عصام واعيس: يحتفي العالم اليوم بكتابه. بآثارهم، بأنوارهم وإشراقاتهم. بالحرف والكلمة والحركات والسكنات وتعاقب السواد والبياض في الصفحة. يحتفي كوكب القراء بكوكب الكتاب. يباهون بآلاء الكتب في كافة حقول المعرفة الإنسانية تليدها وحديثها. من فلسفة أرسطو، وخيمياء ابن حيان، مرورا بنسبية آينشتاين، وشعرية درويش، وعبثية ألبير كامو، ووجودية سارتر، وجاذبية نيوتن، ورياضيات الخوارزمي، ومسرحيات شكسبير وصولا إلى مؤلفات النانو-تكنولوجيا وعلم المورثات، ونظرية الكوانتم، وفيزياء المستحيل وغيرها من كتب تسيل بغير آخر. كان قرارا محمودا ذلك الذي اتخذته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) سنة 1995 في باريس بجعل يوم 23 أبريل من كل عام يوما عالميا للكتاب وحقوق المؤلف. يوم اعتراف وامتنان لمنارات فكرية أفنت حياتها في فسح أبواب الوجود وفتح مغاليق أسراره للبشرية وإنارة شموع الكون، في وقت كان فيه آخرون، من نيرون روما وهولاكو المغول مرورا بحجاج بني أمية وهيتلر ألمانيا وغيرهم، منشغلين بطلي رؤى العالم بالسواد. رمزية التاريخ بلون القداسة. تقرأ كتابا فتمنح وردة. تقرأ أكثر فتزهر حياتك بورد العلم. فقد انبثقت فكرة الاحتفال باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف من كتالونيا حيث جرت العادة على إهداء وردة لكل من يشتري كتابا في يوم 23 أبريل الذي يحتفل فيه بعيد القديس جاورجيوس. وهي رمزية متصلة أيضا بأسماء أدباء وكتاب كبار غادروا الدنيا أو دخلوها في يوم سالف مثل هذا اليوم. يأتي الاحتفال اليوم في ظل تنامي رهانات وتحديات مقلقة تخص مستقبل النشر وتشجيع الإبداع وحماية المؤلفين. تحديات تستوجب quot;الالتفافquot; حول الكتب وكتابها. الكتاب بصفتهم مبدعين والكتب بوصفها quot;تجسيدا للإبداع البشري وللرغبة في تبادل الأفكار والمعارف، وفي إلهام التفاهم والتسامحquot;، وفقا للمديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا، في رسالة لها بمناسبة هذا الحدث، إذ quot;لا توجد لدى الكتب مناعة تحميها من رياح التغيير في العالمquot;.
رياح التغيير تلك تتجسد أساسا، حسب بوكوفا، في quot;ظهور الأشكال الرقمية والانتقال إلى الترخيص المفتوح لتبادل المعارفquot;، كما أنها تثير quot;تساؤلات حرجة بشأن تعريف الكتاب ومعنى التأليف في العصر الرقميquot;، غير أن اليونسكو ترى أن تعقد الإشكالات المحيطة بمستقبل الكتاب والنشر لا يجب إلا أن يجعلنا نفكر في quot;اعتماد حلول جديدة منها نماذج الأعمال الابتكارية في عالم النشرquot;.فاليونسكو، تحاول تدبير الحساسيات وتحقيق توازنات صعبة تفرضها المتغيرات الطارئة وفي قمتها سطوة العالم الرقمي، إذ تسعى إلى التوفيق بين الدفاع عن الإبداع والمساواة والحق في الانتفاع بالمعارف، جنبا إلى جنب مع quot;مناصرةquot; وحماية حقوق المؤلف وحقوق الملكية الفكرية.
هدف اليونسكو يتمثل أيضا، حسب الأوراق التي تنشرها على نطاق واسع بهذه المناسبة، في إبراز مكانة المؤلفين وأهمية الكتب على الصعيد العالمي، وتشجيع الناس عموما، والشباب على وجه الخصوص، على اكتشاف متعة القراءة واحترام الإسهامات الفريدة التي قدمها أدباء دفعوا بالتقدم الاجتماعي والثقافي للبشرية إلى الأمام. لذا تحرص المنظمة على حث الشباب بصفة خاصة وجمهور القراء على الاحتفاء بهذا اليوم بطرق متنوعة ومبدعة، منها quot; البحث عن كتب جديدة تختلف عما اعتدتم قراءته من قبلquot;، او quot;ترك كتاب على مقعد في منتزه أو في قطار الأنفاق أو الحافلة أو أية وسيلة نقل عام مع ورقة صغيرة كتب عليها quot;استمتعوا باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلفquot;، أو quot;تنظيم حملات ومبادرات مقايضة الكتب وهبات الكتب عبر الإنترنت أو على مستوى المجتمعات المحليةquot;.
إنها باختصار دعوة إلى لحاق الركب، إلى الخروج من ضيق الجهالة، من سبات الفكر، إلى سعة الآفاق. إنها دعوة لمصاحبة من اجتمعت فيه من quot;التدابير العجيبة والعلوم الغريبة ومن آثار العقول الصحيحة ومحمود الأذهان اللطيفة، ومن الحكم الرفيعة والمذاهب القديمة والتجارب الحكيمة ، والأخبار عن القرون الماضية والبلاد المتراخية والأمثال السائرة والأمم البائدةquot; ما لم يجتمع في غيره من إنس ولا جان. والعبرة من كتاب الجاحظ الذي أحب الكتاب حتى خصه بفصل يمدحه فيه في مؤلفه المشهور quot;الحيوانquot;.
وquot;ليس المهم أن يقرأ الإنسان كل ما كتب أو يحيط بكل ما أنتجه غيره من الناسquot;، وإنما المهم، يقول طه حسين في كتابه خصام ونقد، quot;أن يظفر الإنسان بالوسائل و الأدوات التي تتيح له أن يضيف في كل يوم إلى علمه علما وإلى ثروته العقلية والشعرية ثروة ، فإن أتيح له مع ذلك أن ينتج ما ينفع الناس ويزيد في تراثهم من العلم والفن والمعرفة بوجه عام فهو عندي الإنسان السعيد quot;. اليوم قارئ وغدا كاتب