&بغداد: حمل الرسام في دار ثقافة الاطفال عبد الرحيم ياسر حقيبته، التي عمرها اكثر من 44 عاما،بعد ان جمع فيها اوراقه وذكرياته ورسوماته، واطلق نظراته في الانحاء ومضى بخطوات هادئة على الممر الطويل الى خارج الدار، فالتفت ليلقي نظرة على وجهها ومن ثم مشى على طريق.. التقاعد !!!.
&
&& لم اصدق ان الفنان الكبير عبد الرحيم ياسر وصل الى عمر الـ 63 عاما، لكي يشهروا في وجهه بطاقة (التقاعد) ويتخلى عن دار ثقافة الاطفال التي وهبها اكثر من 44 عاما من الجهد والسعي والنجاح والعمل والالوان والرسم للصغار في اعمار مختلفة واللعب معهم على طريقته الخاصة التي طالما ابهجتهم، قلت: الله يساعد قلبه وهو يجد نفسه لا علاقة له بما صنعه وابتكره وابدعه واحاطه بالعناية والرعاية وقد نمت الاشياء من حوله وصارت جزء من جلده ودمه واصابعه وريشته وابتسامته فعاشت طفولتها وصباها وشبابها في كنفه.
&&&& اعتقد انه فوجيء بأن عمره صار 63 عاما واصبح يستحق الاحالة على التقاعد، ربما راح ينظر الى وجهه ويديه واصابعه ويتساءل هل شاخ فعلا، انه لم يصدق ان عمره صار 63 عاما ليجد نفسه (متقاعدا) ومنتميا لفريق المتقاعدين الذين يقضون نهاراتهم (يتشمسون) ويجترون الذكريات، وان كنت لا ارى ذلك في عبد الرحيم المبدع الذي سيكسر القواعد كلها ويعود الى الوراء اربعين عاما ليجد نفسه في (بحبوحة) الدار وهو يضع خطوطه والوانه ويسمع قهقهقات كائناته ومن الممكن ان استعير ما قالته عنه ايمان الوائلي:( لن تتقاعدُ أَحلامُ الأطفالِ الوردية.. وستبقى الطيّارات الورقية تحمل اجمل احلامنا لتنثرها في عنان السماء.. مثلهُ لايأفل نجمه ابداً)، واذن.. لابد من احتفالية على الورق للابتهاج بعودته الى طفولته الثانية.
&

عفاريت مشاكسة&
&& قال عنه زميله رسام الكاريكاتير خضير الحميري: الفنان عبد الرحيم ياسر حوّل الوظيفة الى أداة من أدواته التعبيرية،وموقع لتنشيط التواصل والجدل الثقافي الذي لايجاريه فيه أحد، رغم انها أكلت (بالتأكيد) من جرف التفرغ الابداعي الذي يطمح اليه كل فنان، وربما كنا نحن رسامي الكاريكاتير الخاسر الأكبر من إرتباط عبد الرحيم الوظيفي، فقد ظل مشروعنا في تنشيط عمل الجمعية العراقية للكاريكاتير معطلا بسبب انشغال كبير الكاريكاتيريين العراقيين بألف مشروع ومشروع ليس من بينها ما يخص جمعيتنا الفتية..
&واضاف:أشعر بالسعادة ان حجة عبد الرحيم الأزلية قد سقطت بالتقاعد (وليس بالتقادم) وآن الأوان لعمل جدي (يفرك) مصباحنا السحري ويطلق عفاريته المشاكسة. (مصباح علاء الدين السحري هو شعار الجمعية العراقية للكاريكاتير).

الخلاص من الرتابة اﻻدارية
اما الكاتبة مها البياتي فقد قالت عنه: الى من لم تلده أمي..ولم يحمل اسم ابي..الى صديق العمر اﻻخ الفنان المبدع عبد الرحيم ياسر..، اعترف..قلتها لك يوما ستعترف..أخيرا جعلوك تعترف...!! حملوا اليك ورقة تقول..أذهب لتسترح..أشرب فنجان قهوتك الصباحي وأنت تردد مع فيروز...شايف البحر شو كبير...!، جاءوا يحملون اليك الحقيقة التي تشير اليها أرقام هوية.. تعريفية..!!
واضافت: اتصور ضحكتك وأنت تقرأ اﻵمر اﻻداري..واعرف أي سخرية سخرت منهم..وادرك ان الما دفينا وخز قلبك لحظتها وأنت تجول بنظرك عبر نافذة غرفتك في مجلتي والمزمار..تاريخك هنا..،سنين الشباب التي رحلت..اﻻصدقاء..اﻻلوان..وضحكات اﻻطفال..ولوحات الرسم التي تملأ اروقة الدار..وكرسيك الذي تعودك وتعودته..
وتابعت: ياصديقي..ابارك لك التقاعد اﻻداري..! وأنا على يقين ان ابداعا اخر سيولد من جديد وأنت في هدوئك..بعيدا عن رتابة العمل..ﻻنك فنان يتعشقك اﻻبداع..وتتخمر بذاتك كل ألوان قوس قزح الحياة..وريشتك سترقص فوق الورق بحرية..متناهية..لتنطلق حيث اﻻمل واﻻنسان..، ستبقى ابدا اسما فنيا ﻻمعا..ساهم في تقديم أجمل الرسوم للاطفال..والصور الكاريكاتيرية للصحافة العراقية..منافسا ومتفوقا على العديد من الرسامين العرب واﻻجانب..لك مني التهاني للخلاص من الرتابة اﻻدارية..وفي انتظار ابداع ما بعد التقاعد...!

&نقاوة وصفاء وذوق
اما زميله حميد علي موسى فقال عنه: هذاالمبدع الذي انحدر من اعماق مدينة غماس في محافظة الديوانية، وتطبع في وفائه وخصاله من جدلية عشق القصب والبردي لطين اهوار مدينته الغامرة في عمق التاريخ التي كانت امتداداً لمقتربات((نفر)) مدينة الحضارة والاشعاع الفكري.. فترجم بحق عند مجيئه الى عاصمة السلام كل طيبة اهلنا في الريف وشهامة ونبل اهلنا الكرام..قدم الكثير في مسيرته الفنية.. وحصد الكثير من الجوائز والالقاب كان اخرها اختياره العام الماضي كاحد افضل عشرة مبدعي فناني العالم في رسوم الكاريكاتير& الذين يشار الى اعمالهم... بالبنان، وحقيقة لمن عرفه فقد رفض في تلك المسيرة كل المغريات والعناوين وبقي متمسكاً بعنوانه الازلي الفني، الرسام والفنان وصديق اللون وورق الرسم والفرشاة التي ليس في الدنيا اجمل منها نقاوة وصفاء وذوق.
واضاف: كان بحق مهمازاً لجميع الذين عملوا الى جانبه وبمعيته مهما كانت ضغوط العمل الوظيفي الرتيب الذي لايرحم ولايسلم احد فيه من شتائم ونقمة وحسد وخبث بعض المتقاعسين والكسالى والناقمين من الافضل ولم تتسرب الى نفسه وقلبه الطفولي نوازع الحقد الاعمى بالرغم من الهنات والطعنات وظلم اخوة يوسف... ترتسم البسمة على وجهة بالرغم من اي ظرف يمر به، وتطبع بكل تصرفاته بسجايا الرحمة التي استمدها من احد اسماء الجلالة الذي اختاره اهله الطيبون اسماً له.. وما خاب ظنهم به وانه اغترف شمائله وخصاله من نبعه واصله الحسيني العلوي الشريف ومن طيبة اهله الكرام ومن دفء عائلته الصغيرة التي تربت في كنفه... فكان العطف والحنان ومودة الاخرين من (عواطف) رفيقة مسيرته الشخصية والفنية وقديساً يشبه في سلوكه ابناء (مريم) ومن مبدئية (حيدر) في رفضه لكل ماهو صواب ومؤمناً بالمثل العليا والثبات عليها مثل (ياسر) في بداية عصر الرسالة، وبقدر ماكانت هذه كلها صفاته وسجاياه الا انه كان ثائراً متمرداً متحدياً في ثورته ماكان يدور حوله برسوماته ولوحاته ومعارضه الفنية المختلفة.

هل يتقاعدُ عِطْرُ النسرين؟
&اما الشاعر جليل خزعل، فلم يجد الا ان يبوح بالشعر لزميل عمره الذي تحدث عنه بمقدمة نثرية اولا، حيث قال (انه الفنّان العالمي الكبير عبد الرحيم ياسر، أحد أشهر رسّامي الأَطفال في العراق والوطن العربي، وأحد أَفضل رسامي الكاريكاتير في العالم، لمناسبة بلوغه سن التقاعد، ومغادرته دار ثقافة الأطفال بعد أن أمضى فيها 44عاماً من الإبداع والتألق).
&ومن ثم قرأ قصيدته:
ولدٌ رسّامٌ من "غمّاس"
كان صَغيراً يَلعبُ بالطِّين
كَبرُ الولدُ الفنّان
صارَ أميراً للأَلوان
جاءَ إلى بغدادَ
ولمّا يَبلغُ بَعْدُ العِشرين
اليومَ يفاجئنا
ويَقولُ: كَفى
الآن تَجاوَزْتُ السِّتين
***
واعجباه!!!
هل تتقاعدُ أَحلامُ الأطفالِ الوردية؟
و"الطيّارات الورقيّة"؟
هل تتقاعدُ نجماتُ الفرحِ الفضّية
والأقمارُ الذهبية
هل يتقاعدُ عصفورٌ مسرور
وفراشاتُ النور؟
هل تتقاعدُ فرشاةُ الرَّسمِ
ورائحةُ الحِبر؟
هل يتقاعدُ عِطْرُ النسرين؟
يا لخسارتنا !!!!
كيف تَسَرَّبَتِ السَّنواتُ إذن؟
و تَرَكْنا قمراً مَهموماً يَعتزلُ
ويقولُ: كفى
اليومَ تجاوَزْتُ الستين

& عبد الرحيم ياسر، يعد من ابرز رسامي رسوم الاطفال والكاريكاتير، من مواليد محافظة الديوانية عام 1951،حصل على شهادة الدبلوم من معهد الفنون الجميلة/ بغداد عام 1975 وحصل على شهادة البكالوريوس من كلية الفنون الجميلة بغداد / فرع الرسم عام 1980, مارس الرسم في الدوريات منذ عام 1970 وعمل رساماً للاطفال في مجلة (مجلتي) و(المزمار) 1971, كما عمل رساماً في المؤسسة العامة للاذاعة والتلفزيون / قسم برامج الاطفال 1980-1990, شارك في رسوم الاطفال ورسوم الكاريكاتير والغرافيك الصحفي لعدد من الدوريات داخل وخارج العراق بينها مجلتا (المتفرج) و(الف باء) وصحيفتا (الجمهورية) و(النهضة) في العراق ودار الآداب في لبنان ودار المنهل في الأردن ورسم العديد من الكتب الموجهة إلى الطفل داخل وخارج العراق.نال عدة جوائز عالمية جعلته يحتل تصنيف واحد من أفضل عشرة فنانين في العالم في المعرض الكوني بينالي فينسيا عام 2013.
&