بغداد: اهتمت دار الكتب والوثائق الوطنية العراقية بالموروث الثقافي العراقي المادي وغير المادي وعملت على حمايته من الضياع من خلال العديد من الانشطة والفعاليات والاجراءات، مشددة على ان عدم الإهتمام بالموروث الثقافي للبلد يؤدي الى حدوث قطع مع ذاكرته، حتى إذا ماضاع الموروث غدا البلد كأنّ لاذاكرة له !.
&
اكدت الكاتبة والصحفية أسماء محمد مصطفى مديرة مجلة الموروث الثقافية الالكترونية الصادرة عن دار الكتب والوثائق الوطنية اقامة دورتين خاصتين بمشروع التدريب العالي المستوى لحماية وتعزيز الموروث الثقافي المادي وغير المادي للعراق، والذي نفذته دار الكتب والوثائق الوطنية، مشيرة الى أهمية الموروث وسبل تعزيزه وحمايته لاسيما في ظل التحديات والظروف الاستثنائية التي يمر بها العراق والتي عرضت موروثه الى التخريب والدمار& الى جانب ماتعرض له خلال سنوات سابقة الى سرقة وتهريب وتخريب، وقالت اسماء في حوار مع (ايلاف) ان من الضروري الحفاظ على ثروة البلد الصورية من خلال الحفاظ على الصور الملتقطة لكل مايدخل ضمن الموروث كالمعالم الحضارية والشخصيات عبر مراحل زمنية مختلفة.

*كيف يمكن ان تعرفي الموروث؟
- أن الموروث الثقافي لأي بلد يعد تعبيرا جلياً عن هويته الوطنية والإنسانية في مراحل زمنية وتأريخية مختلفة، وهو يشمل الموروث المادي وغير المادي. والموروث الثقافي في تعريف موجز له هو كل ماتركه الأسلاف من معارف وآداب وفنون وعادات وتقاليد ومعتقدات وقيم، تعكس نشاطهم المعرفي وطريقة تفكيرهم، وظل متوارثا او متصلا جيلا بعد جيل، ومن ثم يبقى حيا في ضمائر وعقول كل شعب او جماعة بشرية.

* هل ثمة ما يتطلبه لكي يبقى حيا؟
- يتطلب مفهوم الموروث& لكي يكتمل ويصح لنطلق على شيء ما موروثاً أن يقترن بمفهوم نقله والحِفاظ عليه وإحيائه وحمايته والاستفادة منه.التواصل المطلوب من حاضرنا مع ماضينا، لإحيائه ونحن نسير به نحو المستقبل وبما يجعل مصطلح الموروث ينطبق عليه، يجعلنا نستحضر تعريفا بليغا موجزا للمستشرق الفرنسي جاك بيرك: (التراث هو الماضي يحاور الحاضر عن المستقبل) .

* ما الموروث الثقافي بنوعيه المادي وغير المادي؟
- الموروث الثقافي المادي هو تلك الموروثات ذات المضامين الثقافية الملموسة والمحفوظة ماديا في صيغة كتابة او رسوم او أشياء او مبان،& كالكتب والمخطوطات والوثائق واللوحات والرسوم الجدارية& والآثار والأزياء والصناعات الشعبية . أما الموروث الثقافي غير المادي فهو كل ثروة ثقافية منقولة تنتفي فيها صفة المادية، لكن يمكن أن تُحفظ في أوعية مادية، ويشمل:&&& الموروث الشفاهي الذي هو ماجرى تناقله شفاهيا& من جيل الى آخر، ويشمل الموروث الثقافي غير المادي أيضا اللغات واللهجات والحكايات الشعبية والأمثال والأهازيج، والغناء والموسيقى أيضا كالمقام العراقي و الجالغي البغدادي والموسيقى العسكرية والشعبية، وكذلك فن الرقص الشعبي كالدبكات& والعادات والتقاليد.

*ما مضامين وأهداف الإتفاقيات الدولية المعنية بحماية الموروث او التراث الثقافي العالمي؟
- منها اتفاقية لاهاي المتعلقة بحماية الملكية الثقافية في حالة النزاع المسلح ، وإتفاقية اليونسكو الخاصة بالوسائل التي تستخدم لحظر ومنع استيراد تصدير ونقل الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة، واتفاقية حماية التراث العالمي، الثقافي والطبيعي، وأخيرا إتفاقية صون وحماية الموروث الثقافي غير المادي.

* هل من الضروري اطلاع الناس؟
- للموروث من أهمية إنسانية واجتماعية، ولهذا فإن من المهم إطلاع الناس لاسيما الجيل الجديد على موروثات بلده، فكل شعب ينبغي له أن يطلع على حضارته وموروثاته لكي تتعزز روحه الوطنية والإنسانية وتتحفز قدرته الإبداعية من خلال معرفته بماخلفه له من سبقوه، والاستفادة من خبراتهم ومهاراتهم لاسيما في مجال الإبداع الادبي والفني والاستشهاد بالقيم السامية والنبيلة والسليمة التي كانت تسهم في جعل المجتمع او المجموعة البشرية في حالة صحية سليمة. الى جانب إن الإهتمام بالموروثات يسهم في تعزيز الحوار بين الثقافات واحترام الإنسان لنفسه وهويته وانتمائه الوطني وأسلافه وبلده.

* ما ضرورات الاهتمام بهذا الموروث الثقافي برأيك؟
& - عدم الإهتمام بالموروث الثقافي للبلد يؤدي الى حدوث قطع مع ذاكرته، حتى إذا ماضاع الموروث غدا البلد كأنّ لاذاكرة له، وهل يمكن للبلد والإنسان أن يستمر في الحاضر وصولا الى المستقبل بلا ذاكرة،حيث إن هناك موروثا ثقافيا يشمل البلد كله، فثمة موروثات خاصة بكل مكون من مكوناته ومن بينها الأقليات، وهذه بمجموعها تشكل وحدة واحدة، فإن الإهتمام بها ضروري لتعزيز اللحمة والروابط الإنسانية والوطنية والحوار المتبادل والاحترام وبما يحافظ على هويتها وخصوصيتها ولكن ضمن الهوية الإنسانية والثقافية والوطنية للبلد. ولاشك إننا ندرك ماهي الوسائل والأساليب التي يمكننا بها الحفاظ على موروثاتنا الثقافية من الضياع، إذا ما لاحظنا مالحق ببعضها من إهمال، الامر الذي يستدعي العمل على إنقاذها، كما هي الحال على سبيل المثال، مع البيوت التراثية او حتى خصوصية العمارة الموروثة في شوارع عريقة كشارع الرشيد الذي زحفت عليه العمارة الفوضوية التي بلا ملامح او هوية خاصة بها، كما زحفت عليه المظاهر التجارية والصناعية.

* ما الوسائل التي يمكن بها حمياة الموروث؟
- أهمية الموروث الثقافي تستوجب حمايته من الاندثار من خلال مجموعة من الوسائل والطرائق التي تحافظ على الموروثات من الحوادث كالغرق والسرقات والحرائق، ومن العوامل المناخية كالرطوبة، ومن تقادم الزمن، ومن الجهل أيضا والذي يؤدي الى إتلاف بعض الموروثات لعدم إدراك أهميتها وكذلك تجديد بعضها ولكن بأساليب لاتحفظ خصوصيتها وهويتها وتضيع عليها أهميتها التراثية.

* ما الوسائل والطرائق التي من شأنها الحفاظ على موروثات البلد؟
-حماية الكتب والمخطوطات والوثائق واللوحات والمنحوتات والمصنفات الثقافية الأخرى من العوامل التي ذكرناها آنفا وحفظها وصيانتها بما لايضيع هويتها،& وحماية الموروث الموسيقي والغنائي العراقي عبر الحفاظ على الأشرطة والتسجيلات الصوتية والفلمية التي تحتويها وكذلك نسخ أشرطة عنها ورقمنتها أيضا ، والحفاظ على البيوت التراثية من خلال شرائها من أصحابها بمبالغ تناسبهم لئلا يقومون بهدمها وإعادة بنائها وفقاً للعمارة المشوهة الآن او تحويلها الى محال تجارية او صناعية او مخازن، وتوثيق كل ماهو على وشك الاندثار، ومن خلال شخوصها ومزاوليها أنفسهم، كالتوسع في تجسيد بعض الموروثات الخاصة بالحرف الشعبية في منحوتات ولوحات تعرض في متحف يعنى بالموروث العراقي الى جانب المتحف البغدادي.ويمكن أيضا العناية بالأرشفة بموضوعة أهمية الموروث الثقافي وتربية النشء الجديد على ضرورة الحفاظ على ثروة البلد الصورية من خلال الحفاظ على الصور الملتقطة لكل مايدخل ضمن الموروث كالمعالم الحضارية والشخصيات عبر مراحل زمنية مختلفة.ولأن الإهتمام بالموروث الثقافي يتطلب توعية، فإن من المهم أن تعنى وزارة التربية في مناهجها الثقافية.

* ما دور دار الكتب والوثائق الوطنية في تعزيز الموروث الثقافي؟
&إتخذت الدار& بعض الإجراءات التي تصب في هذا الهدف، مؤكدة في نهجها على أهمية الحفظ التقليدي للمصنفات الثقافية والحفظ التكنولوجي الرقمي.ومن تلك الإجراءات:& تطوير الدار مختبر ترميم وصيانة الورق، المعني بحماية الوثائق والخرائط والكتب والصور من الأذى الناجم عن الحوادث والمناخ والزمن، من خلال زج العاملين فيه في دورات خارج العراق لتطوير قدراتهم ، وتجهيز المختبر بأحدث الأجهزة الخاصة بعمليات الصيانة والترميم. وقد قطع المختبر الذي يعد الأول من نوعه في العراق أشواطا كبيرة في ترميم ماتلف من الوثائق المتضررة بفعل تعرض دار الكتب والوثائق الى& أحداث السلب والحرق أبان العمليات العسكرية في العراق سنة 2003.وأنشأت الدار أيضا مختبر الأرشفة الصوتية الرقمية الذي يتولى حفظ الموروث الفني الموسيقي والغنائي من الضياع، وذلك من خلال أرشفته، ومستقبلا سيدخل ضمن العمل،& الأرشفة الفلمية أيضا.وقبل ذلك أصدرت في سنة 2008 مجلة الموروث الألكترونية، وتعنى بالموروث الحضاري والثقافي للعراق ، تطل على المهتمين من خلال موقع دار الكتب والوثائق الوطنية على شبكة الانترنت.وكذلك، عنيت الدار بموضوعة الرقمنة فاستحدثت تشكيلات تابعة الى قسم تكنولوجيا المعلومات، ترقمن الوثائق والدوريات القديمة، لتضعها في متناول الباحثين والمطالعين، ونعني بالشعب: المكتبة الرقمية والأرشيف الرقمي والدوريات الرقمية. والدار اليوم تشرف على تشييد مبنى المكتبة الرقمية التي ستقدم خدمات عالية المستوى في المجال المعلوماتي والرقمي.ومن إجراءات الدار متابعة الملفات المهمة في المؤسسات الرسمية ، والحصول عليها لحفظها وأرشفتها، والتوعية بقانون حفظ الوثائق وأهمية حمايتها من التلف.

* هل هناك انشطة معينة ترافق هذه الاجراءات؟
- هناك العديد من الأنشطة الثقافية التي تعكس مدى إهتمام الدار بالموروث العراقي، ومنها الاشتراك بالمؤتمرات الدولية التي تقيمها منظمة اليونسكو والدول المهتمة بهذا الجانب، وكذلك إقامة الدار دورات الأرشفة المكتبية والرقمية وفي مجال الترميم، والتوعية بأهمية الموروث وحفظه رقميا، ومنها هذه الدورة التي أقامتها الدار، وتضم الجانب الثقافي المعني بالموروث، والجانب الفني التكنولوجي، وضمن " مشروع التدريب العالي المستوى لحماية وتعزيز الموروث الثقافي المادي وغير المادي للعراق ".

&