&...&والجنس غريزة فشل أبطالي في تعاطيها

&
تسعى رواية "سحرة الضفاف" للروائي السوداني مهند رجب الدابي إلى تقديم تجليات مختلفة لصراع العلاقات الاجتماعية والتقاليد والعادات داخل المجتمع السوداني، وأن يتم تضفيرها ونسجها بأسلوب سردي فائق التميز والجمال، فعلى الرغم من طول الرواية ـ 239 صفحة ـ من القطع المتوسط إلا أن سردها المشوق وجرأتها على تناول المهمش والمسكوت عنه وثراء شخصياتها سواء النسائية أو الذكورية ولغتها البسيطة، جعل من قراءتها أمرا ممتعا جماليا وموضوعيا.
لقد استطاعت شخصيات الدابي أن تكشف الصراع المجتمعي داخل طبقاته وبيئاته ونماذجه المختلفة، وأن تعري شخصياته النسائية والذكورية والخلال الذي يضربها نتيجة قمع العادات والتقاليد، حتى ليفاجأنا بنهايات مأساوية تشكل إدانة للمجتمع وما يرزح تحت وطأته من قمع.
والدابي حازت قصته القصيرة "ظِل" علي الجائزة الأولي في مسابقة الطيب صالح للشباب 2015، وصدرت له مجموعة قصصيه وله تحت الطبع رواية بعنوان " ملوك الهمج ". وفي هذا الحوار معه نتعرف نلقي الضوء على الرواية التي صدرت أخيرا عن دار أوراق ورؤيته للعالم الذي قدمته.&
&
& &&
** تفتح روايتك "سحرة الضفاف" باب المجتمع السوداني على مصراعيه لتفضح كثير من الخلل في العلاقات الاجتماعية خاصة تلك التي تتمحور حول المرأة في جرأة كبيرة ألم تخش ردود فعل المجتمع السوداني؟
** بالطبع، كانت ردود الأفعال تتوارد في لحظات الكتابة، لكن يجب الطرق علي المسكوت عنه، يجب التنقيب حول وتناوله، فالتابوهات لم تعد بنفس هيبتها السابقة، كما لم يعد النسيج الإجتماعي بنفس القُدرة علي التصدي، فالرقيب الكتابي أحياناً مخيف ومرعب لكن يجب علي المجتمع تقبل الفكرة، والتمعن من أهمية الأدب في مناقشة القضايا الاجتماعية.
&
** قدمت شخصيات نسائية قوية لكنها ضائعة وذكورية ضعيفة وأججت صراع الشك والخيانة والخديعة، لكن النهايات كانت مروعة سواء مريم أو منال أو سارة أو محمود حسين.. إلخ هل قصدت إلى هذه الرؤية؟
** حاولت كسر الصورة النمطية للبطل، ومحاولة طرح مفاهيم جديدة للتحدي والثورة، الشخوص في الرواية كانت تقود نفسها بنفسها إلي النهايات، الصراع الأزلي بين النقائض كان يلقي بظلاله علي الشخوص التي تتحول هي أيضاً إلي نقائض لكنها لا تدرك ذلك، تبدأ الرواية وتنتهي في فكرة تدول حول المعرفة " أتعلم يا فتاي إنّ أشد ما يفتك بالإنسان هو المعرفة"، فمريم تتغلب علي الحياة بتوسع سقفها الإدراكي والمعرفي، كما تتطور شخصية منال بعد معرفة من نوع آخر لتتغلب منال علي منال، كما يُقتل محمود حسين وهو يبحث عن بعض المعرفة، بالتأكيد لم أقصد رؤي معينة ولكن الشخصيات كان لها رؤاها وطرائقها في الحياة والموت واللعنات.
&
** الجنس لاعب مهم في الرواية لكن الهزائم توالدت عليه ما الرسالة التي أردت إيصالها وما مفهومك له؟
** الواقعية الجنسية في الرواية تدور حول فكرة "الخلل الجنسي" وهي ما قدمته عبر التناول السَوي والشاذ للشخوص، إذ لا يمكن تفادي التطرق للتابوه والذي يشكل شخصية رئيسية محمود حسين ويلعب دوراً مهماً في كشف أغوار منال، ويطهد بشكل عجائبي شخصية مريم، إنها غريزة أساسية فشل أبطال العمل في التعاطي معها بالشكل المُرضي، وقد واجهت العديد من الإنتقادات، ولكن تظل أحد ركائز الرواية التي لولاها "لبطلت صلاة الرواية".
&
** لماذا اخترت أن تضع عناوين كفواصل ولم تضع أرقاما مثلا خاصة أن هذه العناوين كانت كاشفة أكثر مما يجب؟
** يمكن أن تقول أنها توطئة، ومحاولة لرسم صورة انطباعية قبيل الشروع في القراءة، وأيضا كمستشرق نصي، وقد مكنتني هذا الطريقة من تقديم بعض العناوين الجميلة مثل "مجد الكاتب يبدأ بموته" و "أبشع الأحلام هي تلك التي نري فيها أنفسنا عاجزين" وهي ليست كاشفة أكثر مما يجب في بعض الأحيان، بل تجعل التشويق سمة أساسية في الرواية.
&
** هل تلقي باللائمة على التقاليد والعادات المجتمعية في مصير شخصيات الرواية؟
** ليس بقدر ما القي اللائمة علي المعرفة ذاتها، فهي السبب وراء كل الأحداث، تركيبة المجتمع الباحثة عن أسرار ما وراء الأبواب، البحث المعرفي دون التجربة الحياتية الموازية كما حدث مع محمود حسين، التقاليد التي لا تفيد ويكمن ضعفها في دعم المفسدين كما هي الحال مع سارة، المعرفة السطحية، الموروث المتوارث من عادات لا يمكن النظر إليها إلا من منظور واحد، لكل تلك الأسباب وغيرها..
&
** أيضا هل قصدت أن تختار شخصياتك من فئات وطبقات اجتماعية مختلفة لتزيد من اتساع الملمح الاجتماعي؟
** قصدت التوغل بشقيه اللغوي والطقوسي، إذ أن ما أطرحه عبر كتباتي وأعمالي أتمني أن يناقش البُعد الإنساني والكوني للحياة، ومن واقعية مجردة إنطلقت "من لا يوحيّ" او "سَحَرةْ الضّفاف"، فالتنوع الثقافي والمكاني للشخصيات كان ملمحاً مصغراً للسودان، وبعض الدول الآخري، أختيار البعد النفسي للشخوص كان أمراً عسيراً تطلب الكثير من العمل والبحث والداراسة لتخرج تلك الشخصيات بذلك البعد المُلغز.
&
** كيف ترى للمشهد الابداعي السوداني في الداخل وما أبرز ملامحه؟
** مُعاق، بكل ما تحمله الكلمة من معني، لا يزال السودان يواجه مستقبل معسير ومُعاق، كما قال "محمود حسين"، الثورة السَردية في السودان تقابلها تحديات كبيرة تقف في مقدمتها تحديات النشر، وتحديات التوزيع، وتحديات الرقيب الذي لا يزال ينظر للأعمال من جانب (أخلاقي) و (سياسي)، ولأن الأدب ليس له سقف أخلاقي أو سياسي أو حتي جمالي معين، الآن الكاتب السوداني أصبح يلجأ للهجرة أملاً في نشر وتقديم مشروعه الكتابي، وفي تقديري أن المشهدي الابداعي في السودان قد يتأثر كثيراً بتجارب السودانيون الناضجة بالخارج، حتي عراب الرواية "الطيب صالح" ما كان له بتقديم أعمال خالدة وناجحة لو أصطدم بالتحديات التي تقف الآن في وجه الكثيرين، ولكن تلك السياسات دائماً ما تحور تجربة الكاتب الأدبية لتشوبها روائح السياسة، فظهر بعض الكتاب بمظهر عدائي للسلطة، كما ظهر الكاتب الموالي للسلطة أيضاً واعتقد تلك الظواهر ستطهد الكاتب الحقيقي وتغمره بوحل التجربة لن تترك له ملامح.
&
** وماذا عن سقف الحرية في التعبير وهل هناك صناعة نشر في السودان وكيف هي؟
** يوجد سقف محدود لحرية التعبير، وصناعة النشر ليست بالإحترافية التي يطلبها الكتاب، فبعض دور النشر السودانية تقوم بطباعة منتوجها في مصر أو الصين، وبهذه الطريقة يرتفع سعر الكُتيب ليصل إلي مبلغ ربما قد لا يستطيع القارئ شراءه، لذلك نجد أن إستنساخ الكتب ونسخها بطرق رخيصة آدي إلي ضعف صناعة النشر في السودان، حيث لا توجد طبعات شعبية تُلبي حوجة القارئ النهم، وقد ظهرت تلك المشاكل بصورة جلية خلال معرض الخرطوم الدولي للكتاب والذي خيب أمل الكثيرين ، حيث أحجمت كُبريات دور النشر علي المشاركة فيه أولاً لأرتفاع سعر صرف الدولار وبالتالي أرتفاع أسعار الكتب التي سيحجم عنها القراء وثانياً لعدم القدرة علي المنافسة فسعر بعض الروايات قد يصل إلي 200 جنيه وتوجد علي المفارش بالأسواق بسعر 30 جنيه، وبالتالي بعض دور النشر السودانية قدمت نسخ شعبية دون إذن الجهات المفوضة، وأيضاً لا ننسي أزمة الترجمة وتقديم الأعمال السودانية للخارج، لذلك نجد بعض الفوضي والضعف في صناعة النشر.
&
** "ظل" قصتك الفائزة بالمركز الأول في جائزة الطيب صالح .. ماذا بعدها؟
** أستعد لتدشين مجموعة "ظل" القصصية، ولتدشينها تزامناً مع معرض القاهرة للكتاب في يناير المقبل، كما أضع اللمسات النهائية علي رواية جديدة بعنوان "السرايا الصخرية" وهي عمل يكشف بعض الغموض عن تاريخ السودان المجهول والمُبعد عمداً، وتدور الحكاية عن السير البريطاني (هنري سولومون ويلكم) في سراياه الصخرية، التي شَهدت كل يمكننا أن نطلق عليه "بشع" وغير إنساني، وهي رواية تضيء تلك الحقبة من الداخل، وتجربة تصطحب معها العديد من الحكايا والتجارب الوجودية والأفكار.
&