جمع المخرج الفرنسي بيار كومبرو آراء لبنانيات كثيرات في طرق يتبعنها نحو الجمال، فيتفرقن، لكنهن يجتمعن على سعي موحد ليكن جميلات في عيون شباب لبنان... حيث الشباب قليل.


ساره الشمالي من دبي: كان جمال اللبنانيات موضوع فيلم وثائقي، مدته 52 دقيقة، بعنوان "طرق الجمال - لبنان... الجانب الآخر من المرأة"، ضمن سلسلة من التقارير عرضتها محطة أرتيه - Arte& الألمانية الفرنسية، "فن الإغواء وجمال النساء عبر العالم". وبثت المحطة حتى تاريخه أفلامًا وثائقية عن المرأة والجمال في السينغال والهند وكوبا وكمبوديا... ولبنان.

سلّط العدسة

أخرج الوثاقي هذا الفرنسي بيار كومبرو، فسلط عدسته على تفاصيل في الوجوه بعد المظهر الكامل، محدقًا في أنوف اللبنانيات المدققة والصغيرة، وفي وجوههن بتجاعيد قليلة، وفي شفاههن الرقيقة، بعدما التقى طائفة كبيرة من اللبنانيات الآتيات من خلفيات متنوعة.

كما آثر كومبرو في وثائقيه هذا أن يفسح في المجال أمام فتيات صغيرات محجبات، ليقلن ما لا يقلنه علنًا، في اختلافهن عمن سبقنهنّ حول حجاب لا يترددن في تحويله عنصرًا أساسيًا من مكونات موضتهن، وحول جمال لا يتقيد بمظهر يذهب به حادث سيارة في دقائق، بل يتقيد بمزايا الروح والأخلاق.

حريصة على جمالها

أراد كومبرو حشر الجمال اللبناني في ثلاثة قماقم، هي الموضة، والدافع وراء الاهتمام بالنفس، وعمليات التجميل. بدأ ملتقيًا مهندسة الديكور كالين مرقص، واقفة بفستان أحمر أمام مرآتها، تتزين ناقلة عينها بين الكاميرا والمرآة، لتجود عن جمال "النساء اللبنانيات اللواتي يعطين قيمة للجمال أكثر من مثيلاتهن عبر العالم، يصرفن وقتًا طويلاً وجهدًا كبيرًا على التزيّن، حتى لو نوينَ الذهاب إلى السوبرماركت لشراء حاجيات بسيطة".

وتضيف: "المرأة اللبنانية حريصة دائمًا على جمال مظهرها، فالرجل اللبناني يعنيه كثيرًا مظهر المرأة، والمجتمع اللبناني يركز على ظاهر المرأة أكثر من باطنها، فلا يهمه أن تكون ذكية أو موهوبة، فلجمالها الكلمة الفصل في تحديد شخصيتها".

غلطة مميتة

لا يشكك كومبرو في مقولة مرقص، بل يرتحل بعدسته بين صالونات التجميل، يراقب من خلف العدسة لبنانيات من جميع الاعمار، أتين للقصّ والسيشوار والرفع والبراشينغ وغيره.

صوت المعلق يقول: "تحمل اللبنانيات مالًا كثيرًا إلى صالونات التجميل"، أو هكذا& يخبره جورج مصفف الشعر، ويزيد: "النساء في بيروت يأتين لصالونات التجميل ثلاث أو اربع مرات أسبوعيًا، ومنذ أن أفتتح والدي الصالون منذ أربعين عامًا لم يتغير شيء، وحدها تفاصيل تحضير العرس تتغير رغم استمرارها وأهميتها، فعلي أن أبتكر تسريحات مختلفة، لتجنب حضور سيدتين بالتسريحة نفسها إلى العرس نفسه، وهذه غلطة مميتة في لبنان، خلافًا للأمر في أوروبا".

لفت نظر

يقارن مصمم الأزياء ربيع كيروز بين هدوء إيقاع الحياة في بيروت وسرعته في باريس، "وهذا ما يعطي للثياب في بيروت وظيفة تختلف عن وظيفتها في باريس، فبطء الحياة في بيروت يفسح المجال امام التملي بما يرتديه الآخر، وعندما تأتي النساء إليّ ليخترن أزياء لعرس أو مناسبة أخرى، يطلبن أولًا ثوبًا يلفت الأنظار، بينما غاية نساء باريس لباس عملي".

وكيروز ضائع في الفيلم بين ثقافتي بيروت وباريس المختلفتين، بين منطقي الشرق والغرب، بين موضتي لفت النظر وثوب العمل، لذا يعجز عن تقديم وصفة محددة للأزياء في لبنان، فهو الارتباك الذي لا تخلو منه الشخصية اللبنانية حاليًا.

بكل زينتها!

في الفيلم نقل حي لليلة بيروتية صاخبة، حيث تخالط النساء الرجال بحرية ومن دون قيود أو عقد. عددهن طاغ في بيروت، وهو ما يشي به الوثائقي، من دون أن يكون حاسمًا في رسم ملامح السبب، بين أهوال الحرب وأعداد القتلى، وأرقام المهاجرين.

في هذه الحفلة وغيرها، تستعين المرأة اللبنانية بكل زينتها و"زنطرتها" للبحث عن رجل مناسب إن وجد، وهن لا يستحيين أبدًا من الاعلان عن سعيهن الدؤوب هذا أمام كاميرا كومبرو.

وتقف الدكتورة ماري-تريز خير بدوي، المختصة في علم النفس السريري، على ظاهرة الاهتمام بالجمال، لحدّ إجراء عمليات التجميل بالجملة، فترده إلى هذا الفائض الأنثوي، إذ مقابل كل شاب في لبنان ثمة 10 شابات يتقاتلن عليه، بكل ما أوتين من ماكياج. وهذا الماكياج كله لأن الرجل اللبناني يهتم بأجزاء معينة من جسد المرأة، ولا يراها ككيان متكامل، لذا يصغّرن الأنف أو الخصر، أو يكبّرن الشفتين أو الثديين، "فعندما تقول المرأة إن أنفها غير جميل أو إن عينيها لا تعجبانها، عندها يصبح الجمال مفهومًا مجزّأً"، بحسب بدوي.

السعي واحد

وتظهر هاديا سنّو، الإعلامية المختصة في الموضة، في الوثائقي، مقيّمة النساء اللواتي يجرين عمليات تجميل بصراحة وصرامة. تصّنفهن في ثلاث فئات: فئة ممن يتحدثن بصراحة عما خضعن له من عمليات تجميل، وفئة يخفين ما خضعن له من عمليات تجميل، وفئة ينكرن لكن عمليات التجميل جلية فيهن.

وللشيخة المحجبة، التي تجمع حولها نساء لتدريسهن دينيًا، وجهة في الجمال، "فخلقُ اللهِ جميل، والنساء بعد التجميل أقرب إلى البلاستيك منهن إلى الطبيعة". ومتى يُعرض عليها أن تضع قليلًا من المساحيق لتخفي تجاعيد حول عينيها، ترفض: "أريد أن أظهر على طبيعتي، وبسنّي الحقيقي".

كومبرو لا يرفض ما تقوله، فهو في الوثائقي هذا يعرض كل الآراء ليقول رأيًا واحدًا: "تختلف نساء لبنان في مذاهبهن وأعمالهن، لكن سعيهن إلى الجمال واحد".