صعد الممثلون إلى الخشبة باحتراف للمرة الأولى وقدموا مسرحية "البخيل"، في منزل مؤسس هذا الفن في لبنان مارون النقاش، سنة 1848.
بعد سنتين في 1850، قدموا مسرحية "أبو الحسن المغفل أو هارون الرشيد"، على مسرح أنشأه النقاش قرب منزله في الجميزة، قبالة مدرسة الفرير. سيصبح أول مسرح في لبنان& كنيسة على اسم السانتا ماريا بناء على وصية النقاش.
بعد ذلك سيكتب أدباء وشعراء لبنانيون عدداً لا يُحصى من المسرحيات بالفرنسية والعربية، بالفصحى، وبالعامية التي سيمضي وقت طويل قبل أن تصبح لغة المسرح والتمثيليات اللبنانية، وأيضاً قبل أن تخرج المسرحيات من إطار الدراما الشعرية والقصائد إلى النثر المحكي.
أبرز من كتبوا وترجموا للمسرح بين منتصف القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين : جبران خليل جبران، وسعيد عقل، ومخايل نعيمة، وسعيد تقي الدين، ومارون عبود، والياس أبو شبكة وشبلي الملّاط.
وأيضاً أنطون الجميّل وأنطون فرح وعبدالله غانم ورائف فاخوري،، وعبدالله البستاني ويوسف يونس وأمين ناصر الدين ونسيم حنا نصر ويوسف أبو ديب.
&ويلفت في تلك الحقبة انخراط رهبان وكهنة في حركة التأليف والترجمة المسرحية: الأب خليل إده شقيق الرئيس إميل إده، والخوارنة حنا طنوس وبطرس بولس الأشقر ويوسف الحايك ويوسف الحداد ومارون غصن وسواهم. معظم مسرحياتهم كانت عن أهوال الحرب وبطولات اللبنانيين والقديسين، وأيضاً عن زمن الخلفاء وقصص الحب والبطولة عند العرب.
&المسارح الرسمية بدأت تتأسس في بيروت حوالي السنة 1900. من يذكر مسارح الباريزيانا والكريستال والرويال والأمبير وفاروق والتياترو الكبير؟
&في موازاة الأمكنة، تألفت على مدى عقود بعد الحرب العالمية الأولى عشرات الجوقات وفرق التمثيل. توزعت الخشبات في بيروت وكل المدن والقرى تلك الأيام. المسرح في لبنان انطلق لامركزياً بامتياز، وكانت غالبية الأعمال المسرحية تقدم خلال الأعياد الدينية في الأديار والمدارس وبعض المقاهي خصوصا في بيروت وطرابلس حيث كان يقدم "خيال الظل" القديم عند العرب وينافس "الحكواتي" الذي سيتحول لاحقاً إلى مدرسة فنية مسرحية. وأول نقابة للممثلين تألفت أواخر الأربعينيات، ولحقت بها نقابة للفنانين الهواة أيضا.
أول مدرسة للتمثيل تأسست سنة 1946 في حاووز الساعاتية في بيروت، وكانت من غرفتين واحدة تعلم التمثيل والثانية الموسيقى. وكثيراً ما كان رجال يؤدون أدوار النساء في التمثيليات لأن النساء الممثلات كان عددهن ضئيلا جدا.
عندما افتتح قسم التمثيل في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية سنة 1965 لم تتقدم أي فتاة في الدفعتين الأولى والثانية، وضمت الدفعة الثالثة فتاة أو اثنتين. كان الأهل يمانعون في انتساب بناتهن إلى هذا الفن.
لكن الولادة الثانية للمسرح ستحمل إلى الخشبة المرأة اللبنانية، مؤلفة وممثلة ومخرجة أيضا. جيل نضال الأشقر ومادونا غازي ورضى خوري ورينيه الديك وتيودورا راسي. وفي التلفزيون وفاء طربيه وناديا حمدي ونزهة يونس وليلى كرم وسواهن كثيرات.
الولادة الثانية كانت عام 1960 عندما أنشأت لجنة مهرجانات بعلبك الدولية مدرسة المسرح الحديث "فرقة المسرح الحديث" وأوكلت التدريب والتوجيه إلى منير أبو دبس العائد من فرنسا. قدمت الفرقة أربع عشرة مسرحية مدى عشر سنوات قبل أن تتوقف المؤسستان. تعاون أبو دبس مع أنطوان ولطيفة ملتقى وأنطوان كرباج ورينيه الديك ورضى خوري وأنطوان معلوف وميشال نبعة وسواهم.
واكبت فرقة المسرح الحديث الحركة الحداثية التي قادتها خصوصا مجلة شعر وأركانها. واللغة اختلفت، صارت تنبض حيوية لأن الشاعرين أنسي الحاج وأدونيس توليا ترجمة معظم الأعمال العالمية الكبيرة التي قدمتها الفرقة، من سوفوكليس إلى شكسبير وجان بول سارتر ويونيسكو وألبر كامو وبرشت وأرابال وغوتة. في حين كان عصام محفوظ وحده يكتب عشرات المسرحيات الطليعية المتمردة الصاعقة. موجة تجديد هائلة ضربت هذا الفن في لبنان ورفعته عالياً.
&وشهدت الستينيات على غرار الأربعينيات نشوء عدد من الفرق، ولكن على أسس حديثة: حلقة المسرح اللبناني بإدارة أنطوان ملتقى الذي افترق عن ابو دبس بعد سنة من تعاونهما، فرقة المسرح الحر بإشراف أندريه جدعون ومادونا غازي وزملاء لهما، فرقة محترف بيروت بإدارة نضال الأشقر وروجيه عساف، فرقة المسرح اللبناني للدراما بإدارة ميشال خطار، إلى جانب فرق أرمنية مثل فرقة هامازكيين وفرقة غولبنكيان بإدارة برج فازليان. وكان مركز التمثيل الجامعي في مدرسة الآداب العليا مختبراً لكل التجارب الطليعية الغربية، ومثله بالإنكليزية فرقة "بريتوس" في نطاق الجامعة الأميركية.
تألق في الإخراج والتمثيل في عصر لبنان الذهبي، خلال الستينيات وما بعدها ريمون جبارة بعبثيته الساخرة وأسئلته الميتافيزيقية قلقة ورفضه للرموز السلوية التي تسحق الإنسان. لمع شكيب خوري بطقوسيته الشعرية، وجلال خوري بمسرحيات الإلتزام السياسي، ومثله يعقوب الشدراوي. تجلى برج فازليان بين مسرح الفودفيل ومسرح المثقفين، وموريس معلوف في المسرح الإيمائي، وشوشو الظاهرة الذي أسس المسرح اليومي الملتصق بقضايا الناس. بينما كان الأب يوسف مونس يدفع المسرح الديني صعودا على سلم الحداثة.
ساهم انتشار التلفزيون بقناتيه في ازدهار التمثيل عموماً. كان المسرح الغنائي في تلك الحقبة يرتفع إلى قمة مجده مع الأخوين عاصي ومنصور الرحباني وفيروز ورفاقهم. تمثيل وغناء ودبكة وإحياء تراث. كل سنة مسرحية منها اثنتان بطولة صباح. كانت أيام عز أيضاً مع روميو لحود وفرقته، وفرقة الأنوار التي أسسها الصحافي سعيد فريحة وتعاونت مع صباح وزكي ناصيف ووليد غلمية ووديع الصافي وتوفيق الباشا وعفيف رضوان، وحلقت في الرقص فرقة عبد الحليم كركلا. وظهر مسرح الدمى ومسرح الأطفال ومسرح الباليه مع جورجيت جبارة.
واندلعت الحرب في 1975. انقسم لبنان وساد الإحباط أهل المسرح، لكنه لم يتوقف تماماً إلا في أيام الشدة التي لا تٌحتمل.
برز خلال تلك الحقبة مسرح الحكواتي وتجربته الجماعية، ومسرح نبيه أبو الحسن ووسام طبارة، ومسرح زياد الرحباني، ومسرح الرحابنة عموما بعد فيروز، وصولا إلى حقبة مسرح منصور الرحباني وأولاده، ومسرح أنطوان غندور ومروان نجار. وظهر الجيل الثاني من المسرحيين، قادرا متمكنا مع فنانين، مثل جوزف بو نصار ونقولا دانيال وفائق حميصي ورفيق علي أحمد وعايدة صبرا وكثيرين وكثيرات من المبدعين والمبدعات... جنود أوفياء لأرقى وأجمل فن ابتدعه الإنسان.
&