هكذا، خصّص هواجسه، لإعادة تأهيل الليل، حرصا منه
على ألا تبقى إرثا لأحد. ولحسن الحظ، فليس سوى القصيدة
من يستطيع فعل ذلك. كان يدرك أن العالم مليء
بالكلمات، وبالملل أيضا.
لم تكن الكتابة بمنأى عن امرأة تلبس ثياب الحداد،
عن ضريح مقفر (لا يبعد سوى خمس دقائق سيرا على الأقدام)
عن سنبلة تحتضر، على نحو يجعل الجميع منكّسي الرؤوس.
لم يعد يتذكر جيدا كيف كانت تعاشره الكتابة، كان يدين
للموتى فحسب، الموتى الذين يغمرون خلاياه بالهذيان.

هذا ما تصورته ؛ حين كانوا يتركون ما يشبه هياكلا
عظمية على بعض نصوص لم تكتمل، وأنا أعتاش
بخبز الفقد اليابس.
ما إنْ ينطفئ الليل، حتى أصرخ بهم،
أدعو نسلهم الأول،
ابتساماتهم& المكفّنة بالألم ، وسوء الطالع،
آخر تلويحاتهم، وهي تزيدني إيمانا بالقضاء والكدر،
دعواتهم البيضاء التي طالما كانوا يغسلون بها الدنس
العالق في أرضية القلب.
لا شكوك، بأن أبي، أول سطر في ذلك السرد الجنائزي.
إنه الموت، يروي قصصا رائعة، يضحك بفضاضة،&
ذو وجه رمادي، يمسّد لحيته، وهو يرمق الأمهات
بنظرة فاسدة، نظرة، نقضي القسم الأكبر من العمر
محبوسين في تابوتها.
إنه الموت ( أعرفه جيدا)
بثوبه الأسود الذي يلمع بشكل احتفالي
كقاتل مأجور يجلس على عقبيه وراء البنايات،
خلف مقعد رثّ، في صالة البيت،
في خبز الباعة الجائلين،
تحت إطار العربات.
لا يكلّ من تكرار اللعبة
فيما نحن نتهاوى بانتظام.