يُعدُّ الشاعر الاستوني اندريك ميسيكيب Indrek Mesikepp من المواهب الشابة الذي لفت الأنظار إليه في وقت مبكر من خلال قصائده الصادمة التي تنتمي للسوريالية السوداء وتتخللها عبارات عنيفة لم يألفها المناخ الاستوني المستغرق في صمتٍ فرضته عليه طبيعة البلاد المتجمدة، حتى في وصفه عاصمة بلاده تالين الممتدة منذ القرون الوسطى وتغنى بها معظم شعراء استونيا، فهو يختصرها بمشهد وحيد أفلت من نزقه بـ ( تالين، بين السجن والميناء، إطلالة جميلة على البحر).
سلك درب الشاعر الاستوني Juhan Viiding (1948-1995) الذي كان ينشر باسم مستعار هو Juuml;ri Uuml;di ويشير النقاد الى تأثر ميسيكيب به شعرياً، خاصة في انطلاقاته الشعرية المبكرة.
لم يكن اندريك ميسيكيب معروفاً بهذا الاسم بل باسمه المستعار فرانسوا سيربنتن أو بالحرفين FS الذي فاق شهرة اسمه الحقيقي والمستعار حدّ أن حمل أحد كتبه الشعرية عنوانَ (FS 2004 ).
ولد اندريك ميسيكيب عام 1971 في مدينة تارتو. ودرس في جامعتها تاريخ الفن. وعمل محرراً أدبياً ثم رئيس تحرير مجلة (إبداع) Looming.
نشر أربع مجموعات شعرية، فضلاً عن القصص القصيرة و مقالات في النقد الأدبي في المجلات والصحف الثقافية. فاز عام 2004 بجائزة الدولة الاستونية للثقافة.

هنا مختارات من قصائده مترجمة الى اللغة العربية للمرة الأولى:

ذلْ نَفسكَ،
احلقْ شَعركَ،
احفرْ وشماً على ذراعكَ،
اقطعْ كفك وأصابعك،
انحرْ لحمكَ.
ذلْ نفسكَ،
اركعْ وسطَ الشارعِ
على الاسفلتِ،
قدّامَ بركةٍ موحلةٍ،
قربَ الكنيسيةِ اللوثريةِ القبيحةِ،
في محطةِ الباصِ رقم 5،
ملْ رأسكَ،
اشربْ واكرعْ
مياهً قذرةً.
ذلْ نفسكَ،
أذلَّ من حيوانٍ،
من ماكينةٍ
مثل ف س*.
--
FS* : الاسم المستعار الذي اشتهر به الشاعر.

***

السياراتُ الكبيرة توّزع الموتَ.
يومٌ معتمٌ،
حجرٌ مغبّر،
والكهرباءُ لا توصلُ الحبَّ.

***

هاتانِ ليستا يديكِ،
هاتانِ ليستا يديكِ ياعزيزتي،
هاتانِ ليستا يديكِ
اللتين تضغطانِ على أزارِ الريمونت.
هاتانِ ليستا يديكِ
اللتين تسدلان الستائر،
اللتين تزيحان الستائر،
وتشعان الضوءَ في الوجهِ.
هاتانِ ليستا يديكِ
اللتين تشهران السلاحَ،
تعرضانِ صورةَ شخصٍ ما،
وتندسّانِ في جيبِ النقودِ.
هاتانِ ليستا يديكِ الدافئتينِ
اللتين تلمسان وجهيَ،
تستيقظان في الليل
وتنطلقان إلى جهة مجهولة.
هاتانِ اليدانِ اللتانِ أشعرُ بهما،
هاتانِ اليدان القاسيتان،
هاتان اليدان الهامدتان
اللتان تبثان الحياةَ.

***

مصابيحُ تومضُ،
ضوءٌ شاحبٌ
ينسكب من الشاشة،
من عالمٍ الى آخر.
إنّها رسالتي إليك،
مالذي كنا نفعله؟
لم يكن آلةً بائسة!
لقد كانَ عاجزاً.
وأنتِ بالكاد تكتشفين
أني أحبكِ،
أو إذا كنتِ تعرفينَ
كنتِ تنسين،
لكنك الآن تعلمينَ،
فلا تنسي،
حاولي فقط.

مالذي كنا نفعله؟
لم يكن آلةً لصناعة الحُبِّ!

***

استقلالٌ وطمانينةٌ.
البردُ يعانقُ الجلدَ والعظامَ.
حرٌّ مثلَ قمامةٍ في مهبِّ الريحِ.

***

نباتاتٌ في الجليدِ

نحنُ جيل الشبابِ،
نشربُ الكونياكَ،
نُحبُّ الفتياتَ،
ونحصلُ على المالِ من الخربشةِ،
هلْ تشعر بالألم أيضاً،
والبرد؟
أنا لا أسأل،
إذا كانَ الجوابُ نعم،
فهو نعم.

***

الآنَ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ
أصبحتُ فجأةً شخصاً غريباً،
حتى أكثرَ غرابةٍ من غريبٍ،
شخصاً مثلَ صورةٍ في كتابٍ،
وزخارفَ على الجدرانِ.
الفيلمُ الذي وجدتُ نفسي فيه
لم يعدْ مثيراً للاهتمامِ.
السماءٌ خارجَ نافذتي.
أخيراً متُّ!
حينما أخرج للمرّةِ الوحيدة من هذا البابِ،
إذا ما خرجتُ للمرّة الوحيدةِ من هذا الباب،
لن أعودَ أنا.
انتهتْ قصتي

***

سياراتٌ كبيرةٌ تنقلُ الموتَ
سياراتٌ كبيرةٌ تنقلُ الموتَ
سياراتٌ كبيرةٌ تنقلُ الموتَ
سياراتٌ كبيرةٌ تنقلُ الموتَ

عاصفةٌ ثلجيةٌ في كلِّ مكانٍ
تجتاحُ الطريقَ
تجتاح الطريقَ.

سياراتٌ كبيرةٌ تنقلُ الموتَ
سياراتٌ كبيرةٌ تنقلُ الموتَ
سياراتٌ كبيرةٌ تنقلُ الموتَ
سياراتٌ كبيرةٌ تنقلُ الموتَ

دونَ حدودٍ
مطرٌ متجمدٌ.

سياراتٌ كبيرةٌ تنقلُ الموتَ
سياراتٌ كبيرةٌ تنقلُ الموتَ
سياراتٌ كبيرةٌ تنقلُ الموتَ
سياراتٌ كبيرةٌ تنقلُ الموتَ

رأسٌ ثقيلٌ،
ثلوجٌ غزيرةٌ
ليلةٌ سوداء،
سياراتٌ سود.

***

تالين،
بينَ السجنِ والميناءِ
إطلالةٌ جميلةٌ على البحرِ.

***

كنت أعملُ في الارشيفِ،
حينَ يجنُّ الليلُ،
حينَ لم يكن سواي،
في غرفةٍ مظلمةٍ بجدرانٍ سميكةٍ،
الضوءُ لا يشتعلُ،
خلفَ رفوفٍ معدنيةٍ،
أنظرُ منَ النافذةِ؛
بذراعين متعاضدتين،
فناءٌ ضيّقٌ،
مبنى البرلمانِ،
فجأة، أصابعُ اليدِ اليمنى
شَعََرََتْ بشيءٍ دافيءٍ،
خفتُ،
ثم أَدركتُ
أَنه جانبي الأيسرُ.
في الرأسِ تتسابقُ أفكارٌ
غريبةٌ وغيرُ معقولةٍ
لدي.

***

رجلٌ صارمٌ يأتي في الصباحِ
بحذاءٍ عسكريٍّ
وسيجارةٍ دونَ فلترٍ،
يسيرُ بخطىً واسعةٍ،
تركَ زوجتَه وأطفالَهُ
ذاهباً للمصنعِ بدايةَ اليومِ،
يُشَغّلُ المحركاتَ.
في المساءِ يكونُ في بارِ السككِ الحديديةِ؛
معاركُ وموسيقى كاراوكي.
رجلٌ صارمٌ يأتي في الصباحِ،
ف ليس سوى فكرةٍ واحدةٍ في رأسه
تجيبُ على سؤالٍ
عن ما كانوا يتحدثونَ عنه في وقتٍ سابقٍ،
هنا الجوابُ
م - نعم
ي-ي-ي لا
الحياةُ القاسيةُ تصنعُ رجالاً قساةً،
تحتَ سماءٍ قاسيةٍ.
يخطو خطوةً واثقةً
من طفولةٍ قذرةٍ
الى شيخوخةٍ منتنةٍ برائحةِ البولِ،
وفودكا قويةٍ،
وخبزٍ عفنٍ،
حذاء يُنتعلُ
وملابس تُلبسُ،
ف مثلُ ف
س مثلُ س
رجلٌ مثل رجلٍ.
--
ف س FS: الاسم المستعار للشاعر.