بعد عمل دؤوب امتد على مساحة زمنية استغرقت اربعة اعوام انجز الكاتب يوسف ابو الفوز عملا ادبيا مهما هو الاول من نوعه الذي يرصد حياة الجالية العراقية في فنلندا وما يحيط بها من مهاجر تلم شتات العراقيين. ما حمله عنوان الرواية من آفاق رحبة (تحت سماء القطب) جاء منسجما ومتطابقا مع مضمونها الشامل والغزير في عمل موسوعي يتخطى كونه عملا روائيا ادبيا فحسب بل يتجاوز ذلك الى خانة الاعمال التوثيقية النادرة القادرة على استيعات ذلك المتراكم الهائل من الاحداث والشخصيات وتوظيفها لصالح النص.
نسيج المشهد العراقي المتلون باطياف مختلفة في فنلندا وخيوطه الممتدة الى ابعد من ذلك في المهاجر الاخرى المحيطة رصده الكاتب يوسف ابو الفوز بشيء من التأمل المستفيض، وهذا ما اعطى للرواية بعدا اخر، اذ انها سلطت الضوء على مساحات معتمة في تجربة الجالية العراقية في فنلندا خصوصا وان المجتمعات الشرقية في المهاجر الاوربية والغربية بشكل عام تمثل دوائر مغلقة في واقع مفتوح الى ابعد الحدود.. ولذلك يصعب حتى على الجهات المعنية في تلك البلدان الاطلاع عليها عن قرب من الداخل بحكم الاعراف والتقاليد التي تحكم الجاليات الشرقية في الغرب وهذا ما يعطي للرواية مزيد من الاهتمام.&
&لقد تتبع الكاتب واستقصى معظم المناسبات التي كان العراقيون افرادا او جماعات على تماس معها فوثقها بطريقة فنية شيقة وبمخيلة ادبية قادرة على التعامل مع مختلف الالتقاطات بغظ النظر عن اهميتها، وعرضها بطريقة مناسبة على لسان ابطال الرواية.
ان قيمة رواية تحت (سماء القطب) التي تصل الى قرابة الـ 500 صفحة& لاتتمثل فقط في طريقة واسلوب كتابة الرواية من ناحية ادبية صرفة بل بالاضافة الى ذلك فان قيمتها الاساسية تكمن في انها تسلط الضوء على ثلاث منظومات معرفية مختلفة وترصد طبيعة التعايش فيما بينها اقصد هنا المنظومة المعرفية العربية والكردية والفنلندية وانها تفصل بين التعاطي مع المعارف والثقافات باعتبارها قيمة انسانية عامة تتلاقى بعيدا عن الهويات السياسية وهذا ما كان واضحا في القسم الرابع الذي سعى فيه الكاتب لطرح مقاربة ميثولوجية شيقة جدا بين ملحمة كلكامش وبين ملحمة الكاليفالا الفنلندية وبين الموروث الكردي واسطورة النوروز.. اوروك تلتقي الكاليفالا وانكيدو يعانق الحداد ايلماري!& فاينامو موينن يبحث عن كلكامش وغير ذلك من احداث وشخصيات الملحمتين. ورغم ان الكاتب ابو الفوز يقدم تلك المنظومات الثقافية في اطارها الانساني العام فانه من جهة اخرى لا يلغي تأطيرها في سياق هوياتها الخاصة حينما يكون الكلام عن البعد السياسي وارهاصاته التي تفرض نفسها ايضا على معظم ابطال الرواية وجوها العام.
للقاريء الفنلندي فان رواية ( تحت سماء القطب ) فرصة مناسبة جدا للتعرف على الواقع العراقي بماضيه البعيد وبحاضره المثقل بالمتغيرات السياسية، كذلك فان القاريء العربي سوف يكون مع وجبة دسمة جدا تجعله على دراية كبيرة بما يجهله عن تاريخ وحاضر فنلندا، لان ابو الفوز رصد حاضر الشعب الفنلندي ومعظم التحولات الاجتماعية والسياسية فيه بمهارة كاتب عاش في هذه البلاد سنوات طويلة وحرص ان يكون قريبا من كل ما حدث فيها من احداث. ولو كانت رسالة ابن فضلان تحظى باهمية كبيرة عند الباحثين لانها سجلت منذ قرابة الالف عام ووثقت طبيعة حياة الشعوب التي عاشت في اسكندنافيا او بالقرب منها فان رواية ( تحت سماء القطب ) تكتسب اهمية كبيرة هي الاخرى حاليا لانها تمثل مشروعا فريدا غير مسبوق في ذات الاتجاه.
بالطبع فان الرواية تتمتع بمميزات عديدة جدا وملفتة للنظر لكن ذلك لا يمنع من رصد ما قد يشير لجوانب سلبية في الرواية خصوصا ذلك الكم الهائل من الشخصيات الذي تضمنته الرواية.. مما قد يشوش مبدئيا على القاريء، لكن ما قد يشفع لذلك هو ضخامة العمل وطبيعة تعاطيه مع الفضاء المفتوح الذي اختاره الكاتب والواضح من خلال مسمى الرواية نفسه لذلك فان كمية الشخصيات التي تضمنتها الرواية قد تكون مبررة من هذا الجانب.
كما ان هناك نقطة فنية مهمة جدا في الرواية وهي كثرة الاخطاء الاملائية والنحوية وبشكل ملفت جدا مما قد يقلل من فرص نجاحها في التجمعات الثقافية رغم كل ما تحتويه من قيمة ادبية وثقافية كبيرة جدا خصوصا وان الرواية رشحت من قبل مؤسسة موكرياني للبحوث والنشر للمشاركة في جائزة البوكر للرواية العربية، كما انها في طريقها الى الترجمة للغة الفنلندية.
ما تقدم هو جملة من الانطباعات التي تولدت في مخيلتي عند قراءة رواية (تحت سماء القطب ) لكاتبها يوسف ابو الفوز.. لن انصّب نفسي ناقدا ادبيا لمنتج من هذا النوع ولكني كقاريء قبل كل شيء من حقي تسجيل الملاحظات من جهة ومن جهة اخرى فان الرواية ليست حكرا على الساحة الادبية بل تتجاوز في مضمونها ذلك وتتحول الى منتج ثقافي يستحق الاهتمام من قبل الجميع.

[email protected]&&
&