بغداد:&اكد المخرج المسرحي العراقي سليم الجزائري ان المشهد المسرحي الحالي مرتبك تماما، وهناك من ينحو بالمسرح نحو التجريب،ونزعة كبيرة جدا نحو الغموض ونحو الاشياء غيرالمفهومة.
&& يستعد المخرج سليم الجزائري لتقديم عمل مسرحي احتفالي يحمل عنوان (سوق المربد) من تأليفه بمشاركة عدد كبير من الفنانين اغلبهم من الشباب، يحاول فيه محاكاة شخصيات مختلفة من التاريخ والتراث العراقي ليقدمها على الخشبة وهو تتحاور مع بعضها ومع الازمنة، مشيرا الى العمل فيه جانب كوميدي وفرجة، ولذلك يفترض ان يكون للناس البسطاء،لانه بلغة محكية ثم ان الاحداث هزلية.

* ما جديدك في عملك المسرحي الجديد؟
سوق المربد، تأليفي واخراجي، وهو في الواقع عمل احتفالي، سوق وفرجة كبيرة والفرجة فيها تفاصيل حيث السوق مفتوح لكل من هب ودب وللشعراء وللبائعين والشارين والمستطرقين وغيرهم، ولان سوق المربد يرتبط في ذاكرتنا بالادب والثقافة وبالبصرة بالذات، فهناك تركيز على البصرة وعلى السوق، انا متمدد بالنص اكثر من هذا، بمعنى لم التزم بفترة تاريخية محددة، بل جعلتها مطلقا وشاملا بمعنى انني اصل به الى الملا عبود الكرخي والى عبد الوهاب البياتي واي شاعر حديث، والاشياء انا انتقيتها حسب ذوقي وقراءاتي في التاريخ والتراث العربي، فجمعت الاشياء التي اريدها، وانا اطمح دائما ان تكون الفرجة خفيفة الظل وفيها كوميديا واغاني ومرح، والقصد منه ان يجيء المشاهد ويشاهد اشياء ويسمع اشياء لم يعرفها من تراثه او لم يجدها لانها متناثرة في كتب كثيرة، وانا جمعتها له لاقدمها في عرض درامي من خلال قصة افترضها جذابة.

*هل هناك احداث معاصرة؟
- ليست هنالك احداث معاصرة ما دمت في السوق، فأنا انتقي الاحداث التي تجري في السوق، او اجد لها عذرا، على سبيل المثال مدفع او (طوب ابو خزامة) الذي كان في بغداد والنساء تنذر له النذور وغير ذلك، والمرأة التي لا تنجب تذهب اليه وتحك بطنها بالمدفع ومن تلد تضع رأس وليدها في فم المدفع وتتمتم بكلمات غير مسموعة، هذه من تراثنا، نحن ننتقدها لانها نوع من الخرافات وافضل من انتقدها بشكل لاذع عبود الكرخي،فهنا انا اجمع مادتين،الاولى منظورة التي هي المدفع الذي هدم اسوار بغداد وصار قديسا،وعبود الكرخي هذا الناقد اللاذع هذه الخرافات، هذا النقد يتزامن مع خفة الظل،هذا الخليط انا جمعته بحيث المشاهد عندما يشاهد العرض يستمتع ويتعرف ويمضي وقتا طيبا ويستفيد،انا بالنسبة لي المهم ان يستفيد من هذا الشكل الادبي.

*لماذا حصرته في سوق المربد؟
- في الاسلام هناك 43 سوقا بدء بسوق عكاظ،قسم مع الحج في مكة وقسم على طريق القوافل المتجهة الى اليمن والشام،ومنها المربد المعروف انه سوق موسمي اكثرمماهوعلى طريق الحج، في ذلك الوقت التفتوا الى انهذهالاسواقصارتكعبةللمثقفين،الشعراءوالفلاسفةواللغويونالعربيقصدونها، بينما بالمقارنة مع سوق معاصر مثل (سوق مريدي) في بغداد لا يقصده الادباء والمثقفون.

* اقصد الا تعتقد ان العنوان يوحي الى ان العمل فيه شعراء
- دعه يعتقد، وماذا بهم الشعراء، وانا لا اقصد الشعراء فقط بل ان المعروف منذ سوق عكاظ كان فيه مصارعون،ب معنى ان العربي يعرف ان هذه الاسواق مراكز ثقافية والتجار واصحاب رؤوس الاموال هم من اتوا بالثقافة الى هذه المراكز كي يجذبوا المشتري.

* هل في العمل اسقاطات على الواقع العراقي؟
-كثيرة جدا، والا لماذا نقدم نصا، فلابد ان يكون فيه اسقاط قوي، ولكن انا من النوع الذي لا احب الاسقاط المباشر الذي اسميه (الفج) لان المسرح مهمته ليست اعلامية، فعندما تجعله مباشرا ينحرف المسرح باتجاه الاعلام، انا..لا، المسرح عندي فن وثقافة وبالدرجة الاولى فن.

* ما الغرض من هكذا مسرحيات؟
- ان تعرف الجمهور بتاريخك وتراثك، انا لم اتحدث لك عن التفاصيل الكثيرة التي في المسرحية، اريده ان يعرف شخصيات تراثه على مختلف مجالاتهم حتى المجانين منهم.

* هل هذا يعني ان شخوص العمل عددهم كبير جدا ونحن نعرف ان هذا قد يؤدي الى عدم الالتزام؟
- بالضبط، ولكن هناك حالة وهي ان الممثل الواحد من الممكن ان نعطيه اكثر من دور وفي نفس الوقت من الممكن ان يتحرك داخل المسرح بصفته احد رواد السوق بتغيير في هيئته، فيظهر الممثلون على انهم كثيرون جدا،ثم انني سأعمل مع الشباب الطامحين الذين لم يحصلوا على فرصة، مع فنانين اثنين مشهورين يمتلكان القدرة الفنية ولهما ثقلهما في الفن،وبالتالي انا اراهن على الشباب الذين لم يستمتغون يريدون اثبات انفسهم في العملية الفنية، واتمنى ان يستمتعوا لانهم ن لم يستمتعوا تضيع الفرجة.

* هل العمل بالفصحى ام باللهجة العامية؟
- اغلبه في اللهجة ولكن فيها فصيح، مثلا الافتتاحية يحسسك بالكلاسيك ولكن ما ان يدخل لوقت بسيط جدا حتى تقتحمه العامية بنفس الموضوع، ولهذا سبب هو طبيعة الشخصية، فهذه مثقفة وهذه شعبية، فيكون التصادم الايجابي وتبدأ الاختبارات بينهما بطريقة كوميدية.

*الى من ينتمي عملك، الى الشعبي ام الجاد الذي يعرض لمرة واحدة فقط؟
-ما دام فيه جانب كوميدي وفرجة يفترض ان يكون للناس البسطاء،لانه بلغة محكية ثم ان الاحداث هزلية ثم ان الشخصيات سمع بها من امه او ابيه او غيرهما، على سبيل المثال: خلال حدث المسرح في السوق تدخل مجموعة صبيان ومعهم (الملا) الذي يعلمهم القرآن وتكون هناك (ختمة)،فأغانيهم ومشيهم في الشارع انقرض،نحن نأتي به ونوضح للجمهور كيف كانوا،فالسوق يتيح لي ان ادخل اناسا من كل الاشكال والمخلوقات.

* الا ترى ان هذا المسرح له علاقة بما قدمه الراحل قاسم محمد؟
- نعم، فقاسم محمد هو اول من بدأ بمسرح الفرجة، قدم (بغداد الازل بين الجد والهزل) وقدم (كان يا ما كان)، وهناك في المغرب الطيب الصديقي عمل مثله وكذلك سعد الله ونوس اتجه نحوه، ولكن في العشرين سنة الماضية لا تكاد تشاهد هذا المسرح،واولئك قدموه بنجاح،فلماذا لا نعيده ونعمل عليه.

*هل سبق ان اشتغلت مثل هكذا مسرح؟
-لا.. ليس عندي تجربة فيه.

* اذن.. كيف فكرت به لتقدم مسرح فرجة؟
-انا احب ان اقرأ، واحب تاريخنا القريب والبعيد، فأجد فيه اشياء ظريفة جدا وانيقة جدا ومهمة جدا لا يعرفها القاريء، فاستمتع في قراءتها حتى اذا ما تجمع عندي خزين تساءلت لماذا اضمه، فقررت ان ألملمه من بطون الكتب واجعله على هيأة نص مسرحي وان افضل شكل له هو نوع الفرجة ونقدمه للناس.

* هل من الممكن ان يصل مثل هكذا عمل الى الجمهور العربي؟
- ممكن جدا،فعلى سبيل المثال العرب يحبون مظفر النواب كثيرا، ومظفر عميق في اللهجة العامية،وهناك مفردات يقف العراقي عندها،ثم ان العرب ان لم بفهموا اللهجة فهم يستذوقونها،والمسرح عادة يجسد بالصورة وليس بالكلمة فقط، لذلك مجال فهمها على المسرح وخلال المسرحبة اكثر لفهم المفردة.

*كيف ترى واقع المسرح العراقي؟
- مرتبك، المشهد المسرحي مرتبك تماما، وهذا احد الاسباب التي دعتني الى ان اقدم البديل، انا& اعتقد ان البديل بالفرجة وبتراثنا العربي والعراقي بالذات نوع من البدائل المطروحة وليس الوحيد طبعا،فالان هناك من ينحو بالمسرح نحو التجريب، ونزعة كبيرة جدا نحو الغموض ونحو الاشياءغيرالمفهومة،واحيانا يضعونك في موقع تستحي منه وتخشى ان يكون عندك قصور في وعيك ولا تعرف ماذا يقصدون وتصفق مجاملة وتهنئهم، ولكن بينك وبين نفسك تتساءل (ما الذي فهمته من المسرحية؟،هل هذا هو المسرح؟) لقد علمونا ودرسونا شيئا اسمه متعة جمالية، واكثرنا يفهم هذه المتعة على انها هذا المظهر الجميل الذي نشاهده ونستمتع به، لكن لا، بل هي المعنى العميق الكامن والذي يفهمه المتفرج ويستذوقه ويتمتع به،واذا لم افهمه كيف استمتع بجماله.

*هل تعتقد ان المسرح العراقي يشكو من قلة النصوص؟
-طبعا، ليس المسرح العراقي فقط بل العربي والعالمي ايضا، فهناك ندرة في الكتاب، والغريب ان هذا الكم الكبير من الروائيين العراقيين ومن الشعراء العاميين والفصيحين، لكن كتاب المسرح معدودون ومحدودون، والسبب ان الكتابة للمسرح معقدة قليلا، فعندما تشاهد فيلما ويحدث انك لا تستطيع الا اكمال مشاهدته، السبب لان بناءه صحيح وهيكليته صحيحة، تقنيات هذه الهيكلية غير متوفرة في المسرح وبالتالي هي تحتاج الى تدريس اكاديمي والى كتب غير سيئة الترجمة، وتكون مفهمة للاخرين، ثم ان عدم الوضوح في نصوص كثيرة تعرض على المسرح ولا نفهمها، وهذا غلط وهو السبب الذي يجعلني اقول ان المسرح في العراق ملتبس علينا خلال السنتين الاخيرتين، فهو يتجه كثيرا نحو الاعلام او الاشياء المباشرة والقضايا المعاصرة التي هي بصراحة ليست من مهمة المسرح بل من مهمة الاعلام، وعليه لا بد لمسرحنا ان ينتبه للحجم الفني للمسرح والقيمة الفنية للمسرح.
&