يعد الشاعرُ والمثقف الإماراتي أحمد سعيد النيادي من نجوم مشهد الشعر النبطي الإماراتي المعاصر الباحثين عن كل جديد، يكتب الشعر الشعبي بروح مشتبكة مع قضاياه الوطنية والقومية والخاصة الذاتية، لذا تحظى قصائده التي يلقيها بصوته بانتشار كبير في صفحات اليوتيوب، يحفظها ويرددها الكثيرون من محبي الشعر النبطي وجمهوره في الخليج والامارات خاصة، أهم قصائده في مدح الشيخ خليفة والتهنئة بسلامته بعنوان "بو سلطان"، و"عزومي" في أخلاق الرجال وشيم المروءة والنخوة وفروسية الشعراء، بصوت المنشد علي بن رفده، وقصيدته "يا منتهى الحب" في الغزل والحب، ينظم مستلهماً أشعاره من الناس، والحياة، ويوميات الوجود الإماراتي والعربي الأصيل والراسخ في المكان منذ الأزل.

** نود التعرف على تجربتك الشعرية بداياتها ومراحل تطورها ؟
** بدأت نظم الشعر فعلياً منذ مطلع الألفية الثانية، رغم أن بداياتي المتواضعة لولوج عالم القصيدة كانت من خلال انجذابي إلى القصائد والأناشيد الوطنية والإنسانية منذ شبابي المبكر، لما كانت تحمله هذه الروائع الفنية من جماليات على مستوى الكلمة والنغمة.
بعد القصائد الأولى، بدأت أكثر فأكثر أتفاعل مع كل موقف وكل حدث فأقول الشعر فيه، وأعيش تجربة التعبير عنه بما امتلكت من أدوات فنية شعرية، أسهم اطلاعي على الكثير من النقد والقراءات المتعمقة في تجارب كبار الشعراء العرب والإماراتيين في الفصيح والشعبي والنبطي معاً، في زيادة وعيي المعرفي بأولوية وضرورة الشعر في حياتنا ونحن الأمة التي كان الشعر ديوانها الأول منذ القدم.
وأود أن أشير إلى حقيقة أن رعاية وعناية واهتمام قيادة الإمارات الرشيدة وأصحاب السمو حكامها بالشعر وكون كثيرين منهم شعراء، وضعني أمام تحدي ذاتي أولاً ثم القدرة على النظم والإلقاء ثانياً.

** هل ثمة مفهوم أو رؤية محددة تنطلق منها في كتابتك؟
** المفهوم الحقيقي والأعمق هو الجانب الذاتي فلا يمكن للشاعر أن يتجرد من ذاتيته وفرديته مهما حاول أن يكون جمعياً، وفي حقيقة الأمر فإن الجمعية والتعبير الجمعي في الشعر كان سائداً قديماً، حين كان الشاعر لسان حال قبيلته، والناطق باسمها في الحرب والسلم، أما اليوم فالشاعر يسمو بفنياته الشعرية كلما تعمق في فرديته وفهمها وعاشها.
ورؤيتي في تحقيق فرديتي وذاتيتي تنسجم تماماً مع الرؤية الوطنية والإنسانية الكلّية، فأنا شاعر عربي إماراتي، أعيش هموم الأمة وقضاياها، كما أعبر عن أولويات الانتماء الوطني، وهنا لا بدّ لي من الإشارة إلى أن الشاعر الإماراتي يعيش قضايا أمته في مصر أم الدنيا، وبيروت عاصمة النور، وبغداد التاريخ، ودمشق الحضارة والإنسان، ولا ينفصل عنها أبداً.

** ما أبرز القضايا التي ركزت عليها قصيدتك؟
** القضايا الوطنية المنسجمة مع رؤية دولتي الحبيبة الإمارات في إعلاء قيم التسامح والتضامن العربي والإسلامي، والانفتاح على الآخر والسلام الدولي، والاستعداد للذود عن حياض الوطن بالغالي والنفيس، وتقديم التضحيات الجسام في سبيل ذلك، أما القضايا الإنسانية فتتمثل في الدعوة لتعميق أواصر علاقة محبة الإنسان لأخيه الإنسان، وترسيخ قيم التفاهم ولقاء الثقافات دون أن تطغى ثقافة على ثقافة، أو قيم على قيم أخرى، فمصدر اعتزازنا نحن الإماراتيين والعرب والمسلمين يكمن في تراثنا العريق وحضارتنا التي سادت الدنيا طوال قرون، من أقاصي الشرق وصولاً إلى الصين، حتى أقصى الغرب عند شاطئ الأطلسي وربوع الأندلس.

** للقصيدة النبطية تأثير واسع بين أبناء الخليج عامة بماذا تفسر ثقلها ولماذا لا تزال ذات تأثيير قوي على الرغم من وجود وسائل اتصال مهمة أخرى؟
** الشعر ديوان العرب، وقد باتت القصيدة النبطية والمفردة الشعبية أقرب إلى الاستخدام اليومي من اللغة الفصحى الأم نفسها، لذا يتفاعل جمهور المتلقين أكثر مع المفردة الشعبية وموسيقيات الشعر النبطي وبخاصة أن في الإمارات أنماطاً فنية موسيقية عدة ضمن تجليات الشعر النبطي من التغرودة إلى الونة والرزفة والشلة وغيرها.
كل ذلك، إلى جانب اهتمام شيوخنا الكرام بالشعر كأداة اتصال وإيصال وتعبير، ليس على المستوى الذاتي فقط، بل على مستوى حمل الرسائل الوطنية والتفاعل مع الأحداث المصيرية العربية والإسلامية الكبرى أيضاً، كل ذلك أدى إلى شيوع الشعر النبطي والشعبي وتداول روائعه الفنية بين أفراد الجمهور في الخليج عامةً والإمارات خاصة، إضافةً إلى أن المجتمعات التي ننتمي إليها كما مجتمعات البدو في مصر وليبيا وشمال إفريقيا، وبادية الشام والعراق، كلها مجتمعات شفاهية لا تزال، وهي بالتالي تميل أكثر إلى السماع والتداول عبر النقل الشفاهي وليس المكتوب، رغم أن ذلك يتغير الآن مع النهضة الثقافية لجهة أدوات التعبير الكتابي ومخرجات المعرفة والإصدارات والترجمات، التي تشهدها الإمارات ودول الخليج العربي.

** كيف ترى المشهد الشعري النبطي في الإمارات وما أبرز ملامحه؟
** يتعزز مشهد الشعر النبطي والشعبي في الإمارات عبر مبادرات ترعاها العديد من الجهات الرسمية الحكومية والمحلية على مستوى كل إمارة من الإمارات السبع، ومنها مبادرة مسابقة الشيخ محمد بن راشد الخاصة بالشعر النبطي، ومن بين المؤسسات التي تختص بدعم وتعزيز مخرجات الشعر الشعبي في الدولة: أكاديمية الشعر التابعة لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، ومركز حمدان بن محمد لإحياء التراث في دبي، ومركز الشارقة للشعر الشعبي، ومن مبادراتها الرائدة مسابقات "شاعر المليون" و"البيت" على سما دبي وغيرها الكثير.
ومن أبرز ملامح الشعر النبطي في الإمارات التصاقه بالتجربة النهضوية الكبرى التي تعيشها الدولة في شتى مجالات الإبداع والحياة، وتعبيره عنها خير تعبير، في مرحلة التأسيس وصولاً إلى ما نعيشه اليوم من تمكين للنهضة وتعزيز للمعرفة في جميع المجالات، وهذا ما برز حقاً من خلال تفوق وبروز كبار شعراء الإمارات في مسابقات عربية ذات مستوى عالمي مثل حصولهم على بيرق الشعر في مسابقة "شاعر المليون" لدورتين وتبوأ هؤلاء الشعراء المراكز الأولى بين نظرائهم من شعراء النبط الخليجيين والعرب.

** كيف ترى لتأثير المهرجانات والمسابقات التي تقام للشعر النبطي؟
** إن المهرجانات والمسابقات هما وجه من الأوجه العديدة للدعم الكبير الذي يلقاه الشعر في الإمارات، وهذا يأتي انطلاقاً من رؤية ثقافية بعيدة المدى لدولة الإمارات وقيادتها الحكيمة، تستهدف تعزيز اللغة العربية وتجلياتها الحضارية والجمالية في حياة أفراد الشعب الإماراتي والمقيمين في الدولة من الأشقاء العرب المشاركين في صناعة هذا المنجز الثقافي المعرفي الكبير.

** هل ترى أن النقد يواكب حركة الشعرية النبطية العربية؟
** للأسف يظل إصبع الاتهام موجهاً إلى النقاد وحركة النقد، كأنّ المطلوب أن يتنبأ النقاد بما يكون لاحقاً من الشعراء وتجاربهم الشعرية، فوظيفة النقد بالمفهوم الجمالي أن يبرز المستوى الفني للمفردة الشعرية لا أن يقدّم درساً إرشادياً للشعراء فيبين لهم مكامن قصورهم وضعف أدواتهم اللغوية والشعرية، نحن في زمنٍ لا يقبل الحدود الرمادية، فالمتلقون أذكى من ذلك، إما أن يكون جمال في المفردة والصورة والرمز وإما لا يكون.
أما إذا كنت تعني بسؤالك جانب التوثيق والتأريخ لحركة الشعرية النبطية العربية فأنا أوافقك الرأي تماماً بأن التركيز وبخاصة في دول مركز الثقافة كما تعارف على تسميتها المثقفون، وهي بلاد الشام والعراق ومصر، يبدو ضعيفاً وقاصراً عن استيعاب النهضة التي تعيشها الشعرية الشعبية والنبطية في التصاقها بالحياة وتعبيرها عن جوانب تطورها وتجليات فنيتها الحداثية العالية.
&