يتفق النقاد على حق السينما في الخوض في السياسة كمدخل للإبداع، لكنهم يرفضون السياسة بمعناها الفجّ. في إسرائيل مخرجون لهم رأي مخالف، فالسياسة تحيط بهم من كل صوب وحدب ومن غير الممكن تجاهلها.


إسماعيل دبارة: عاد السجال في إسرائيل مجددا حول علاقة السينما بالسياسة، خاصة مع توقيع مجموعة من المخرجين الإسرائيليين المشاركين في (مهرجان أفلام القدس)، لعريضة تطالب بوقف النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين والعودة إلى الحوار.

السينمائيون الموقعون على العريضة، قالوا إنه "من المستحيل التحدث عن السينما وتجاهل القتل والأحداث المروعة من حولنا"، ومن بين الموقعين، إفرات كورم وشيرا غيفين ورونيت إلكابيتس وكيرين يدايا وطالي شالوم عيزر ونداف لابيد وشلومي إلكابيتس وبوزي غيتي.

وأشار المخرجون إلى أن أطفال غزة لا يتمتعون بحماية منظومة "القبة الحديدية"، ولا توجد لديهم أيضا مساحات سكنية آمنة، ولا صفارات إنذار، على عكس الإسرائيليين.

وكتب المخرجون: "الأطفال الذين يعيشون في غزة اليوم هم شركاؤنا في السلام غدا... القتل والرعب الذي نتسبب به يدفع بأي حل دبلوماسي بعيدا".

وعبر المخرجون أيضا عن تضامنهم مع سكان جنوب إسرائيل، الذين وجدوا أنفسهم على جبهة القتال في هذا الصراع. ودعوا إلى حوار بنّاء وبتوجيه الكاميرات إلى سكان غزة أيضا، وتصوير المعاناة في إسرائيل والدمار في غزة.

وفيما يشن الجيش الإسرائيلي عملية (الجرف الصامد) ضد قطاع غزة، والتي تطورت الخميس إلى اقتحام برّي للقطاع المحاصر، تم تأجيل ليلة افتتاح "مهرجان أفلام القدس" الذي يستمر إلى 20 يوليو الجاري، والافتتاح كان سيتضمن عرض فيلم للكاتب سيد قشوع (عرب راقصون)، وتم إلغاء العرض بسبب التصعيد الأمني وتواصل إطلاق الصواريخ على إسرائيل من غزة.

عرب راقصون

"عرب راقصون" فيلم أخرجه الإسرائيلي عيران ريكليس وهو مأخوذ حسب النقاد، عن السير الذاتية "عرب جيدون" و"ضميرٌ ثانٍ وحيد"، للكاتب سيد قشوع.

يطرح الفيلم العلاقة المعقدة بين عرب إسرائيل واليهود، ويروي قصة الطفل إياد الذي يرسله والداه الفلسطينيان إلى مدرسة داخلية يهودية في القدس المحتلة في ثمانينات القرن الماضي، ليجد نفسه في مواجهة أسئلة الهوية والثقافة والانتماء والاغتراب.

وفي فترة مراهقته، تنشأ علاقة غرامية بين إياد وفتاة إسرائيلية، تلقى الرفض التام من عائلة الفتاة، فيتطور شعور إياد بالغربة والاختلاف ويصل إلى قناعة بأن التخلص من هذا الشعور يتحقق بالتخلي عن هويته العربية الفلسطينية، قبل أن يعزم في النهاية على مغادرة وطنه والسفر إلى الخارج، تماماً كما كتب قشوع في مقال منذ أيام، أنه "حان وقت الرحيل وتحضير حقائب السفر، لاستنتاجه عدم إمكانية العيش المشترك بين العرب واليهود في المجتمع الإسرائيلي في الأوضاع الراهنة".

وقشوع هو كاتب وصحافي فلسطيني - إسرائيلي يعيش في القدس ويكتب بالعبرية. ولد في مدينة الطيرة، وبعد إنهائه تعليمه عمل مراسلا للصحيفة العبرية المقدسية "كول هاعير"، وبعد ذلك تحول إلى ناقد تلفزيوني وصاحب عمود شخصي في صحيفة هآرتس. وكتب قشوع بالعبرية فقط، على عكس غيره من الكتاب العرب في إسرائيل الذين كتبوا بالعربية.

السينمائي ابن بيئته

يقول مخرج (عرب راقصون)، الإسرائيلي عيران ريكليس، لصحيفة (لوفيغارو) الفرنسية: "مما لا شك فيه، على السينما أن تكون دائما وثيقة الصلة ببيئتها، وعلى وجه الخصوص، على السينما الإسرائيلية أن تكون أكثر تفاعلا وتجاوبا مع الأوضاع السياسية والاجتماعية والحالات الشخصية والإنسانية الخاصة".

ويضيف عيران ريكليس، وهو من بين الداعمين للعريضة التي تم توقيعها: "نحن كسينمائيين، لا يجب أن نفقد الاتصال مع الواقع، وهذا ما حاولت القيام به في كل أفلامي".

ننقل ما نشعر به

مخرجة فيلم، "Self-Made"، الإسرائيلية شيرا غيفين، تقول لـ(لوفيغارو): "وقعت على العريضة لوقف إطلاق النار مع زملائي، وكنا سائرين في البداية نحو سحب أفلامنا من المهرجان في القدس، قبل أن نقرر استخدام المهرجان بمثابة المنبر لنبلّغ آراءنا".

وتضيف: "لقد وعدت نفسي أن أقول في فيلمي ما أشعر به. لا يمكننا التصرف وكأن شيئا لم يحدث".

نقاش مستفيض

حسب (لوفيغارو) ولّدت العريضة التي وقعها السينمائيون الإسرائيليون تفاعلا وسجالا عبر شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصا حول الدور الحضاري للفن السابع، واختلف كثير من المهتمين حول العلاقة بين السياسة والإبداع الفني.

والسجال الذي خلفته العريضة، أثار غضب الحكومة الإسرائيلية التي اتهمت الموقعين بالتوظيف السياسي ومحاولة إرضاء أوروبا.

وتنقل الصحيفة الفرنسية عن الإعلامية المتخصصة في الشؤون الثقافية والسينما، ارييل شفايتزر: "كما يحصل عندما يصدر فيلم برؤى نقدية، هبت وزيرة الثقافة الإسرائيلية ليمور ليفنات واتهمت العريضة بكونها توظيفا سياسيا لإرضاء أوروبا".

سياسة وتسييس

حسب يائييل فوجيال التي أنتجت أفلاما إسرائيلية كثيرة، فإنّ "حالة الطوارئ التي تعيشها الدولة العبرية، تمثل مصدرا للإبداع لدى كثير من السينمائيين، ويمكن ملاحظة ذلك مؤخرا، إذ بات الشأن السياسي غالبا في الأعمال السينمائية".

مشكلة التمويل الشحيح أيضا تدفع بالسينمائيين الإسرائيليين إلى الخوض في السياسة، بل الخوض أيضا في السياسة الدفاعية، فالمخرج يوسي أفيرام يقول: "هذا الموضوع أيضا سيعيدنا إلى السياسة، فعندما تقلص ميزانية الجيش قليلا، ستجد مالا أكثر يصرف على الثقافة والسينما في إسرائيل".