللحظة الثقافية العالمية في أشد لحظات توترها الإبداعي الخلاق؛ آملين أن تكون الحداثة العالمية جزءا عضويا من انشغالات البيئة الفكرية المحلية والإقليمية. ومسترشدين في ذلك بمقولة الفيلسوف العربي ابن رشد (1126-1198) من ان : "الحق لا يضاد الحق"!
بعد بيروت انتقل الى عمان سنة 1976، غبّ نشوب الحرب الأهلية اللبنانية، مؤسسا مكتبا استشاريا في العاصمة الاردنية باسم <جعفر طوقان وشركاه>. ولاحقا أدمج مكتبه مع اتحاد المستشاريين في العام 2003، ليضحي المعماري الأول في ذلك الاتحاد. وفي تلك العاصمة الفتية، سيكون ثمة حضور مميز لابداعاته التصميمية المتنوعة، التى ستشكل لاحقا فخر المدينة المعماري. في التصاميم العديدة التي نفذها في عمّان، خصوصا في التسعينيات، مثل مبنى الشركة العربية للتأمين (1991)، ومبنى أمانة عمان (1996)، و برج الأردن (1997)، و بنك الأردن (1997)، و مجمع مدرسة اليوبيل (1998)، و فندق هوليداي إن (1998)، وفي غيرها من التصاميم، يقارب جعفر طوقان بجرأة نادرة بلاغة تكوينية جديدة، عمادها الرهان على خلق إيقاع متقن يسري ما بين سطوح صلدة وفتحات نوافذ الواجهات، مع استثمار واعٍ لتوظيفات خصوصية مادة الحجر التي تحضر باستمرار في غالبية مبانيه كمادة إنهائية أثيرة لديه. ويسعى المعماري وراء تلك البلاغة التكوينية، الى إضفاء سمات الثبوتية والقوة والصلادة على مبانيه، تلك السمات التي فقدتها العمارة في الفترة الأخيرة بولعها الزائد بالخفة والبساطة جراء شيوع استخدام الالواح الزجاجية في الواجهات.
&وقد يكون لأساليب استعمال الحجر، المولع به طوقان، نصيب كبير في إيضاح مسعاه التصميمي، إذ تغدو واجهاته المكسوة بالحجر، وكأنها هي التي تنزع إلى تحديد نوعية الفتحات، ورسم أشكالها التي تظهر بمثابة حفر مقننة، موزعة بانتظام على سطح الواجهة الحجرية. إنها في هذا المعنى تعيد تأكيد مصداقية مقولة المعمار العالمي "لويس كان" عن& <ماذا يريد المبنى أن يكون>.
&&&&&&&& ثمة منظومة تناسبية مميزة: مريحة ومتسقة، مفعمة بالأناقة، تتسم بها معالجة تكوينات أكثرية مباني جعفر طوقان، ومن خلال تلك المنظومة يتم تحديد أبعاد كتله المصممة التي تنحو في غالبيتها نحوا هندسيا صافيا. وإذا أضفنا إلى ذلك مقدرة المعماري العالية في طريقة رسم الفتحات على السطوح الصلدة، فإننا نكون أمام مقاربة تكوينية مميزة، يمكن للمرء أن يتلمس حضور سماتها، من غير عناء، في كثير من مبانيه المنفذة
لقد كون جعفر طوقان ذخيرة تصميمية مهمة وغنية على امتداد نشاطه المهني. إنها ذخيرة حافلة بمواضيع معمارية مختلفة، مثل مبنى الشركة العامة للصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية (1987)، وقرية الأطفال في منطقة العقبة (1993) التي نال عن عمارتها جائزةَ آغا خان في العام 2001، ومبنى شركة نفط أبو ظبي للتوزيع (1996)، ونادي ديونز (1998) في ضواحي عمّان، ومشروع المتحف الوطني الأردني (ابتداء من 2000)، فضلا عن ضريح ياسر عرفات في رام الله ، وجميع تلك التصاميم& المنفذة وغير المنفذة تضيف قيمة وغنى إلى منجزه المعماري، المتسم برصانة مهنية عالية أنضجتها مسيرة طويلة من العمل الاستشاري المبدع والخبرة المهنية المتواصلة.
نال جعفر طوقان عدة جوائز تقديرية عالمية واقليمية ومحلية،& ومنح عام 2001 جائزة الاغا خان المعمارية المرموقة. ومعروف ان جعفر طوقان هو ابن الشاعر الفلسطيني& ابراهيم طوقان.
ولئن غيب الموت، اليوم، المعمار المبدع& جعفر طوقان فان اسمه& ومنجزه المعماري الحصيف والمتميز، سيظلان حاضرين في المشهد المعماري العربي ، مثلما كانت تصاميميه التى ابدعها طيلة حياته، درسا حداثيا مفعما بالامل والتجديد.
د. خالد السلطاني
معمار وأكاديمي&
&