بغداد:&صدر للكاتبة العراقية فاطمة المحسن كتابها الجديد الذي يحمل عنوان (تمثلات الحداثة في ثقافة العراق)، عن دار الجمل، وفيه تحفر الكاتبة في اعماق السنوات لتأتي بماء الحداثة لتقدمه للقاريء عسىاه يرتوي.
&&& يقع الكتاب في 423 صفحة من الحجم المتوسط، ويتضمن خمسة فصول، الاول حمل عنوان: ثقافة المؤسسة وتمردات الحداثة، فيما حمل الثاني عنوان: الفصل الثاني الطليعة الثقافية في العراق الحديث، اما الثالث فكان بعنوان: ثقافة المدينة الحديثة، فيما جاء الرابع بعنوان:& الدرس التعليمي والمشروع الاكاديمي، وحمل الخامس: الستينات: مجازات الحداثة وما بعدها، وهو استئناف لكتابها السابق الذي يحمل عنوان " تمثّلات النهضة في ثقافة العراق الحديث" الذي صدر قبل أربعة أعوام، وقد غطى مرحلة مهمة من عمر العراق الثقافي، وكما تقول المؤلفة عن تلك المرحلة: تشكّلت فيها مقومات تطوّر غير مسبوق بدأت في أربعينات القرن المنصرم، واستمرت أقل من نصف قرن.

ثلاث سنوات.. تأليف
&&&&
فضلا عن ان الكتاب يضم بين دفتيه فهرست الأعلام والبلدان والاماكن والمواضيع..، ولم تضع المؤلفة اهداء، فيما اكدت لانها استغرقت في تأليف الكتاب ثلاث سنوات، فيما كان الاصعب بالنسبة اثناء تأليف الكتاب هو انقطاعها عنه فترة من الزمن، وقد عبرت عن ذلك بقولها: أنجزت هذا الكتاب في ظرف عصيب من حياتي، وكان مرضي الصعب أحد أسباب انقطاعي عنه فترة من الزمن، ولكنه كان محفزّا كي استكمل فيه حياتي الطبيعية.

اعتذار لشهود المرحلة
وقد زينته المؤلفة بمقدمة كتبتها هي اوضحت فيها الكثير من الامور التي تضمنتها فصول الكتاب، لكنها في خاتمتها قدمت اعتذارها: إلى كل الشهود على المرحلة التي كتبت عنها، ولم يجدوا في هذا الكتاب حيزاٍ لإنصاف مواقفهم.
&&& وقالت في المقدمة: موضوع هذا الكتاب يتناول التطورات التي انتقلت فيها الثقافة من تمثلاتها عن فكرة النهضة، إلى تصوراتها الجديدة عن العلاقة مع "الحداثة" العالمية، حيث نشأ جيل من المتعلمين المتصلين باللغات الغربية وآدباها وعلومها دون توسّطات الثقافات الفرعية، وعلى وجه الخصوص التركية والايرانية.
&واضافت: ولا يمكن احتساب ذلك التحول بعقد أو عقدين فقط، فالزمن في كل الفترات التاريخية يحمل قدراً من الديناميكية تتداخل فيه وتتقاطع المواقيت، ولكن سنوات الأربعينيات والخمسينيات شهدت نضج مشروع الدولة العراقية، كما توضحت من خلاله ملامح طبقة وسطى مؤثرة سواء بمركزها الاقتصادي أو نسبة متعلميها، أو تعدد مواقع رعاة فكرة التمدين داخلها، إن كانوا من المنظوين تحت لواء السلطة أو المعارضين لها.
الاحتكام الى المثقف المنخرط في المجتمع
&وتابعت: بيد أن نزعة "الحداثة" المفترضة التي ارتبطت ببناء الدولة الوطنية، وإقامة المؤسسات العصرية، ومحاولة احتواء الجماعات القديمة، ظلت تتفاعل داخل المجتمعات المتعلمة والفئات التي اعتبرت آلية التطور أقرب إلى الحتمية التاريخية، لذا بدت فكرة " الثقافة" نفسها غير قادرة على أن تقدم تفسيراً مقنعاً لحالة عامة، أي ما يعتقده الناس عنها، وما يسلكون من أفعال تعبّر عن تأثيراتها.
وأوضحت: لعل الاحتكام إلى سيرة المثقفين وحدهم، لا تدلنا على طرق عيش الناس وعمرانهم وسبل اجتماعهم، ولكن المثقفين، وفي طليعتهم الأدباء والفنانون والمتعلمون عموماً، يفتحون نافذة على نمط من الذهنيات العامة التي خرجت من بيئتها ومن تصرفات وسلوك أناسها، تمثلاتهم عن "الحداثة". لذا كانت العودة إلى المثقف الفرد، والمثقف المنخرط في حركة المجتمع من بين انشغالات الكتاب.

متابعة المراحل الزمنية
&واشارت الى المراحل الزمنية وما حدث فيها من تطورات، فقالت: في الأربعينيات أو في زمن يسبقها نشأت خطابات المثقف " الليبرالي" التي تبنّاها الأدباء حتى أولئك الذين عارضوا السلطة، وكان أكثرهم ينتمي إلى هذا المعسكر. ولا يمكن الجزم ما إذا كان بمقدورنا استخدام هذه المفردة لتحديد سمات مثقف ذلك الزمن، ولذا لم يشغلني المصطلح، قدر ما شغلتني الشراكة بين المثقف والسلطة في تبئير صورة المحامي والبرلماني، وفي اتخاذهما ملامح محددة يسعى إليها المثقف عبر الواقع أوعبر تخييله في القصص والأشعار.
اما عن الخمسينيات فقد اكدت على: تضاعف إيمان المثقف بدوره كمعبّر عن هموم الشعب، بل توضّحت لديه نزعة الانحياز إلى صوت الطبقات الفقيرة، حتى اتخذت تلك النزعة صيغة الحلول في روح الشعب وتمثيله في الأدب أو الفن، عبر لغة بدت على درجة من الحميمية، مع شحنة عالية من التعبير الذاتي واستخدام العامية أو الاقتراب من طرق إعرابها في المدونات الحديثة.
وأوضحت ان نهاية الخمسينيات شهدت بروز ظاهرة الشاعر "ابن الشعب" ولعل مظفر النواب الذي كتب بالعامية الجنوبية يمثّل خلاصتها، حيث اللقاء بين مثقف المدينة ولغة الريف، قد دفع فكرة الالتزام إلى مواقع غير مسبوقة في الخطاب الشيوعي. كانت قصائد النواب تمثّل الذروة في فكرة التمرد والثورة حتى على تعليمات الشيوعية الكلاسيكية، لأن هذا النازع في قصائده ارتبط بتصعيد الآيروس، فقدم أجمل قصائد الحب المكتوبة بعامية الأهوار وهي المستنقعات المائية في جنوب العراق. لذا أفردنا لهذا الشاعر حيزاً من بين البورتريهات التي قدمناها عن مثقفي فترته.
الثقافة الستينية ولكن!
&واستكملت دراستها عن تلك الفترة الحاسمة من عمر العراق، بما انتجته من اضطراب سياسي وعنف شمل الثقافة والمثقفين، بالتوقف عند الثقافة الستينية التي اكدت المؤلفة ان فيها نضجت مشاريع وخطابات المثقفين الخمسينيين، كما ظهر جيل جديد عدّ كثرة من أعضائه أنفسهم في قطيعة مع الثقافة الخمسينية.
&موضحة: مع ان الستينات تستحق كتاباً قائماً بذاته، بيد أن ما حاولناه عنها هنا، يبقى مشروعاً جديراً بالاسئناف.&
&