نعى رسامو الكاريكاتير العراقيون زميلهم احمد الربيعي الذي توفي في احد مستشفيات اربيل صباح يوم الاربعاء بسبب التهاب رئوي شديد لم يمهله طويلا. والربيعي الذي ينشر رسومه في صحيفة الصباح الجديد، هو الذي ثارت حوله ضجة كبيرة قبل شهر بعد ان رسم (بورتريه) للمرشد الايراني الأعلى علي خامنئي،وتلقى بسببه سيلا من التهديدات بالقتل، فقرر الهروب الى اربيل على امل ان تخف في نفسه هواجس الرعب، لكن المرض باغته فقضى عليه ليرحل احمد الربيعي مفجوعا بالكثير من العذابات والخيبات التي راحت تتنفس في روحه بقسوة بالغة.
وجاء النعي من زملائه واصدقائه متخما بالفجيعة، وهم يؤكدون بكلماتهم ان (موت رسام كاريكاتير شاب بمثل قيمة أحمد الربيعي وخُلُقه والمستقبل العظيم الذي كان ينتظره هو صورة تراجيدية لوطأة القسوة والبؤس والعار والخيبة، كلنا هنا في نفق من الظلام، ولا أحد يعرف لحظة انحداره في الهاوية العميقة: الموت والنسيان).

فقد نعاه زميله رسام الكاريكاتير خضير الحميري بالقول : بقلب يعتصره الحزن والالم أنعي لاصدقائي واحبتي وفاة صديقي فنان الكاريكاتير الرائع أحمد الربيعي في إحدى مستشفيات أربيل صباح اليوم الاربعاء..بعد ان أصيب بالتهاب رئوي شديد..خسارتنا وخسارة الصحافة وفن الكاريكاتير برحيلكم كبيرة ايها الفنان الحبيب
اما الفنان فلاح حسن الخطاط فنعاه بقوله : فجعت صبيحة هذا اليوم بوفاة الفنان الصديق والاخ العزيز احمد الربيعي رسام الكاريكاتير.. بعد ان غادر بغداد مجبرا قبل شهر واغلق هاتفه قاصدا مدينة اربيل وهناك توفي على اثر التهاب رئوي شديد.. انها لخسارة كبيرة لنا جميعا.. احمد مازلت انتظر رسمك لي، ابا فهد لا اصدق انك مت عزاؤنا بفقدانك
والراحل احمد الربيعي من مواليد بغداد / الاعظمية 1968، بدأت انطلاقته مع الكاريكاتير على صفحات مجلة (ألف باء) البغدادية عام 1987 عندما نشر الفنان خضير الحميري عددا من رسومه في زاوية خصصها لهواة هذا الفن، ففاز عام 1988 بجائزة خاصة في مسابقة أقامتها المجلة لرسامي الكاريكاتير الهواة،لكنه مُنع من ممارسة العمل الصحفي لأسباب سياسية خلال التسعينات، لكن المنع لم يشمل انضمامه الى (رابطة رسامي الكاريكاتير) في نقابة الصحفيين التي كانت برئاسة الفنان مؤيد نعمة (1989- 1993)، فشارك خلال تلك المدة في جميع معارض الرابطة، وأقام العديد من المعارض الشخصية، كمعرضه الشخصي الأول على قاعة ( النصر) في بغداد عام 1993، والمعرض المشترك الذي أقيم على قاعة (المركز الثقافي الفرنسي) ببغداد ايضا عام 2002، ولكنه بعد عام 2003 عاد لنشر رسوماته في الصحف وبالتحديد في صحيفة الصباح، لكنه سرعان ما تعرض الى تهديدات بسبب رسوماته مما اضظره الى الهجرة والاقامة في مصر عام 2005 وهناك التقى بكبار رسامي الكاريكاتير المصريين وأقام معرضين لأعماله الكاريكاتورية، لأول كان على قاعة (دار الاوبرا) وهي احدى اهم قاعات العرض في العاصمة المصرية، أما الثاني فكان على قاعة(ساقية الصاوي)،كما شارك في معارض أخرى داخل جدران الوطن وخارجها، كمهرجانات الرسم الساخر في اليابان وبلغاريا وفرنسا والمكسيك، وظل يرفد جريدة (الصباح الجديد) برسومه النقدية الساخنة والساخرة من الواقع العراقي المتخم بالفساد والخراب والوجع، وبعد هذا الغياب عن بغداد عاد اليها بعد ان اضناه الشوق اليها، واستمر الى ان رسم البورتريه الذي كان عن المرشد الاعلى الخامنئي، وأتته سيول من التهديدات لم يجد امامها الى مغادرة بغداد الى اربيل التي كان له الموت فيها بالمرصاد ليرحل بقلب موجع وروح خائفة وعقل طافح بالشعور بالظلم.
أصدر عن دار ميريت أثناء إقامته في القاهرة عام 2006 كتاب يضمن رسوماته بعنوان (كاريكاتير أسود).
الراحل احمد الربيعي يؤكد في اقواله : ان الدين يعد واحدا من الخطوط الحمر التي لا يمكن الاقتراب منها، وقال : مع اننا نعيش مرحلة فيها فسحة من الحرية، ولكن توجد خطوط حمر لا يمكن الاقتراب منها، الدين في مقدمتها.
ويعتقد الربيعي ان اسلوب التعميم في رسم الشخوص قد يكون الانجع والاكثر امانا في ممارسة هذه المهنة في الوقت الحاضر لتجنب رد الفعل واسلحة quot;الكاتمquot; التي تطال العديد من المسؤولين والتي تحولت الى ما يشبه ظاهرة في العراق وخاصة في العاصمة بغداد.
وقال ايضا : عودت نفسي ان ابتعد عن المواضيع الحساسة.. ومع انه يؤلمني اني ابتعد عن مواضيع تستوجب تناولها وانتقادها.. لكن هذا هو واقع الحال وهذه هي ظروف بلدنا.quot;
وقال : قد أفكر ان امارس النقد لسياسيين في رسوماتي بشكل واضح. لكن لا يمكن حتى ان افكر ان ارسم رسوما كاريكاتيرية انتقد فيها رجال الدين بنفس الطريقة... لا توجد عندي مثل هذه الرغبة ولا يمكن ان افكر بها، لان انتقاد المؤسسات الدينية او شخوصها في العراق من غير الجائز.
الفنان الربيعي قال عنه رسام الكاريكاتير المصري جورج البهجوري : شاب ألمعي الريشة مستنير العقل أرسله القدر في فترة جمود ونكران الى مصر.
وقال عنه علي المندلاوي : يرسم بفأرة الكومبيوتر طناطل السياسة،الربيعي يغمز بعين الساخر، ويبقي العين الأخرى مفتوحة على الحياة، وأذناه متطرفتان لأنهما يسمعان أخبار العالم من راديو ترانسستور سريع وصغير، وخاصة أخبار وطنه العراق، وبرغم ان الفنان الربيعي لم يعرج على معهد أو اكاديمية لدراسة اصول وفصول الفنون التشكيلية، كما فعل معظم زملائه من رسامي الكاريكاتورالعراقيين، الا ان خطوطه وألوانه وقدرته الواضحة في تشكيل لوحاته الكاريكاتورية، ورسمه لتفاصيل الأشكال والوجوه تدل على امتلاكه لموهبة فنية كبيرة وعين ذكية مدربة، وذهنية متقدة أهلته لامتلاك قدرة فائقة على الاستعمال السليم والمبدع للقلم والفرشاة، وهو بهذا فنان عصامي على درجة عالية من الموهبة والقدرة على تعليم نفسه بنفسه، والتقاط الاسرار والخفايا والمعالجات التقنية الحديثة في الرسم المعاصر..