بغداد: أصدر الروائي العراقي زيد الشهيد رواية جديدة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر& تحمل عنوان ( تراجيديا مدينة)، وضمت الرواية التي جاءت بـ300 صفحة من القطع المتوسط ثلاثة فصول.
& تحكي الرواية سيرة مدينة (السماوة) التي تنام في اقصى الجنوب الغربي العراقي، هذه المدينة التي مرت بقطار الاحداث حاملة شخوصاً اندفعوا في غمار غيمة الاقدار فآلت مصائرهم الى نهايات كان لابد من تدوينها وسط حقبة زمنية تستحق التأرخة وإلا صارت من عداد الورق القابل للمحو، كما يؤكد الكاتب، فالفصل الاول عن ( ناصر الجبلاوي وعين الكاميرا )، والفصل الثاني عن ( السينما.. سحر الصورة وتأجيج المخيلة) اما الفصل الثالث فجاء عن ( يوسف والمدينة الرماد ).
&&& لم يكتب لها مقدمة ولا اهداء، ولكنه افتتحها بكلمات للشاعر والخطاط محمد سعيد الصكار هي: ( حبري أسود.. فلا تطلبوا مني أن ارسم& قوس قزح )،وهو ما يجعله يؤكد ما ذهب اليه في العنوان من كلمة (تراجيديا) وصورة الغلاف التي كانت بالاسود والابيض وهو يبني متون روايته بأحداث مرت خمسون سنة، وهو يستل من بين احداث المدينة حكايات لابطال حقيقيين، ويقرأ في احوال الرماد المنثور في فضاءاتها، ويحاول ان يستخرج زهو نفسه من بينها، وليس ادل على ذلك ما جاء في هذا المقطع من الرواية (ظل يوسف معطوبَ الذهن، متذبذباً؛ يرى الناس هياكل من رماد تمشي وتجلس، تأكل رماداً وتنام على رماد.. ظل مُطوَّقاً بجملةِ ذكريات بعضها يغرق في الزهو وبعض آخر حالما تنزل إلى ميدان الذاكرة يتسلل اليها لون الرماد: وقوفه وجها لوجه أمام شميران) زهو(ليلة اقتحام الحرس القومي غرفته في القسم الداخلي) رماد (شوقه لزيارة مكتبة مكنزي ومتابعته عناوين الكتب (زهو)، ارتياح الدكتور الوردي له وحديثه عن مشاريعه القادمة (زهو)، الانصعاق لمشاهدة أبيه مقتولاً بشناعة) رماد (ضجر عبد العزيز القصاب وشكواه من تذبذب ناس المدينة) رماد (فصول ابن خلدون في نظرته للعرب) رماد (التعذيب في التوقيف وإجباره على الاعتراف بقتل أبيه) رماد (غياب بائعة القيمر الشابة) رماد (سماع اعتراف قاتل أبيه وموته) رماد (مخبَّل والله مخبَّل // عايف دينه ورايح لستالين) رماد..) !.

حوار مع الروائي زيد الشهيد:
&& وأكد الروائي زيد الشهيد في حوار مع (ايلاف) حول روايته ان مغزى الرواية& أنَّ السياسة في مجتمعات أقرب الى البداوة هي ضرب من البغض المتبادل، مشيرا الى انه استخدم كلمة (تراجيديا ) لان الرواية تحكي جملة الاحداث التي طبعت وجودها على زمان المدينة، فهي كأي مدينة لابد ان تكون حاضنة لأحداث مرت وأزمنة تحكي سنوات القهر.

* اي مدينة هذه التي أخذت منك الوقت لتوصيفها؟
- تشكّل مدينة السماوة فضاءً كليّاً تدور فيه الاحداث وتتحرك شخصيات الرواية على أديمه لكنها تنتقل الى بغداد وشارع الرشيد في خمسينات القرن العشرين، ايام كان الرشيد شارعاً سحرياً بانوراميا بكل معنى الكلمة حيث تضم محلاته وواجهاته كل ما جاءت به الحضارة، ومثَّل فضاءً انسانياً كانت فيه مختلف الجنسيات العالمية التي استوعبها هذا الفضاء لمهارات اصحابها وتفضيل العيش في بغداد يوم كانت بغداد ترحب بما يبعثه الغرب من صناعات متمثلة بفروع الشركات العالمية.

* تراجيديا مدينة؟ لماذا التراجيديا؟
- انها تحكي جملة الاحداث التي طبعت وجودها على زمان المدينة، فهي كأي مدينة لابد ان تكون حاضنة لأحداث مرت وأزمنة تحكي سنوات القهر، ذلك ان السماوة كمدينة تتكينن نموذجاً لمدن العراق في ازمنة سحيقة يمحقها العسف والجور والألم، ومن هنا رميت بأحداث مأساوية كانت سائدة لعله الثأر المقيت كعرف بدوي وعشائري، ثم التناحر السياسي ومحاولة محو حزب لحزب آخر، وتخطيط الآخر للانتقام ممن انتقم منه يوماً، وهكذا من المتوالية التي لا تنتهي طالماً يرتفع الغل في لافتة قابيل وهابيل السرمدية.

* ما الحكاية التي تنسجها للحديث عن هذه المدينة؟
-انها حكاية جريمة تتم فجر احد ايام صيف العام 1964، الضحية فيها رجل ميسور ويتهم فيها ولده الشاب، تحاول السلطات لصق التهمة به تخلصاً منه لان سجله فيه نضال سابق تحتويه ملفات امن سلطة الحرس القومي وصارت بيد أمن سلطة عارف، ولأن المتهم عرف عنه الثقافة والالتزام يرفض مجتمع المدينة تصديق الاتهام، ولأن المتهم بريء ويدرك توجه السلطة لاتهامه وتلبيسه الجريمة أفرج عنه خشية ردة الفعل التي ستدين القضاء وتتهمه بالعجز في اكتشاف القاتل الحقيقي.. عبر هذه الجريمة ومحاولة توجيهها لشخص بريء ومن ثم طمسها والخروج بحصيلة اغلاق ملفها وتقييده ضد مجهول تتجلى أحدى تراجيديات هذه المدينة.

* هل تؤرخ لأحداثها ام لأمكنتها ام لشخوصها؟ ام للكل معا؟
- وأنت تتحدث عن مدينة لابد للتاريخ من بصمات، ولابد لأدواته من وجود.. وهذا ما قدمته الرواية فأوجدت مصوراً فوتوغرافياً سيتولى تصوير كل شيء داخل فضاء المدينة، والتصوير يغني عن كثير من الصفحات المكتوبة، لذلك كان بطل هذه الرواية الرئيسي المصور ناصر الجبلاوي، وهو شخصية استللتها من الواقع السماوي، رجل يملك استوديو وله يرجع تأرخة المدينة بأماكنها وشخوصها وأحداثها، وما تقدمه المدينة من صور لها يعود معظمه لعدسة كاميرته.. تتوجه العدسة لتأرخة الأحداث، وما أكثرها، فتجري متوالية الأحداث على مكان شكلت السماوة أديماً له، وكادت شخوص الرواية جميعها ان تكون واقعية، استللتها من واقع السماوة في حقبة ستينات القرن الماضي وتنامي وعيها من الاربعينات والخمسينات.

* هل تجد ان الرواية لها مزايا في تسجيل الاحداث افضل من كتابة تاريخ المدينة؟
-يؤاخذ على التاريخ انه يذكر الاحداث بأعوامها وأسبابها وشخوصها تجريدياً، أما الرواية فيلعب الخيال مقروناً بالتحليل والتوصيف في جعل العمل المقروء مؤثراً وفاعلاً في ذاكرة المتلقي، وهذا ينسحب في غوره وقراره على سلوكية الفرد مجتمعياً. أي أن للرواية فعلها الكبير في تهيئة الافكار للثورة على العادات ( المتوارثة التي لا تتناسب وحركة المجتمع& ) وإحداث التغيير على عكس الكتاب التاريخي الذي يتقدم اليك محايداً كمتلقي.

* من هم أبطالك.. هل هم حقيقيون ام من نسج الخيال؟
- الرواية جمعت العديد من الابطال الحقيقيين الذين كانوا يعيشون في بيئة البيتي برجوازية.. فلا قصور ولا قلاع، لا حدائق ولا فنارات.. انهم يحيون في ازقة وبيوت تقليدية لا تتجاوز الطابق الواحد أما مشاعرهم فلا تتعدى طموحات فردية بسيطة عملت السينما التي انشئت في السماوة عام 1948على اكثر من شخص حاولوا تقليد ابطال بعض الافلام ( كطرزان، وستيف ريفز، وافلام الويسترن ) فما انجب لهم الخيال والتقليد سوى الانفصام، فخاب املهم وهم يعيشون في واقع يمارس معهم القمع الذاتي والاجتماعي.

* من ثلاثة فصول، ما الذي يفصل بينهما وما الذي يجمع؟
- لقد جعلت الرواية بثلاثة فصول وبعناوين، الفصل الاول ( ناصر الجبلاوي وعين الكاميرا )، والفصل الثاني ( السينما.. سحر الصورة وتأجيج المخيلة) اما الفصل الثالث فجاء& ( يوسف والمدينة الرماد ). لم استعر مقولات تعزز فكرة كل فصل كما عملت في امكثر من رواية لي، فقط جعلت العناوين الثلاثة توجه القارىء لفحوى السرد القادم.. وبالانتهاء من قراءة الفصول الثلاثة وفك شفراتها يخرج هذا القارىء بمدلولات بؤس مدننا العراقية وهي تعاني من استعمار دام لقرون، وحتى عندما تحقق الاستقلال سقطت هذه المدن في بئر النزاع الحزبي.

* لماذا ليس في الرواية إهداء؟
-& لا اعتد على كتابة الاهداء لكني وضعت مدخلاً وجدته يتناسب ومتن الرواية& ذلك المدخل اخذته من الشاعر والخطاط محمد سعيد الصكار يقول ( حبري أسود فلا تطلبوا مني أن ارسم& قوس قزح.) وهي اشارة رمادية لتقديم حالة مجتمع لا شفاء لأمراضه ولا تقليل حتى لعلله.

* ما الذي اردت ان تقوله من خلال الرواية؟
- مغزى الرواية& أنَّ السياسة في مجتمعات أقرب الى البداوة هي ضرب من البغض المتبادل ، حيث يبقى الفرد مهما حاول التظاهر بالثقافة والمعرفة& أسير تربيته المتوارثة والتي ليس بمقدور أحد بسبب العديد من المعوقات على تغييرها والتفكير بمسك صولجان التحول والسير مع الامم المتحضرة ؛ تلك الأمم التي تحيا اليوم على ايقاع حاضر جميل لا يشغلها غير السعادة والتفكير& بمستقبل تريده أكثر جمالاً وازدهاراً لأحفادها.
&