عالم غريب يملئها التناقض بين النص وأداء الممثلين ورؤية المخرج وقد نرى نصا مسرحيا قديما من زمن الاغريق ونتفاعل مع شخصياته كأننا نتعايش معهم اليوم. النصوص المسرحية الجادة قليلة وهي تلك الديناميكية منها اي التي تتخطى حاجزي الزمن والمكان فيمكن عرضها ومشاهدتها في اي زمان ومكان وحتى ان اللغة المكتوبة بها النص المسرحي لغة شفافة يمكن تطويعه وترجمتها الى اية لغة اخرى. بالتأكيد ان الجانب الانساني للنص هو السر في خلود النص بحد ذاته من ناحية ومن ناحية اخرى نرى ان عرض المسرحية يزيد من صقلها ويحسن جودتها الفنية. النصوص الخالدة كما ذكرت ليس لها اية هوية قومية فشكسبير وبرخت يمكن مشاهدتهم بكل لغات الكون وحتى بعد دهر من الزمان. حضارة العراق القديم كان مسرحا للعديد من النصوص وكانت المسارح منتشرة في مدنها الكبيرة في بابل و اشور و اور وللمسرح الحديث اي المسرح العراقي بعد اعلان الدولة العراقية عام 1922 حضور قوي لكن المؤسف ان الانظمة السياسية حاولت استغلال المسرح لمنافع السياسية الدعائية الضيقة ونشر افكارها وهنا اتسائل من ضيفي الفنان فاروق صبري كي يحدثنا عن تلك الفترات التاريخية ودور المسرح في نقل الافكار الايجابية في المجتمع والنقد البناء. تخرج من معهد الفنون الجميلة من قسم المسرح والسينما في العاصمة الحبيبة بغداد عام 1974 وهناك كانت انطلاقته وخطواته الأولى حيث قام بعدة أعمال متميزة داخل العراق وفي خارجه حتى أستقر في منفاه في نيوزلندا ولقد أجريت معه هذا الحوار في البداية سألته عن رأيه بوضع المسرح حاليا في وطننا الحبيب العراق فأجاب قائلا:
-&خلال عام قضيته في الوطن شاهدت بعض العروض المسرحية ودعيت لمهرجانات مسرحية واستمعت الى مسرحيين وهم يدلون بأرائهم وساهمت بندوات حول المسرح وعرضت مسرحيتي " الوردة الحمراء" في مهرجان أربيل المسرحي ، هذا السفر المسرحي منحني فرصة جيدة لقراءة أولية لــ(وضع المسرح) وهذا الوضع بما له من سلبيات وإيجابيات ، عثرات ونجاحات صورة من صور الواقع الثقافي الذي يذهب للاسف صوب الإنغلاق والتشرزم والعصبويات والرعب من حرية التعبير ، هذا الرعب لا يمارسه سياسيي سقط اية المتاع وإنما يمارس من قبل (مثقفين) حملوا سيف الطوائف وتخلوا عن سعفة المعرفة .
ومع كل ما قلت فإن هناك مبدعين مسرحيين عراقيين فرشوا فضاءات المسرح بهذه السعفة المعرفية والجمالية وهم يتواصلون في إنتاج الجمال والتواصل مع ما هو جديد وراق في عالم المسرح.

- وهل تعتقد أن المسرح الجاد التابع للمدرسة الواقعية أصبح معدوم في وقتنا الحاضر ؟
- مع أنني قد طوّرت ذائقتي المعرفية عبر قراءة ومشاهدة تجارب مسرحية متنوعة التيارات والمدارس إلا أنني لا أميل بتأطير المنجز المسرحي على الأقل ما أنجزه أنا في خنق التسميات والتعريفات ، فالعرض المسرحي أنشغل به وفيه دون التفكير بأنه (جاد ) أو( واقعي ) ، احاول تأسيسه بتخييل منفلت وبطقس متحررمن القواعد والقوانين والتأطيرات ، القانون الأسمى هو الخلق والدهشة وعمق المعرقة وفتح فضاءات جديدة يلعب التخييل فيها دورا مهما لكن يومياتنا لن تكون غائبة عنها وفيها

- نرى انه يوجد في مصر مثلا المسرح التجاري الذي يعتمد على العروض المسرحية الهزلية والتي ليس فيها معنى والآن نجد أن المسرحيين في العراق يؤكدون على وجود هذه الظاهرة في عدد كبير من العروض المسرحية فما هو رأيك؟
- هذا النوع طارئ وبليد ومعيب ولا علاقة له الا بالضحك على الوعي الهابط ، تهريج ابطاله تواجدوا في ازمنة مختلفة لكن زمن الحروب جعل جيوبهم مثل كروشهم مثقلة بثمن اغتيال الذائقة!

- يعتبر عقدي الستينات والسبعينات من هذا القرن من الفترات الذهبية التي عاشتها السينما والمسرح العراقي وكيف يمكننا بث الحياة والنشاط في جسد السينما والمسرح و هل تعتبر دائرة السينما والمسرح هي الجهة الوحيدة المسئولة عن تدهور وانحدار العمل المسرحي والسينمائي أم أن هناك من جهات أخرى تقع عليها أيضا المسؤولية؟

- دائرة السينما والمسرح صرح حضاري محتل الأن بالجهل والأدعياء وهتّافين ، فإن تحررت فإنها سوف تعود إلى دورها الإبداعي ، ننتظر هذا التحرير أن يبدأ مع خطوات الكاتب فريد راوندوزي وزير الثقافة والتي لا ان تشمل أيضا تصفية الوزارة من الطحالب واللصوص ومن ثم البدء إلى إعادة الهواء النقي للدائرة وتفعيل برامج فعّالة للعروض المسرحية والافلام السينمائية .
&
- المثقفين العراقيين في المنفى نشاطات كثيرة كمؤسسات مجتمع مدني يديرونها وصحف ومجلات ومواقع على الانترنيت إلا من ناحية السينما والمسرح فأن نشاطاته قليلة للغاية ولا توجد جهة حتى هذه اللحظة تمثلهم في الغربة لماذا؟

- مستحقات الغربة كثيرة ومؤلمة ، فالكثير من مثقفي المنافي لم تهدأ حقائبهم ومتواصلة في التنقل والتوزع في المطارات واالمحطات والمدن ومع كل هذا أنجز المثقف العراقي والمسرحي العراقي المنفي الكثير من المنجزات الإبداعية التي حضرت بقوة في العديد من البلدان وعواصمها ، وهنا اريد أن أتوقف عند تجربتي المتواضعة ، ففي عامي 2004-2005 كنت احاول إنجاز عرضي المسرحي المنودرامي "امراء الجحيم " وبعد بروفات داخل صالون البيت الساكن فيه أردت الإنتقال إلى صالة مسرح لكني لم استطع لم أملك اجور الحجز وبدل أن اوقف فكرة العرض حولت كراج البيت إلى خشبة مسرح وعرضت جنرال بروفة فيه وجاء البعض من الاصدقاء وشاهد العرض والذين تشجعوا وذهبوا واستأجروا عبر نادي الجالية العراقية قاعة للعرض ، لكني أحببت عرض الكراج والذي سميته بــ(Garage Theatre) ولقد أخذت هذه التسمية من (Garage sale ) حيث هنا في نيوزلندا يجعل البعض كراجات بيوتهم محلات لبيع حاجياتهم الزائدة ....

- أستاذ فاروق كل إنسان مبدع لديه حلم يريد يحققه في عمله فما هو حلمك الذي تسعى لتحقيق من ناحية المسرح والسينما ؟
- هناك مقولة لا تهدأ في روحي وتتماوج مع نبض القلب ، المقولة هي : لابد أن أن نحلم ، وأنا أمارس الحلم كهواء أتنفسه وأحاول تحقيقه وهذا هو الأهم ، وفي هذه الأيام حلمي أن أنفذ مشروعي " المنودراما التعاقبية" عبر ورشة فنية أنجر خلالها عرضاً مسرحيا وطبعا المشروع سيكون أرضية حرّة لكتابة النصوص وانجاز العروض المسرحية . (مزيدا من المعلومات حول الموضوع انقرهنا&)&

- تسلمت إدارة دائرة السينما والمسرح التابعة لوزارة الثقافة فما هو أول قرار تتخذه ؟
- لو تسلمت كمدير لدائرة المسرح والسينما فسيكون اول قراري تعيين المبدع الخلّاق الدكتور الأكاديمي كريم عبود مديراً عاماً للدائرة ...وسيكون القرار الأخير لي لأن بعده سأتنفس صعدا هواء فضائنا وجنتنا المسرح...
&