بغداد : صدر للشاعر العراقي عبود الجابري مجموعة شعرية جديدة& تحمل عنوان (فكرة اليد الواحدة)عن دار فضاءات للنشر في عمّان، تقع المجموعة في 220 صفحة من القطع المتوسط، ووضع تصميم الغلاف الفنان العراقي صدام الجميلي.
ضمت المجموعة بين غلافيها سبعة وثلاثين نصّاً شعريا ،ما بين قصيرة وطويلة ،مختلفة الاغراض والفضاءات والانتباهات ورسمات محاطة بالدهشة لانها ترسم صورا اذا ما تأملها القاريء سيرسم ابتسامة اعجاب على شفتيه ، فالشاعر يبذل جهدا في ان يكون نصه معبرا ومدهشا بفكرته غير المطروقة وبكلماته التي تنسج حروفها لتبدو امام القاريء انيقة وحركتها تثير اعجابه لا سيما ان الشاعر لم يقف طويلا امام وجعه الشخصي بقدر ما كان يتأوه للوجع الانساني الذي يرسم مفرداته وتصوراته بصور شعرية مؤثرة ، أي انه بقدر ما يحاول البوح بهمومه الذاتية وتجاربه الحياتية فأنه ذهب ليلامس ويحتضن هموما انسانية ويتطلع الى ان يرسم بصوره الشعرية افكارا يمنحها متعة في القراءة .

وجاء في الغلاف الاخير :
(لم افكر كثيرا بالسؤال
لكني شرعت بتغيير قلبي
ليبدو اصغر حين تضعينه في جيبك
غيرت شكل بكائي
لأبدو أنيق الدمع
وأحظى بغفران مناديلك
حتى ذلك النهر الشاسع
الذي يدعى عمرا ).

&وسبق للشاعر الجابري ان نشر ثلاث مجموعات شعرية هي (فهرس الأخطاء /2007)، (يتوكأ على عماه/ 2009) و(متحف النوم 212).
واذ لم يكن عنوان المجموعة مأخوذ من احد النصوص الا انه موجود ضمن فكرة احد النصوص (لست واحدا من هؤلاء ..انا جميعهم) الذي يتضمن عدة مقاطع :
(اشبك يدا بيد
في محاولة للوصول
الى فكرة اليد الواحدة
حين اكون عاطلا
عن العناق ...)
&يفتتح الشاعر مجموعته بنص مثير يشير الى عمق الفكرة التي اراد ان يعلنها بصوت عال ، فكرة انسانية عامة او تمتلك خصوصيتها في الوضع العراقي الراهن ، وسواء كان يخاطب رجلا ام امرأة ، حيث النظر والفكرة قائمتان لكنهما غير واضحتين للرائي لذلك يندد الشاعر بالاقتتال وبالنتيجة التي يضعها الناظرون من ان القتيلين لم يحسنا قراءة وجه الله على صفحة الماء .
(كلانا نسبُح في نهٍر واحد
وحين نقتتُل
فإَّن العابرين لنُ يميِّزوا
لوَن دمَك من دمي٬
سيقولون فحسب:
إَّن ماَء النهر أحمر.
&وان هناك قتيلين
لم يحسنا قراءة وجه الله
على صفحة الماء)
في اغلب نصوص المجموعة تشعر ان الشاعر لا يبذل جهدا في تحرير نصوصه بل كانه يقرأها بارتجال لتهبط كلماته على الورقة ، فالسلاسة التي تمتلكها النصوص تمتلك ايقاعها الهاديء في تصوير الاشياء فلا تتلكأ الكلمات ولا تتثاقل الحروف في انسيابها ، فيما هي ترسم صورا شعرية مختلفة تلفت الانتباه اليها وتعلن الاعجاب بها :
( لا تثق كثيرا
بالعنوان المكتوب
على مدخل الشارع
تمتع بغبرتك
مثل ساعي البريد الاعمى
وافرك عينيك قليلا
لعلك ترى بابا يبتسم
لتعرف انك قد وصلت).

انه يتجول في ارجاء الاشياء ويتوقف عند الكثير من التفاصيل اليومية التي يعيشها فيحاول ان يمنحها ضوء حياتيا يعزز من وجود المشاعر الانسانية التي يجعلها تتدفق بقدر من الاهمية ، يذهب الى معاينة اشياء كثيرة ويصوغ توهجها بما عليه الحالة او ما لديه منها من علاقة او ارتباط ،فالشاعر يتماهى معها الى ان يصل الى جوهرها لتكون محاطة بالدهشة ، وقد استطاع ان يهتم بالتكثيف وقد تمكن من اللغة التي تتميز بيد تقنيته الى شعرية صادقة وواضحة ، فلا ارتباك ولا نكوص ولا اضافات مقصودة او مفردات متكررة مملة ، بل انه يستفز القاريء بلغته او مفردته او صورته الشعرية وهو يدعو للتأمل وقد اعطى للفكرة اجنحة لتحلق في خيال القاريء :

- (لست حفيدك أيها الحزن
فثمة خطأ في شجرة العائلة
أحاول إصلاحه
بقليل من الفرح)
- (لا أخطاءَ نحتفي بها هذا المساء
أنتِ صامتةٌ
وأنا
لارغبة لديّ في الكلام
نتطلّع الى النافذة
كمن يبحث عن ضوء
في أذيال الستائر ..)

كما ان هناك الكثير من الانثيالات التي يرسمها بشتى السبل فتتهيأ المفردات لتكون هادئة وبسيطة ومعبرة وجماليات تؤكد الفكرة الجميلة التي اراد طرحها الشاعر وهي تستغرق القاريء لشيء من التأمل ومن ثم يجعله يتحول الى ذاكرته لتتسابق الحكايات في داخلها ربما او بعض الومضات التي تمر عليه ولا يدركها او لا يتوقف عندها كأنه يصر على التذكير بوقائع حياتية عشناها وغمرتها امواج التناسي :
(كلّما فتحت قلبي القديمَ
ضحكت من رداءة الخطّ
وركاكة العبارة
اصفرار الورق
واللون الباهت للكتابة
صرتُ اكتب عليه
بارتعاش اكثر وضوحا
فيبيّضّ كثيرا
ليتسنّى لضعاف البصر
قراءته) .
&في قراءة المجموعة بتأن تزدحم الصور الشعرية الجميلة التي يعيد قراءتها القاريء لاستكمال متعة بدأها بقراءته الاولى التي تمنحه شغفا، او ربما لكي تكتمل عنده الصورة بعد ركزت القراءة الاولى اطارا عشوائيا، ويحلو لي ان اختم عرض المجموعة هذه بهذا المقطع (العبودي) الجميل :
(المشقة
&لا تبعد كثيرا
عن شفتيك الذابلتين
فهي تمتحن فكرتين خائبتين
حين يشح الماء:
البياض الذي يتقشر منهما
وعطش اسمي
عندما يتكسر العشب اليابس
وانت تنادين :يا (عبّود).