قبل أيام رأيتُ صورته في ايلاف، وبرفقته الكبيرُ الجميل يوسف العاني، استغربتُ كيف يمرضُ سامي عبد الحميد؛ وقد نذر حياته للمسرح والتدريس والنقد، تخرّج على يديه أجيالٌ من المبدعين. لم أحضر أية مسرحية مثّل فيها، لكني شاهدتُ جلها في التلفاز، وأعرفه كما أعرفُ أفراد عائلتي. ومعرفتي به تمتدّ الى منتصف خمسينيات القرن الماضي، يوم كنتُ طالباً في الإعدادية، فأقرأ له كلّ اسبوع نقداً سينمائيّاً عن فيلم أجنبي جديد يُعرضَ في دور السينما البغدادية، ويُنشرُ في الصفحة الأخيرة في احدى الصحف اليومية. فاضطرّ لمشاهدة ذلك الفيلم. وربّما كنتُ مديناً له، وهو الذي منحني ثقافة السينما. على الرغم من كوني أحد عشّاقها ومشاهديها. فقد جعلني أخي الأكبر أحبّها مذ كنت في الثالثة من عمري. وكنا نرومُ المتعة وقضاء الوقت في مشاهدة الأفلام، لكنّ / سامي/ علّمنا من خلال نقوده الأسبوعية تقويم الفيلم وفهم مغزاه. ولم يكن محض مسرحي برع وتفوّق، بل كان موسوعيّاً في ألوان الثقافة، له نقده الذوقي والابداعي في الموسيقى والأدب وعلم زاخر في التدريس. ومثله / الألمعي المثابر والمُنتج والمبتكر/ لا يجود به كلّ زمان. المسرحُ العراقي مدينٌ له ولباقة من الروّاد المبدعين الذين شيّدوا هرمه الشامخ. ومن حسن حظنا أنه وبضعةٌ آخرون من جيله منحونا تلامذة موهوبين صاروا، ثمتئذٍ، يُضاهونه. وبرغم تعرضه لظروف حياتية صعبة الا أنّه ظلّ أميناً مُخلصاً للمسرح. ولولاه والجيل الذي جايله وانتجه لما حظي المسرحُ العراقي بمثل هذه السمعة الباذخة. ثمّ.. ظلّ المسرحُ برغم تقلبات السياسة والظروف في مدّ وجزر وفي تصاعد جدلي. وكاد يفقد صدقيته ابان التسعينيات وما بعد الاحتلال. وشاب الخللُ كلّ جبهات الثقافة بلا استثناء. ثمّ تشتت رموز المسرحيين في بقاع المعمورة ولا نسمع عنهم سوي بصيص من الخبر. ولم يبق في الوطن الا بضعة انفار اما يتماهون في أعمالهم او ينغمسون في رؤى تاريخية دينية تجامل ولا تبدع. فأين مسرحنا الذي تألق في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي؟ وأيةُ مسرحية تُضاهي النخلة والجيران وأخواتها من الاعمال المسرحية؟ وأظنّ أنّ كل انجاز حققه المسرحُ العراقي كان لسامي شأنٌ فيه. فلواردنا أن نستذكر رواده فأولُ إشارة تتوجه اليه وزملائه الألى منحوه مسيرته وحياته. تمنيتُ أن لا أراه على فراش المرض برغم عمره الطويل، فما زال فيه شبابٌ مسرحي ينبغي أن يُتاح له أن يكمل المشوار. لكن الاحتلال ومَن جاء بهم تركوا روّاده/ وكلّ مبدعي العراق/ يتشتتون في بقاع المعمورة عاطلين وجائعين ومرضي. مات كثيرون جوعاً وسقماً واهمالاً، ولم يزل كثيرون منهم على فراش المرض ولا من أحد من دهاقنة العراق الجديد يمدّ لهم يد العون. وسيبقى سامي برغم عزلته الإبداعية كوكباً مضيئاً وعقلاً رائداً لا نظير له في مسيرة حياتنا الثقافية. وانْ غيُّب وخبا ظله فهو موجود تأريخاً ومستقبلاً وديمومة وعطاءً ورمزاً... دمعت عيناي وأنا أراه خارج خشبة المسرح، وعراني بكاءٌ. وكلّ الحكام والقادة والجلادين ينساهم الزمنُ والناس والذاكرة ويندرسون ما عدا رموز الثقافة، فهم في ضمائرنا وتراثنا وكتبنا. ويمحو كرُّ الزمان كل مخلوق مهما علا شأنه سوى المبدع في جبهات الثقافة. وسامي عبد الحميد أحد الذين شيّدوا مجد ثقافتنا المسرحية ولمّا يزل يتطلعُ الى فرصة يقول فيها ما لم يقله قبلاً. يا أستاذ الأجيال ابتسم رجاء وليس من ديدنك أن تخذلنا وتيأس......