بغداد: صدرت للشاعر العراقي علي حسين يونس، عن دار مخطوطات في هولندا، مجموعة شعرية جديدة تحمل عنوان ( بئر العالم )، وجاءت المجموعة في 83 صفحة من القطع المتوسط، وصمم الغلاف ناصر مؤنس، ووضع الشاعر مفتتحا لها كلمة مأثورة الشاعر والروائي الامريكي لبوكوفسكي يقول فيه ( الكتابة الحذرة هي كتابة ميتة)، وقد وجدها كما قال لـ (ايلاف) : (تشخص خلل الكتابة عندنا وتختصر طبيعة الكتابة المجتمعية الخالية من الصدق حيث يهيمن النفاق الثقافي والمحسوبية).
& وحفلت المجموعة بمقدمة بعنوان (دلالات المفردة الشعرية وإيماءاتها ) للناقد عبد الكريم كاظم، جاء فيها :يصوغ الشاعر نصوصه الشعرية الجديدة بمنتهى الرهافة حتى يبدو للقارئ وكأنه يصغي لأغنية فيروزية تفتح باب التأمل من جديد كقوله في هذا النص المعنون: (انطباع: يندر أن تمر الأحزان في طرقها المعرشة)، على أن رهافة النص لا تتخذ شكلاً لغوياً مألوفاً بل تتخذ شكل عرض لمقطع حياة متصل بالتجارب، تحكمه اشتغالات أو تأملات وهواجس الشاعر، هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن الشاعر أراد أن يعالج النص الشعري من خلال رؤيته الجمالية الخاصة ليس فقط ليعطي وصفاً لهذه التجربة الموازية للحياة، كما أسلفنا، بل ليصل إلى تأمل الحياة ـ التجربة ذاتها، وبهذا سنتلمس رهافة النص وسمات هذا المعنى الجمالي الذي انبثقت عنه التأملات أو الهواجس المتماهية مع فنية الكتابة الشعرية ومعانيها ودلالاتها، لنقرأ هذه الالتقاطات: (أيتها الكلفة، وجهك سيفنى فيما يتواصل قرع باب أملك) (اغماضة عين: طوت نهار حزننا) (وصلنا إلى الجدول لكننا وجدناه جافاً) (الصباح: يهجر التماعاته المنيرة).
واضاف : إن العبارات والجمل أو الشذرات التي تم توظيفها في كتابه الشعري (في بئر العالم) يراد بها التشديد على شيء أساسي، يتعلق بطبيعة التجربة المتصلة بالكتابة الشعرية، وقد يكون اختيار أو وضع عنوان هذا النص أو ذاك بـكلمة (قصيدة) أو (شذرة) له ارتباط بسياق التجربة نفسها، ولعل في ذلك أيضاً إشارة رمزية وجمالية إلى ما للمعنى المتصل بالعنوان من وظيفة لغوية موازية، إذن النص الذي يكتبه حسين يؤكد هذه السببية الموازية للرمز والمتماهية مع اللغة، ويمكننا القول أيضاً أن غياب عناوين النصوص أو وجودها له علاقة بالمعنى الذي يعيد للدلالة اشتراطاتها الفنية المكثفة والتي تحمل في الوقت نفسه عناصر تكوينها اللغوي أو الرمزي الموازي لتلك السببية المشار إليها سلفاً، لنتلمس البعض من هذه الإشارات: (حملت معولي وخرجت إلى العالم/ أردت أن أسهم بتحطيمه/ لكنه كان محطماً ولم يحتاج إلى معولي) (الآن لدي القليل من الوقت والقليل من المعارف ويكاد كيس غفراني أن يصل إلى الصفر) (كنت نائماً في فم المرارة وحلمك الذي يتخذ من البرق غصناً ينمو في اتجاهات متعاكسة).
&
حوار مع الشاعر عن مجموعته :
& وقد اكد الشاعر حسين علي يونس في حوار مع (ايلاف) لمعرفة مكنونات المجموعة الشعرية بعنوانها اللافت للانتباه وغلافها الواضح بجرأته، يهمه ان يكون في قلب العالم وليس في تخومه كما يفعل البعض حتى لو كان مكانه في حيز ضيق وغير مرئي في داخل القلب، مشيرا الى ان الكتابة الاشكالية وكتابة الضد التي تعتبر قمة التطرف فيما بعد الحداثة هي ما تستهويه.

* لماذا اخترت كلمة الشاعر الاميركي مفتتحا للمجموعة وهل تجد انك لم تكتب بحذر؟.
- في الحقيقة ان معظم الذين يمتهنون الكتابة عندنا بكل تفرعاتها يكتبون وفي وجدانهم مراعاة الضمير الجمعي النسبي وليس العام بمعنى ان (الحذر منهجهم) فهم محكومون ابدا بهويتهم الخاصة التي تتعارض مع هويات غيرهم، ثمة اطروحات يعتاشون عليها في كل زمان ويتماهون معها الى درجة العدمية ليس عن قناعة بالطبع لكن براغماتيتهم تجرهم الى تخومها، لهذا نحن بحاجة الى من يفكر بصوت مسموع وبتلقائية لمعرفة حقيقة مانفكر به ينبغي ان نتحدث عن كل الاشياء دون تعمية وانتقائية ، المصارحة تتطلب كشفا وتعرية من اجل وضع الحلول دون مجاملة او تمييز، يعني دون حذر، المهادنة تخلق سلوكا ملفقا مثلما تعرف وينبغي مهاجمته ودحره لأنه يعطل من مسيرتك، لهذا نحن في الحضيض وحقوق اهلنا مهدورة، من يفكر بحذر يضع مصلحته فوق الجميع، وهذا سلوك ضيق يحرك ويفيد المرء وحده عندما يكون من واجبك ان تتحدث عن المصلحة العامة في الحياة كما في الشعر او بقية الخطابات.

* لماذا فضلت ان تكون هناك مقدمة عن شعرك؟
- منذ فترة طلب الصديق الناقد عبد الكريم كاظم ان اجمع مابحوزتي من شذرات من اجل قراءاتها والكتابة عنها عندما اتممت ماكان يجب ان اتخلى عنه في كتاب وجدتني ادفعه اليه لقد كانت تلك رغبة متبادلة في القراءة بيننا.

* ما الذي تناولته النصوص؟ هل هم انساني عام ام همك الخاص؟.
- كل تجربة مرتبطة بهم انساني، التعارض سمة من سمات الانسان فماهو خاص يندرج فيما هو عام بالضرورة، الاشتباك قائم بين هذين النسقيين والتأرجح بينهما احد شروط الكتابة بشكل عام لأن حل التعارض يقتل الابداع ويصيبه في مقتل وضمور ولأن الانا لا يمكن ان تذوب مهما تسامت وانسجمت في محيطها ايضا لقد كتبت عن الموت - الزمن - الحرية -اليأس - الكآبة - فقدان الامل - هدر الحقوق - الشيخوخة -& الطفولة - الفقر - العلاقات الانسانية الخ، هذه مواضيع احب ان اخوض فيها وتستهويني.

&*ما الجديد فيها والمختلف عن مجاميعك السابقة؟
&- كل كتاب هو امتداد للتجربة التي سبقته، ربما توجد بعض المتغيرات لكنها ليست حادة ، بطبيعة الحال في بئر العالم ركزت على الوضوح والاختزال العدمي تقريبا مع الاحتفاظ برؤيتي للعالم مضبابا وملغزا من خلال الشعر، كنت اميل الى الفكرة والى البناء الذي يتجاهله معظم الذين يكتبون قصيدة النثر في الحقيقة هذه هي الميزة التي اعشقها في كل كتاباتي.

& * لماذا وضعت لها هذا العنوان؟ وما الذي تعنيه ببئر العالم؟
- وضعت هذا العنوان لأنه يناسب نظرتي الى العالم المرأة او رحم المرأة، لنكن اكثر دقة هي بئر العالم الفعلي، ولقد كان الفنان الشاعر ناصر مؤنس موفقا جدا في تصميمه لهذا الغلاف، في الواقع ان ناصر يفهمني جدا وهو قريب لطرق رؤيتي للحياة وللشعر ايضا وهذا مايجعلنا ثنائي غريب حسب قول البعض.\

&* غلاف المجموعة جريء من صممه ولماذا اردته ان يكون هكذا؟
- هذا السؤال بالطبع يمكن ان نقول انه امتداد للذي سبقه الصديق الشاعر ناصر مؤنس هو من صمم الغلاف بهذه الروحية، سبق لناصر ان صمم كتابي السابق (امل يمر) الذي صدر عن دار نشر مخطوطات، في الواقع تستهويني افكار ناصر وخياله الجامح، وقد اختير على اكثر من موقع على اعتباره من اكثر تصاميم الكتب العربية جرأة وهذا يعود لناصر طبعا ولخياله.

&*هل ثمة كسر لتابو الجنس مثلا في المجموعة وهو ما يشير اليه الغلاف؟
-العنوان لا يختصر المجموعة، لكنه يشير الى منهج في طرق الكتابة بصرف النظر عن التعارض والتنوع بين النصوص ثمة نصوص قليلة تعنى بقضية الجنس ثمة نقد لبنية القمع والتأسيس التجريدي للحياة.

&* اي اسلوب حداثوي استخدمت في النصوص؟وهل فيه ما يسمى ما بعد الحداثة؟
-الحداثة مشروع لم ينته كما يقول هبرماس، اؤمن بهذا من منطلق ماركسي بالطبع طالما اننا نحيا في عالم من سماته الحادة المعاصرة والتعارض، اميل الى تبني الشق الاول، يهمني ان اكون في قلب العالم وليس في تخومه كما يفعل البعض حتى لو كان مكاني في حيز ضيق وغير مرئي في داخل القلب، تستهويني الكتابة الاشكالية وكتابة الضد التي تعتبر قمة التطرف فيما بعد الحداثة رغم انني قلت قبل لحظات غير هذا!

*في المجموعة اشارات غامضة لادانة سلوكيات مثل النفاق لماذا؟
- النفاق والكذب والادعاء والتطبيل والتزمير لكل صاحب منصب يأتي ويذهب ينتشر بشكل مخيف بين المثقفين للاسف، منذ سنوات طويلة اعيش في وسط رديء اناني وسخيف وغبي الى درجة الكارثة ويميل الى تدمير الجمال في كل شيء، من الطبيعي ان يحضر في مجموعة شعرية تمس ماظننت انه الطيف.

&* ما اخر مشاريعك؟
- لدي مجموعة شعرية ربما ستصدر عن الجمل في نهاية السنة ورواية ستنشر في مكان ما ووايضا وضعت لمسات اخيرة على كتاب كبير اسميته (تقنيات الحياة والحماقة ).

من قصائد المجموعة:


(1)
&يندر ان تمر الاحزان
في طرقها المعرشة

(2)
كان لدي الكثير من الوقت والكثير من المعارف
لهذا كنت اغفر
الان لدي القليل من الوقت
والقليل من المعارف
ويكاد كيس غفراني ان يصل الى الصفر.


(3)
&وصلنا الى الجدول
لكننا وجدناه
جافا.


(4)
ايتها الكلفة
وجهك سيفنى
فيما يتواصل
قرع
باب املك.


(5)
احب قارة صمتك.


(6)
حملت معولي وخرجت الى العالم اردت ان اساهم بتحطيمه لكنه كان محطما ولم يحتاج الى ضربات معولي.
&