قلة من الحركات في تاريح الفن معروفة كالانطباعية، وبالكاد يمر اسبوع دون ان يستأثر مونيه ومعاصروه بالعناوين الرئيسية لسبب أو آخر، وتُباع اللوحات الانطباعية بأسعار فلكية في المزادات، وتشكل المعارض الانطباعية دعامة للمتاحف بوصفها طريقة مضمونة لاستدراج الزوار. &

وحتى من لديهم اهتمام عابر بالفن الحديث سمعوا بقصة معرض 1874 سيئ الصيت عندما نظمت مجموعة من الفنانين الفرنسيين ما اصبح معروفا بأنه أول معرض انطباعي يُقام خارج الصالون الرسمي.

ويأتي معرض "اختراع الانطباعية" الجديد في الغاليري الوطني في لندن ليلقي نظرة بارعة جديدة على موضوع معروف حتى انه بات مستهلكا. &وقال الناقد ريتشارد دورمنت بعد افتتاح المعرض انه أهم معرض انطباعي في بريطانيا منذ عشرين عاما.

ويروي المعرض الزاخر بروائع للفنانين مونيه وبيكاسو وديغا ورينوار وسيسلي ومانيه قصة التاجر الفني الفرنسي بعيد النظر بول دوران رول (1831 ـ 1922). &ويُقدر ان أكثر من 12 الف لوحة انطباعية مرت على يد دوران رول خلال حياته المديدة في تجارة الفن.

ولم يكن دوران رول من اخترع الانطباعية. &فان هذا كان انجاز الفنانين أنفسهم. ولكنه اكتشف الحركة ولفت انتباه الجميع اليها. &بكلمات أخرى انه كان مسؤولا عن اعطاء الانطباعية اسمها وترويجها. &ولولا دوران رول لما كانت الحركة تلك المدرسة الشعبية العظيمة التي نعرفها اليوم.&

كان ذوق دوران رول محافظا على نحو يدعو الى الاستغراب نظرا لميله الى المغامرة في الاقبال على كل ما هو طليعي. &وإذ كان ابن تاجر فني ناجح فانه نشأ فرنسيا برجوازيا تقليديا. &ونقلت بي بي سي عن كريستوفر ريوبيل احد منظمي المعرض في الغاليري الوطني قوله ان دوران رول "كان ملكيا وكاثوليكيا للغاية ، وكان يعتز بمبادئه الاخلاقية".

وكان المعرض زار باريس وسينتقل الى متحف فيلادلفيا للفنون هذا الصيف.

وبعد ان سار دوران رول على خطى والده اهتم في البداية بالجيل الذي سبق الانطباعيين من امثال ديلاكروا وكوربيه وكورو وميليه وروسو. &واحتضن الانطباعية في عام 1870 عندما كان يعيش منفيا في لندن خلال الحرب الفرنسية ـ البروسية.

وقدمه الرسام الفرنسي دوبيني الى مونيه وبيسارو اللذين كانا منفيين ، فهام فورا بعملهم واشترى العديد من لوحاتهما بينها بانوراما لحديقة غرين بارك في لندن رسمها مونيه ومنظر لضاحية سيدينهام بفرشاة بيسارو الذي كتب لاحقا "لولاه لمتنا جوعا في لندن".

وبعد عودته الى باريس في عام 1872 عثر على لوحتين لادور مانيه بينهما حياة جامدة مذهلة اسمها السالمون (1869) في مشغل فنان آخر. &وابتاع اللوحتين مدفوعا بنزوة بالاضافة الى 21 صورة اخرى رآها عندما زار مشغل مانيه لاحقا في ذلك الشهر. &وفي تلك النوبة من الشراء وحدها أنفق دوران رول 35 الف فرانك على لوحات مانية ، في خطوة كانت عام 1872 مغامرة جريئة محفوفة بالمخاطر. &وفي الحقيقة ان انفاقه الباذخ في تلك السنوات الأولى حين لم يكن للانطباعية سوق يُذكر كاد أن يدفعه الى الافلاس. &ولكنه كان واثقا بأن مقامرته ستكون رابحة في النهاية.

وبمرور الوقت كانت ثقته في محلها بفضل استراتيجيات مختلفة ابتكرها لإيجاد سوق للانطباعية. &إذ كان دوران رول العقل المدبر وراء المعرض الانطباعي الثاني عام 1876 في صالونه هو حيث حرص على الالتزام بالمعايير الحرفية. &وافتتح لاحقا سلسلة من المعارض الفردية لفنانين انطباعيين أسهمت في لفت الانتباه اليهم بصورة جادة.

وكان دوران رول يسمح للزوار الفضوليين بدخول شقته الأنيقة المزينة بالأعمال الفنية، والتي كانت بمثابة معرض غير رسمي. &وأقنع اميركيين اثرياء بالشروع في شراء لوحات انطباعية. &وقال "ان الاميركيين لا ينتقدون بل يشترون".

ويقول ريوبيل من الغاليري الوطني في لندن انه "نتيجة لذلك أصبحت مجموعة من الفنانين المذمومين واحدة من أوسع الحركات الفنية شعبية في العالم. &ولم يحدث هذا من دون مراواغات وكان من اكبر المراوغين دوران رول".

ولعل ضربته الأكبر جاءت في السنوات الأخيرة من حياته. &ففي عام 1905 اقام في غاليري غرافتون في لندن معرضا ضخما للانطباعية ضم 315 عملا فنيا بينها 196 عملا من مجموعته الخاصة.

وبمشاركة العديد من اللوحات الكبيرة مثل بورتريه ايفا غونزاليز للفنان مانيه (1870) ولوحة رينوار "مأدبة حفلة الزورق" (1880 ـ 1881) وُصف المعرض بأنه أكبر معرض اقامته الحركة الانطباعية. &ورغم عزوف مقتني لندن الكسولين عن المعرض (سُجل بيع 13 لوحة فقط كان مقتنوها كلهم تقريبا من الأجانب) فانه ترك أثرا دائما في الموقف من الحركة.

ويقول ريوبيل ان دوران رول كان شيخا وقتذاك وقرر ان يصدر اعلانا أخيرا عما حققه هو كتابة تاريخ الانطباعية حتى ذلك الوقت. &وعموما فان "قصة الانطباعية التي ما زلنا نصدقها اليوم هي القصة التي روتها تلك الجدران في ذلك المعرض الظافر عام 1905. &وبالمعنى الحقيقي للكلمة فان دوران رول هو حقا من "اخترع" الانطباعية".