انهم يقتنصون الفرح، ولو استلوه من خرم الابرة. فذااليوم/ السادس من أيلول / لا يُمكنُ أن يمرّ الّا بالاحتفاء به. ففي / ياكوبس بيري / أطلّ يوم مشمسٌ دافيء، مكظوظ بصدح الموسيقي، والأكشاك / صغيرة وكبيرة/ تعرض كلّ ما يخطر وما لا يخطرُ بالبال. من العسل والشيكولات حتى الجوارب وازرار الملابس. كلّ ما يتعذرُ الحصولُ عليه موجود ومعروض فوق مساحات السنتر، والحديقة. تنضافُ اليها أكشاكُ الأحزاب السويدية تقوم بالدعاية ولفت الأنظار.وسيستمرُّ هذا المهرجان من الثامنة صبحاً حتى الخامسة مساءً.وأنا: تبضعتُ سطل بلاستك من العسل زنة: / ثلاثة كيلوات / وجوارب، وكيساً من الشيكولاتة. وكذا تبضّع صديقي: أبو غسّان. ذا انا من نافذة المطبخ ارى جموع الناس مُغادرين وقادمين. واسمعُ صوتَ الموسيقى ينهمر خللَ المساحات حتى يطولُ مكان جلوسي داخل الشقة. وقبل أن اترك المقهى واعود الى وجاري مررتُ على كلّ الأكشاك والفعاليات الرياضية: الأيكيدو والمصارعة والقفز فوق الحواجز، والرقص ترافقه دمدمة ُ الطبل والمزمار. كما أنّ ممرّات سوق السنتر اكتظتْ بفعاليات مبتكرة وبالموسيقى. وثمة نسوة ٌارتدين الازياء الفلكلورية القديمة،يقفنَ في الممرّات من دون حراك. والمرءُ يحتاجُ الى طاقة بدنية ومزاج رائق ليرى فعاليات ذا اليوم كلها. لم يبق شيء الّا وأشبعتُ منه فضولي. لكني لم استطع الوصول الى فرسين قزمتين كانتا في متناول الأطفال وحدَهم. بودّي لو الامسُهما واتقرى خصلات شعر الرقبة. ما زلتُ، وأنا وسط المهرجان، اتمرأى هذه البضاعة وتلك، بل يهرع البائع نحوي ليُغريني ويخفّضَ السعر. لكني لستُ في حاجة الى ما لا احتاجه. وأرى خللَ النافذة أناساً يعودون الى أوكارهم محمّلين بما اشتروا. وزرافات آتية من ذا الممر وذاك. فلن تنقطع وتيرة الحياة والحركة الّا أذا حنت الخامسة مساءً، فيجمع كلّ أحد بضاعته ويرمي بها الى جوف حافلته ويُغادرُ. وأفضلُ ما يتمرآه المرءُ لعب الأطفال، ففي كلّ زاوية خُصّصً مكانٌ لأحدى اللعب: سكة حديد دائرية وقطارُ. ملعبٌ صغير للكرة والمصارعة والقفز والرقص والغناء والقاء الخطب، واطعمة توزع مجاناً.وفرقٌ موسيقية من امريكا الجنوبية ومن افريقية. والعرب / نحنُ/ كانوا غائبين، وربّما يعتبر بعضُنا ذي الفعاليات جزءاً من المحرّمات. سحقاً لمَنْ لا يستجيبُ لما هو جميل مُفرحٌ. انّنا، العربَ،نُصبحُ ونُمسي في السياسة ونحترُبُ ويقتلُ بعضُنا بعضاً. وهم يتوافدون على المحبة وصنع الفرح وامتاع الآخر. نحنُ نلتحفُ بالمقدّسات فينحرُ أحدُنا الثاني في الاختلاف. وهم يجعلون منه سبباً لمزيد من الابداع والخير واحترام الرأي الآخر.معذرةً فقد ابتعدتُ عمّا ارومُ قوله. وارى قبالتي أرجوحة دائرية أشبهَ بصحن عملاق، تتكدّس فيه عائلة من الأبوين وطفليهما. تتأرجحُُ بهم صاعدة ونازالة، رائحة وغادية، تترامى اليّ كركراتُهم. أنه الفرحُ يلامسُهم، بل يصنعونه صنعاً. وثمة أناس من جبلتنا ينظرون الى فعاليات ذا اليوم على أنّها معصية وخروج على المُقدّس والمُعتقد. لذلك ينبغي لزوم البيت وعدم غشيان هذه الأمكنة. بينما الرابحُ والمستفيد مَنْ يُروّح القلب ساعة بعد ساعة؟ وكلما اروم الانتهاء من هذا الكلام يُباغتني ما يُكمله ويُضيفُ اليه معارف اخرى. بعد قليل يجيء دورُ فرق أخرى لم تزلْ في الانتظار. فلن تحظى أبداً بمناسبة أخرى كهذه وبجمهور كهؤلاء. لقد حفزّتُ زوجتي التي تعاني ألماً في حنجرتها وصدرها وركبتيهاعلى الخروج لمعايشة هذه الفعاليات ولو لوقت قصير. لم تخذلني، ارتدت ملابسها وتأبطت ساعدي ونزلنا صوب الزخم الكبير، فثمة أشياء لا تُمكنُ رؤيتُها كلّ يوم.
حين ارفعُ رأسي لاطلّ على الحديقة أرى طفلة ذات ثوب اصفر مستلقية داخل الصحن المُتحرّك وأمها مع طفلها الصغير يُراقبانها. وعلى مقربة منهم رقصٌ وموسيقى.وصخبٌ لذيذ لا يكاد ينتهي.
أيّة حياة تنبض في ذا اليوم. وأيّ اناس جاءوا من أقطار المدينة ليُلامسوا فعاليات مهرجانه؟ فيمضي النهارُ،وذاكرةُ الأمكنة لم تزل طريّة فيها بقايا نبض من فيض ما جرى. وان جاء يومٌ آخرُ أو اسابيع تالية فسيظلُ مذاقه يُتخم العيون والخواطر. فليست كلُّ أيام السنة كرنفالات ومسرّات استثنائية. بل لكلّ مناسبة ما يفرّدها بنكهة خاصة. أغلبُ الظنّ أن الناس، كباراً \وصغاراً، استمتعوا بساعات ذا النهار، وحققوا مآربهم وخباياهم المضمرة والظاهرة على حدّ سواء. كما ان افراد الفرق الموسيقية لن يجدوا فرصة اخرى قريبة ليبدوا مهارات ابداعهم. هي المناسباتُ تجمعُهم وتحققُ لهم نجاحات استثنائية.
سينام الجميعُ / مبدعون ومشاهدون ومستمعون / ليلتهم في راحة جسدية وعقلية. فقد ادّى كلّ احد منهم ما توجّب عليه اداؤه. فعاشوا نهاراً لا يتكرّرُ الا مرةً واحدة كلّ سنة....