تسعون قصيدة موزعة على مائة وثلاث وأربعين صفحة من القطع الصغير، تؤكد أن الشعر وحده القادرعلى تقديم النساء باعتبارهن كل ما تملكه السماء من أحلام عصية على الترتيب إلا إذا قبلنا المراوحة بين عتبات الإيروتيك إلى الإعجاب البرئ بالحضور الأنثوي، إلى الصبابة الحارقة لحب مبتور.... ترتيبا لرؤى عاشق مشغول على الدوام بوضعية المعشوقة: مُنكِرة أو لا مبالية أو شريرة لا يمنعها شرها المطلق من الحومان الوردي حول كيان العاشق ( نسرين وعلاقتها بالورد ) أو على حياد يجعل وجودها دعوة مفتوحة لعلاقة تبقى طوال صفحات الديوان غير متحققة . كم أحاسيس تأبى معه لغة الشاعر ndash; على بساطتها وعذوبتها ndash; أي تورط في تداعيات سنتمنتالية أو بكاء على الذات في أتون عشقها... بل هي لغة تقف على التخوم بين السرد والإنشاد ولا تخلص إلا لذات الشاعر المتخذة العشق قدرا معاشا، لا يستعذب استحضار الألم والإغراق فيه بل يختار عن وعي جمالي حالات المرأة كرؤية للوجود مشركا القارئ في تأمل فعل حياتي كاعتراض طريق المحبوبة بعيني ذئب، أو رحيل الأخرى الأجنبية إلى بلادها لتصبح صورتها المنتزعة من سياقات اللقاء الأخير محل حلوى آخذا في التلاشي تدريجيا ... في سياق كهذا تنأى الذات عن الطرق الممهدة في خطاب العشق مستبدلة بأوجاع المحبة السخرية من الواقع المُحبِط عبر وسائل تخلط الواقعي بالوهمي ( درويش هاجر ليس لديه ما يفقده بعد اليوم ) وتعزي معضلة الوجود عند المعشوقة إلى احتمالات مجازية تُفقد ثنائية الذكر والأنثى اعتياديتها مسبغة على النص غلالة من هجاء شفيف ( أربعة احتمالات لعايدة وخاتمة )
تبدو الذات على السطح هادئة راضية لكن عبر تجاور النصوص والصور والمجازات تلوح خطوط لحسرة مضروب عنها صفحا، وثمة طاقة لتجاوز القبيح المؤلم... طاقة مُستمَدة من حضور النساء ( أحلام السماء) مع كم لا ينفد من التعاطف والرثاء الذي لم تحزه إلا نفس موغلة في التأمل، ليس فقط تأمل وجودها ووجود الأخريات بل تأمل وجودها في ظلال الأخريات وعبرهن.

هنا قصيدتان من الديوان:

دَرويشُ هَاجرُ لَيْسَ لَدَيهِ
مَا يَفْقِدُهُ بَعْدَ اليومِ

hellip;......... !
ـ مَاذَا .. ! ؟ !
أَلَا تَذْكُرينَ بالأَمْسِ والأَمْسِ فَقَطْ
سَاعةَ العَصَاري كُنَّا مَعًا نَلْهُو ونَرْقُصُ
على سُحُبٍ وحَدَائِقَ بامْتدَادِ الرُّوحِ
تَبَادَلنَا القُبُلاتِ كَمَا لَمْ يفْعَلْ عُشَّاقٌ مِنْ قَبْلُ
لَمْ أَرَ أَبْيَضَ لذيذًا مُضِيئًا بِبَعْضِ الوَرْدِيِّ
والوَرْدِ إلَّاكِ أَخَذْتِنِي مِنْ يَديْ على أَنْغَامِ
فَرْحتِنَا سِرِّنَا ، وسِرْنَا
على المَاءِ .. أُقْسِمُ على المَاءِ سِرْنَا بالأَمْسِ

ـ بالأَمْسِ ! لَمْ أَرَكَ مِنْ قَبْلُ ..
ـ مَا مَعْنَى هَذَا الإِنْكَارُ يَا هَاجَرُ ؟ بَالأَمْسِ فَقَطْ
كُنَّا نُحَلِّقُ كمَلَكَينِ وتَحْتَنَا الكَوَاكِبُ البَائِسَةُ و...
ـ اسْمِي لَيْسَ هَاجرَ
وأَنَا سَمْرَاءُ كَمَا تَرَى ؟

تَسِيرُ مَاتِيلدا بَيْنَ جَمَالِيَّاتِ
الأَبْيَضِ والأَسْوَدِ

الثَّامِنَةُ مَسَاءً لشِتَاءٍ مَا
فِي جَاردِنْ سِيتي كَانَتْ تَهِمُّ
بِلَمِّ مِعْطَفِها الأَسْوَدِ
على بلوزَتِها البَيضَاءِ
لِتُدَاري تُفَاحَتَيْنِ فَوْقَ عُودٍ فَرَنْسيٍّ
تَبَاطَأَتْ عِندَما لَمَحَتْ ثَعْلَبًا
جَائِعًا فِي عَيْنِيْ
وَهِيَ تُغْلِقُ مَلابِسَهَا
ليَشْبَعَ صَدْرُهَا وعَينَاهَا
مِنْ ثَعْلَبٍ أَكْمَلَ طَريقَهُ
جَائِعًا .