&ملاحظة: هنا قصيدتان كان الشاعر العراقي الراحل مؤيد الرواي قد خصهما، قبل وفاته بأيام، للنشر في إيلاف.

الثلج

هذه المرة، يغلقُ الثلجُ الطرقَ، ونواياهُ سريّة ٌ
مع اللحم والعظام،&يودع الجثث زحافات للعصور القادمة.
منذ أشهر ستة، يعدّها بصبرٍ،
يطرقُ الأبوابَ ويسامرُ الضيوفَ الغرباءْ. وعندما تتلصُص عليهِ
من الثقبِ أو تكشف سرّهُ يتجهمُ ويثأرُ ـ
يُثقلُ السقفَ وبيدهِ يصنعُ
من حديد السمنتِ مقصلة شفرتها بيضاء
يغطيها بندفِ الثلج: فِراشٌ كغيمة المريض الهاذي
يتخبطُ وينحدرُ
من قاعٍ إلى قاع.

الغيمةُ المتكئةُ على الخوفِ تولّدُ الغيمة، والخوفُ
ينحدرُ بأغطيةٍ كمعاطف جنودٍ يرسلون إلى الحربْ
الغيمة المتخيًلةُ قطيعاً من الأعداء ِ
مدججين بأسلحة القرن القادم

ضيفٌ يثقل السطوحَ، يدق عليها ـ مطرقة بيدٍ متقنة الصنعة ـ
ويريدُ أن يحتفلَ... مرةً كل مئة عام
بدمٍ يلطخ الثلجَ ويغمس فيهِ الذل

غير عابئ بمن مات
سجن... مقبرة... صحراء قطبية
عمّالُ السماءِ مجدونَ بدهان الحقول ِ
يعبّدونَ القيعانَ بالرخام الأبيض،
هذهِ السنة يظلُ يهطل، يستمرُّ في إيقاعه

ليس للثلج ِ شهودٌ،
سوفَ لا يكون هناكَ شهود
ومن يأخذه الثلجُ لا يعرفُ عن شهود موته.
ربما هو الشاهد الوحيد
ثمً ينمحي معه
المشهد
ليبدأ
صباحٌ يتشكل
&
&&&&& ......

في النهاية سوفَ لا يكون هناك شهود (بداية قصيدة لرويموند كين)
عندما يموت الإنسان، لا يعرف عن شهود موتهِ.


حالة

الثلجُ هنا
يغلقُ علينا المنافذ،
والصقيعُ هناك
&يحجبُ ما رأيناهُ من زمان.
&تخطو أقدامنا، كما في الحلمِ، فلا نرحلْ،
نراهُما ـ نلمسُ الثلجَ والصقيعَ ـ فنحسُّ& في العظام رجفةً.
في الدرج الصغيرِ، في الجمجمةِ، بلادٌ مقرورةٌ،
وأمامَ الدارِ فخاخٌ منصوبة ٌ
كلما نمُسّها نودِّع مكاناً، تذوي فيه ملائكةٌ صغيرة.
نُسْجَنُ في البيتِ القديم،
وفي البيت الجديد بوّاباتٌ من الحديد،
وما تخيلناهُ مَصعدا إلى صومعةِ العواصفِ
مُجَرَّد حجرةٍ ضيقةٍ من حجر.
يبقى المكانُ خالياً، هنا وهناكَ،
نودّهُ، والقلب مرتبكُ النبضِ، ساحةَ معركةٍ للجنودِ
والطوائفُ فيها تتقاتلْ.

في رحلةٍ أتتْ إلى النهاية
نستمرئ الحالة، من اليأسِ، ونراقب،
معقودةٌ آمالنا بما سيأتي.&
خراباً نريدهُ،
جمرةً تبقى في الرمادِ تحرقُ القلبَ وتُعَلّمهُ النبض.
دعوةٌ&هيَ لأن ندَّخرَ أسلحة ً&
يراها من يصاحبنا أو يقاتلنا، يحملُ فأساً،
تحيط بهِ الأشباحُ
ونرى، نحنُ، في الملاذِ ترفعاً
وفي العداوةِ الخلاص.

أن تشتعلَ الأماكنُ وتتوهّجُ نيرانُها
دعوة& لذوبان الجليد:
نداءُ الحربِ،
حالة ٌ تجمعنا وتنبذنا، توحدنا وتفتتنا،
معركة ٌ ذخيرتنا العداوة.
واحدٌ في الكثرةِ يعضّهُ الجمعُ،
مفردٌ يوجهُ نيرانهُ ضدّ الجميع.
ساحةُ نزاع ٍ مع من يقفُ أمامكَ؛
أنتَ في المرآةِ تتشظى
وتمتد بك النارُ إلى المدنِ والى الغاباتِ والمسافات،
تختصرُها ثُمَّ& تطفئ بها
بُعدَ الأماكن.

أماكنٌ جثثٌ والمواقعُ حفلة نواحٍ،
ندورُ بها ونلطمُ.
نعدُّ الضحايا هنا، ونرحلُ من الغربةِ إلى هناك،
يُغلفنا هذا البردُ من زمان ٍ
تاركاً على هامتنا الثلجَ
وفي أحشائنا الصقيع.

توأمانِ يتناوبانِ المسيرةَ
يوصلانِ فصولَ العمرِ ببعضها
ويُعَبِّئانِ الموتَ في الرأسِ بمجرفةٍ،
مثل مسبحةٍ من البَرَدِ يَطقّها زَمَنٌ عجوز.

ثلجُنا
وصقيعنا
مدفونٌ في قلوبٍ عاطلةٍ، نُوَرَّدُ لها المضخّات.
بيوتنا مستشفياتٌ والأطباءُ خَدَمُ العداوةِ،
يأتونَ بمبضع ٍ يتبعهم دفّانٌ مريب.
سماءٌ واحدةٌ، سماؤنا الرماديّة، تمتدُّ مكفهرَّة ً
تتوعدُ بأن تطلقَ علينا الضواري،
جائعةً وفي أنيابها مِزقٌ من الأشلاءِ:
بقايا جثماننا
وأحلامنا
وكلّ ما بنيناهُ من وهم ٍعلى الرمال.

ندورُ، بوقتنا القصير، بأسماءٍ ووجوهٍ&مستعارة،
مذعورينَ في المتاهة،
لا يتعرف أحدنا على الآخر،
هادئين مرة ً بالخدرِ، مبتهجين في الأخرى، صاخبينَ بالوهمِ
يأخذنا زبَدُ البحر في تيّارٍ عميق.

نتخيَّلُ عهوداً
وضعنا الشمسَ بها في آنية الفجر ِ
ثمَّ& اُطفأت بمياه الآخرين
ليحلَّ الليلُ،
عربة أحلام تقودنا
والحوذيٌ يتبعُ العلامات

ليلنا حروبٌ وقيادةُ حروب؛
غرفةُ عملياتٍ توسِّعُ لنا ضيقَ المكان.
بَنّاءٌ هو الليلُ
وقد أقصى النهار،
عدَّتهُ الوهمُ وأحجارهُ نجومٌ
يبني بها بيتكَ وبيتي، سحابةً من الغبطةِ،
وأنتَ نائمٌ في السرير،
تتغافلُ عن الثلجِ
وعنِ الصقيع
تتدَفأ بالجمرةِ التي تحرقُ عينيك.

برلين / أيلول 2003