يعد الرسم المائي، من الانماط الفنية الصعبة، ذلك انه يعتمد على المزيد من الخبرات والمهارات الادائية، لاسيما في مجالي التخطيط والتلوين، وصعوبة الرسم المائي تكمن في كونه يعتمد على (اللمسة الاولى) الواثقة لحركة الفرشاة ولان هذه الالوان غير غطائية فانها تعتمد على اظهار شفافيتها ورقتها، والفنانة الزهراء واحدة من الفنانات العراقيات المميزات في الرسم المائي، وقد كرست جهودا كبيرة وزمنا استغرق اغلب سنوات عمرها في مزاولة هذا الضرب الجميل من فنون الرسم ومنذ ان كانت طفلة صغيرة كانت تعبث بالالوان وفرش الرسم بحيث ان وجهها وثيابها ويديها يصطبغان بالالوان المائية ويبدو شكلها مضحكا وخاصه وانها (بيضاء وسمينة).
لقد كانت البدايات تكشف عن موهبة فريدة ومميزة وكانت الزهراء تعشق لعبة التلوين على الاوراق وعلى الجدران وعلى كتب ابيها في المكتبة، بيد ان التواصل مع الرسم بشكل يومي امن لها قدرا كبيرا من التعلم والمعرفة واكتشاف اسرار هذه المواد السحرية المدهشة.
لقد كانت رسوماتها تلقى قبولا من الفنانين العراقيين المعروفين بمزاولة الرسم المائي ومنهم الفنان القدير وليد شيت والفنان عبد عبد الامير علوان واخرين غيرهم وبعد ان انهت دراستها الاكاديمية في كلية الفنون الجميلة، ونيلها شهادة الماجستير في كلية الفنون في بابل اقامت لفنها معرضا شخصيا كبيرا تضمن اكثر من سبعين لوحة مائية،عرضت فيه تجارب مختلفه.
ان الذي يهمنا في هذا المقال، هو اضاءة فصول من هذه التجارب التي نعدها على درجة عالية من الاهمية.
ان المتصفح في سفر هذه الفنانة سيجد نفسه بمواجهة الكثير من الانشطة والمشاركات الفنية والشهادات التقدرية والجوائز كما سيجد سبل اداء متباينة، تبدا من رسم المناظر الطبيعية وصور الاشخاص والحياة الصامته ورسم الورود ورسم الموتيفات الصحفية ورسم المواضيع ذات الانشاءات التصويرية المفصحة عن غايات مكرسة لفن الانتباه، فكيف لنا فض افواه المعاني والعمل على استنطاق المضامين التي لاذت اليها هذه الفنانة؟
كما اشرنا، مسبقا بان الرسم المائي يعد من اصعب سبل الاداء اللوني، بلا استثناء، بيد ان الزهراء وبسبب من كثرة تمرسها بهذا الفن فانها تخبرت في معرفة اسراره وتقنياته المختلفه وحين نذكر اهتمامها بالرسومات الواقعية، انما كي نشير الى حالة استيفائها للاغراض الحرفية الخاصة بالرسم الواقعي، حيث انبغى عليها معرفة السبل التي تكفل تحقيق اعلى قدر من المشابهة ومطابقة الاصل وذلك بالاعتماد على الدروس الاكاديمية التي تلقها من خلال دراستها في كلية الفنون الجميلة وكذلك موهبها الفريدة التي تحفزها باستمرار على اكتساب الخبرات والمهارات الفردية وعندما سئل الموسيقار الشهير (باخ) عن السبل التي تكفل التذوق الموسيقي اجاب قائلا :
(كثرة سماع الموسيقى).
ومن هذا المنطلق فان الفنانة الزهراء، كانت ترسم وتنتج اللوحات المائية كل يوم بلا انقطاع،عندئذ تدربت اناملها الرقيقة وعرفت خصائص الالوان والاوراق، والكيفيات التي تمكنها من معالجة سطح اللوحة فنيا وتقنيا.
ومؤكدا بانها تعلمت علم عناصرالفن محققة توصلاتها في دراسات المنظور البعيد والقريب والاضاءة والظلال ورسم الاجزاء والتفاصيل على نحو متحد بصريا ولافت للانتباه ومثير للدهشة وخاصة في مجموعة اعمالها المكرسة لرسم التلصيقات الورقية ومعالجتها برؤية تصميمية مشيدة على الاسس السليمة فهذه المجموعة من الرسومات هي عبارة عن تقطيعات صورية لصور يتم انتقئها بعناية واهتمام ويتم العمل عليها بعد ان تظفر الفنانة بفكرة اساسية ثم تقوم برسمها بمنتهى الدقة والذوق بحيث ان قصاصة الورق لاتبدو مرسومة باليد، مطلقا، بل تبدو ملتصقة على ورقة الرسم، وهنا حققت الفنانة جانبا مهما من غايتها وذلك بتحقيق الايهام البصري والخداع.المثير للتسائل.
ان الزهراء رسمت سلسلة من اللوحات المائية التي كشفت عن اسلوبها المميز وشخصيتها الفريدة وحين لجات لرسم (الموتيف ) فانها لم تحاكي النص الادبي، شعرا او قصة، فحسب بل انها اضفت على الملمح الادبي او الثقافي بعضا من تصورها الكامن، وكانها حاولت تفكيك النص ومن ثم اعادة بنائه بطريقة توليفية بصريا، مفصحة عن تشارك النص المكتوب مع الصورة المرسومة وغالبا ماتشتغل الفنانة على هذا السياق من الفن وانها تعمل على المزاوجة بين الجوانب الحسية في الالوان وسبل انتظامها وبين صناعة الشكل وافاق تخيله وبين قيم الموضوعات المعبرةعن الحالة المعينة.
ان الفنانة الزهراء صلاح استطاعت حفر اسمها في ذاكرة التلقي الفني وصوغ اسلوبها المثير للدهشة وهي لاتتنصل عن الرسم المائي ولاتحيد عنه قط وهذا التمسك باليه العمل على الرسم المائي يعني انها تلوذ لتاكيد ذاتها الفنية والابداعية وعلى نحو تخصصي والمدهش حقا انها رسمت الكثير من اللوحات الصغيرة، التي لاتتجاوز السنتمتر المربع الواحد ولكنها رسمت تحديا بصريا لافتا للنظر وبدقه وبراعة قل نظيرها، اننا الان بمواجهة الفن الحقيقي الذي يتسامى مع الروح الصافية ويتحرر من خلال الانامل الدقيقة. اليس كذلك؟