أجرى الحوار محمد الحمامصي/&ترجمة الشاعر سليم العبدلي: ولد الروائي والمسرحي الدنماركي "ستي دال أيه" عام 1952 في كوبنهاجن، ويعد اليوم واحدا من أكثر الكتاب الدنماركيين إنتاجا بالدنماركية ومن أكثر من ترجمت أعمالهم إلى لغات أخرى، وهذا يشمل رواياته وأعماله المسرحية، والتي نشرت وعرضت في اكثر من 26 بلدا. له 55 عملا ما بين الرواية والشعر والمسرح. وأعماله المترجمة عبرت البلدان الأوروبية لتصل إلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي - أمريكا، وتمتد إلى الشرق الأوسط، مثل تركيا وباكستان لتصل إلى الصين واليابان.
في رواياته الأربع الأخيرة، تناول الكاتب شخصيات تاريخية مهمة، مثل كاتب الحكايات العالمي هانس كريستيان أندرسن، والفيلسوف الوجودي كيركاغارد، والعالمة الفيزيائية الحائزة مرتين على جائزة نوبل في العلوم مدام كوري، والعسكري الالماني كلاوس فون ستاوفينبيرغ، الذي حاول الانقلاب على هتلر في عام 1944، وهنا مزج الكاتب الأجواء والحقائق التاريخية مع خيال الراوي ليعرض لنا معاناة وخيبات وانتصارات هذه الشخصيات كما وأنه عرفهم شخصيا، بل استطاع أن يتغلغل في عوالمهم النفسية والحسية، فظهرت رواياته وكأنها سيرة ذاتية روائية من نوع جديد، كتبت بقلم كاتب لم يلتقهم.
قبل هذه الروايات أمتع الكاتب "ستي دال أيه" قراءه بمسلسل من خمس روايات، تدور أحداثه في نيويورك، حول الحادي عشر من سبتمبر، وبطلها محامي مثالي لا يهتم بالمال، بل يدافع عن العدالة، وفي إحدى هذه الروايات يدافع فيها عن عربي- أميركي متهم بجريمة قتل تحت ظل الحالة العامة في ذلك الوقت اتجاه العرب والمسلمين في الغرب، وبسبب ذلك يقع هو، المحامي، تحت شبهات الأمن وشكوكهم حوله كعدو للمجتمع. هذه السلسلة من الروايات الخمس "جسر إلى العالم" تعطي صورة متكاملة من وجهة نظر الكاتب للعالم اليوم ولقيمه ومثله وسيكولوجيته، وللتناقضات والتناحرات الاجتماعية التي يمر بها شخوص الرواية في مدن مثل كوبنهاجن، نيويورك، ڤيينا، لندن، القدس وبغداد، مطعمة بحكايات قديمة من أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا. أراد الكاتب فيها أن تكون مرآة يعكس منها حالة الحاضر. وكما هو في رواياته نجده مثابرا في النقاش العام في الصحف والندوات، يدافع عن القضايا الاجتماعية، وهذا ما عكسه فيلمه الاخير "الظلام والمغفرة" المصَوّر في الأرض المحتلة، وفيه يعري دون تردد الظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون تحت الحكم الاسرائيلي. وقد تعرض شخصيا للكثير من الانتقاد السلبي بسبب هذا الفيلم.
ولد الكاتب في مدينة السينور، في الدنمارك، تلك المدينة التي كتب فيها شكسبير رواية "هاملت"، والتي تبعد 40 كم عن العاصمة كوبنهاجن. وبعد إتمامه التعليم المدرسي تطوع ستي دال أيه كبحار في كتيبة دنماركية ليتمكن من أن يزور ويطلع على أحوال العديد من البلدان والثقافات القريبة والبعيدة، ولكنه سرعان ما ترك البحر ودخل الجامعة ليدرس الأدب المقارن، وأكمل تعليمه حتى نال تعليمه العالي في أطروحته عن "الأدب النسوي في الدنمارك منذ العصور الوسطى وحتى العصر الحديث". وفي عام 1980 أصدر "ستي دال أيه" أول مجموعة قصصية له بعنوان "اتحاد التخريب"، عقبها بعد عام بعمل مسرحي "مساء في هامبورغ". بعد ذلك اكتشف نفسه في الكتابة أكثر من العمل الأكاديمي الذي تركه وتفرغ للكتابة منذها. نال هذا الكاتب العديد من الجوائز التقديرية في الدنمارك وخارجه، ومنذ عشر سنين حصل على منحة الدولة المالية للتفرغ للكتابة مدى الحياة.
معه كان لنا هذا الحوار:

** ماذا تعني إصداراتك الأولى في كتاباتك اللاحقة؟
** إن الاصدارات الأولى تركزت حول اهتمامي بالتطور النفسي للطفل من خلال العديد من التقلبات والتناقضات الحياتية التي يمر بها مع أولياء الأمور، ومع العالم لاحقا من خلال فضوله للمعرفة وللاكتشاف. هذا استمر لدي، وتجده واضحا في رواياتي الأخيرة والتي تتمحور حول شخصيات تاريخية، حيث ومن خلال هذه الشخصيات نستطيع أن نفهم مدى قدرتهم على مواجهة الخوف الداخلي والعقبات التي يضعها المجتمع في طريقهم وفي طريق تحقيق أحلامهم، وكيف يتسنى لهم تحقيق هده الأحلام والأفكار المبدعة. ومن الروايات الأولى "مساء في هامبورغ" تناولت فيها وقفة هايلبرغ في الدنمارك أمام السلطات الملكية ومطالبته بحرية الرأي والديمقراطية للمواطنين في القرن التاسع عشر، متحديا كل العواقب، التي أدت إلى أبعاده عن بلده. كذلك في كل رواياتي التي تناولت الشخصيات التاريخية، كان لكل شخصية حلم، لم تثنهم العرف الاجتماعية والسياسية عن الوصول إليه، وبذا يمثلون جميعا إلهاما لنا ورمزا لكل من لم يمتلك شجاعتهم في تحقيق أحلامهم. ولذا تستطيع القول أن بداياتي رسمت إلى حد كبير طريق الكتابة عندي، ولا زالت رواياتي تتمحور حول البطل وتضحياته من اجل العدالة الاجتماعية والمثل العليا.

** رواياتك الأربع الأخيرة تناولت شخصيات تأريخية، مثل اندرسن، مدام كوري وكيركاغارد. هل لك أن تكشف لنا ما هو مستمد من الحقائق التاريخية وما هو مستمد من خيال الكاتب؟
** ككاتب أستلهم الحكاية الكبيرة في التفاصيل الصغيرة، وأستلهم التفاصيل في حكاية العمر الطويلة. فلو تحدثنا عن رواية "رحلة في الأزرق" والتي تناولت فيها الكاتب الكبير اندرسن، نجدها تتحدث عن رحلة هذا الكاتب من الفقر إلى الشهرة، حيث ولد في عائلة فقيرة وكان والده إسكافيا فقيرا، وحتى أصبح كاتبا عالميا مشهورا. تلك الرحلة التي كلفته الكثير من المصاعب والعناء، وحتمت عليه في فترات عديدة الإنزواء واللجوء إلى الوحدة، كذلك& كيف واجه غربته في طبقات المجتمع التي وصل إليها بعد شهرته. إنني في هذه الرواية عريت المجتمع الذي عاش فيه اندرسن، المجتمع الدنماركي والأوروبي في القرن التاسع عشر وانقساماته الطبقية التي خلقت كل الحواجز التي كان على اندرسن أن يتجاوزها لكي يحقق حلم الشاعر في ذاته. كان نجاحه في بلدان كبيرة، أكبر وأهم من الدنمارك مثل انجلترا وألمانيا وفرنسا بطاقة للدخول الى مجتمعه الدنماركي والحصول على الاعتراف به. تم له ذلك من خلال استلهامه من رحلاته الى البلدان الأخرى، فهو يعد من أول الشعراء الأوروبيون الذين زاروا القسطنطينية "اسطنبول الان"، وكتب حكايات خالدة عن المجتمع الاسلامي-الشرقي في تلك المدينة، الأمر الذي حاز على إعجاب وانتقاد الكثيرين من معاصريه. وهنا عرضت كيف تسنى له كشاعر أن يعكس من خلال حكايات رحلاته حالة مجتمعه المليئة بالأحكام المسبقة والتعالي، وفي نفس الوقت كيف استطاع أن يوسع أفقه وأفق القارئ لتفهم العالم الخارجي. وفي هذه الرواية، وكما هو الحال في الروايات الاخرى، أعرت الكثير من الأهمية للحقائق التاريخية، ولكني لم أبخل بمخيلتي ككاتب بأن أجعل هذه الشخصيات تحيا من جديد وأن أضفي عليها بعد الحس الذاتي الذي لا تجده في النبذ الشخصية. في النهاية إنها رواية، وكما وصفها الأديب زولا: إن الرواية ليست إلا زاوية من الطبيعة شاهدها الكاتب، ويقدمها لنا بعد أن يصبغها ويفسرها كما يشاهدها هو. نعم، هناك الكثير من خيالي تجده في هذه الروايات، مثلا عندما وضعت اندرسن على فراش الموت وتحت تأثير المسكنات الطبية أطلقت العنان للسانه، لكي يحدثنا عن ماضيه وعن رحلته الحياتية وجعلته يعيش بعضا من حكاياته الخيالية وكأنه هو البطل فيها، وبالذات حكايته الرائعة "الظل"، قصها كما وأننا نعيشها معه الآن، وكيف كان ظله يزوره شخصيا. وهكذا احتفلت في الرواية بقدرة اندرسن الشعرية في خلق شخوصه الروائية والتي هي أكبر من الحقيقة ذاتها.

** لا بد وأن هناك ما هو أكثر من الشخصيات التاريخية نفسها، وإلا ما حدى بهذه الروايات أن تتمحور حول هذه الشخصيات. هل لك أن تطلعنا عن ذلك؟
** تشكل الشخصيات التاريخية مدخلا للحقبات التاريخية التي عاشت فيها، وهذه الحقبات يمكن لها أن تكون مدخلا لهذه الشخصيات أيضا. على سبيل المثال حقبة الحرب العالمية الأولى، فترة ما يسمى ببيل اوبوك أو ما يدعى بالحقبة الجميلة في فرنسا، فترة الرومانسية خلال القرن التاسع عشر عندما وضع حجر الأساس للدول الأوروبية كما نعرفها اليوم بعد الثورة الفرنسية…الخ، كل هذه& الحقبات مهمة في التاريخ الأوروبي، وفي التاريخ العالمي أيضا، لأننا لا يمكن أن نكون بمعزل عن العالم، وفيها يمكن كشف الحياة اليومية، والسياسية، من خلال هذه الشخصيات المهمة. في روايتيّ "يومان ويحل الكريسماس" و"يوميات ديفيد" على سبيل المثال، أسلط الضوء على الفترة النازية والحرب العالمية الثانية من خلال العلاقة بين الضابط النازي والصبي ديفيد، لنرى صورة الاضطهاد العنصري الذي مارسته النازية في أوربا وقتها، وأتابع التطور النفسي الذي يمر به هذا الضابط من خلال علاقته بالصبي وكيف ينتقل من مؤازر للنازية ومؤمن بأيديولوجيتها إلى ذلك المتمرد الذي يخطط لاغتيال هتلر مضحيا بحياته من أجل هذه الهدف. وفي روايتي الاخيرة "رحلة بدون نهاية" والتي تدور أحداثها في نفس الفترة وتحت نفس الظروف، ولكن في بلد آخر – هنغاريا ـ تعتمد الرواية على أحداث تاريخية، أتابع فيها الدبلوماسي السويدي الشاب فالينبيرغ في رحلته إلى بودابست عام 1944، في مهمة إنسانية وبدافع شخصي لإنقاذ ما يمكن له من الناس من جحيم النازية والحرب العالمية الثانية، وكيف نجح مضحيا أيضا بحياته في إنقاذ أكثر من مائة ألف مواطن من الموت، ثم لنشهد نهايته في أحد السجون السوفيتية باتهامه بالجاسوسية للألمان والأميركان. هنا كانت النية أن أعيد الحياة إلى رجل متكامل الخصال الإنسانية والذي استطاع باستخدامه السبل السلمية تحقيق مبادئه التي لم يساوم عليها طوال مهمته. إن إيمانه بالحوار واستخدام الطرق السلمية هو إيمانه بالقيم الاسكندنافية الأصيلة بين الأوروبيين. أما في روايتي "الضوء الأزرق" تناولت العالمة البولونية - الفرنسية مدام كوري، وكما هو حال اندرسن وكيركاغارد، نجدها مصرة على إيمانها للوصول إلى أهدافها في أن تنجز ما هو مهم وما يخدم الانسانية. ومن خلال حياة هذه السيدة نطلع على أوروبا الذكورية في بداية القرن العشرين، وكيف رشحت اللجنة المسؤلة عن منح جائزة نوبل زوجها فقط للجائزة، ولكنها رضخت ورشحت مدام كوري بعد أن هدد زوجها مسيو كوري برفض الجائزة إن لم ترشح زوجته أيضا. هنا فقط اضطرت اللجنة لمنحها الجائزة، لتصبح أول امرأة تحصل على هذه الجائزة. إن ما يبهرنا في هذه الروايات هو عزم ومثابرة أبطالها لتحقيق أحلامهم المرتبطة بمثل إنسانية عليا. ذلك ما يشدني لهم وما يثيرني في حياتهم.

** إن ذلك لمثير حقا، وإن عرض حياة عالمة طبيعية يعد سبقا في الأدب الأوروبي، إن لم يكن ذلك على المستوى العالمي. ولكن ما القصد في كتابة رواية عن فيلسوف مثل كيركاغارد؟ فكما نعلم أن الكثير قد كتب عنه وعن فلسفته خاصة هنا في الدنمارك لكونه دنماركيا. وكتب أيضا عن أثره في تطور المد الوجودي في الكنيسة الأوروبية وفي الفلسفة الوجودية؟.
** لقد أثار كيركاغارد اهتمامي منذ وقت مبكر جدا، خاصة فكرة الإيمان عنده بأن الإنسان مركب من حالات مختلفة: حالة الجمالية، حيث تلعب الأحاسيس دورا هاما، حالة القيم الانسانية، حيث الأخلاق تلعب الدور الأساسي، وحالة ما وراء الطبيعة والاعتقاد الديني. وأذكر أني وقبل أن أبلغ الثامنة عشرة كنت أحاول تطبيق هذه الأطوار مع صديق لي، فيوم نكون فيه جماليين ويوم آخر أخلاقيين وآخر متدينيين. في النهاية انتهى الأمر بصديقي أن يكون مقتنعا بأنه جمالي فقط، أما أنا فكانت قناعتي قوية بأنني أنتمي إلى الأخلاقيين. أما المهم عند كيركاغارد أن كل هذه الحالات أو الأطوار، كما يسميها هو، يمكن لها أن تتأسس عند أي منا، وجنبا إلى جنب لها أن تعيش رغم تناقضاتها. وفي روايتي عنه أعكس تمرده وثورته كفيلسوف ضد مبادئ القرن التاسع عشر الفلسفية وانتفاضه على فلاسفة من قبله - مثل هيغل - وعلى الأجهزة الفكرية التي كانت تسود ذلك القرن، والتي تحجم الانسان في دور صغير يلعبه في الحياة مع ملايين مثله. إن انتفاضته جاءت من خلال جعله عشق الانسان وأفكاره مركزا للحياة، كذلك في مثابرته في فهم ماهية الانسان وأين مكانه هو من مسألة الوجود. وكما هو الحال عند مدام كوري، نجده ومنذ صغره يضع حلمه هدفا لحياته ويهم في حل لغز وجود الانسان والكون معا!. بدأت انتفاضته ضد أبيه المتعصب "دينيا" ليجد له طريقا وجوديا جديدا يمضي فيه في حياته، وقد عاش، كما أعرب عنه، لكي "أجد فكرةً جديرة بأن أعيش وأموت من أجلها"، وكانت فكرة البحث عن موقع الإنسان في الوجود الكوني، الفكرة التي جعلته يترك حبه الوحيد، خطيبته ريجينا، والتي بات يعشقها حتى مماته. في هذه الرواية مضيت معه لأجد كيف تسنى له جمع الدين والإحاسيس والقيم الانسانية دون التخلي عن أي منها في كل فترات حياته، ولذا جاء عنوان الرواية "اللحظة اللامتناهية" ليعبر عن استمراره فيما آمن به، فقد عاش له ومات له ايضا. كانت رحلتي معه في هذه الرواية شيقة جدا، وفي نفس الوقت استطعت أن أصف للقارئ أجواء كوبنهاجن في أواسط القرن التاسع عشر، من العمارة إلى الحياة الاجتماعية، وما كانت تعني العلاقات العائلية والصداقات وعلاقات الشباب ببعضهم آنذاك. إنني لا أزال معجبا بكيركاغارد لتمكنه العيش في تناغم مع أفكاره، رغم أنه مات شابا بدخوله المستشفى طوعيا ليموت فيها بعد إقامة لم تتجاوز الشهر والنصف. إنني لا أشك بأنه مات من الحب وطوعا من أجل قيمه الجمالية التي ضحى بالحياة من أجلهما.

** لننتقل الآن إلى الترجمة، فكما نعرف أن الكثير من أعمالك قد ترجم إلى لغات اخرى، ولكن قبل الخوض في ذلك، أود أن تطلع القارئ عن الأدب المترجم إلى الدنماركية، وما يعني لك ككاتب دنماركي؟&
** لقد لعبت الترجمات إلى الدنماركية دورا كبيرا في شدي للقراءة منذ كنت صغيرا، فمثلا الأدب الروسي متمثلا بروايات شيخوف وديستوفيسكي، والأدب الالماني متمثلا في أدب كافكا، بول، جونثر جراس، وكذلك الأدب العربي، حيث ابتلعت "ألف ليلة وليلة" وأنا صبي، بعدها قرأت روايات نجيب محفوظ واطلعت من خلالها على أزقة القاهرة وأزمنة الفراعنة، ثم أدونيس وصوره الشعرية المليئة بالجمالية والدراما في نفس الوقت. كذلك قرأت لأهداف سويف التي ساعدتني في التعمق في القضية الفلسطينية، وآخرون مثل بهاء طاهر… وفي رواياتي كما في قصائدي فإنني استلهم من هؤلاء الكتاب. هناك أيضا كتاب استمتع بقراءتهم مثل الكاتب التركي اورهان باموك ورواياته المتعددة الأبعاد وروايات الكاتب الأميركي فيليب روثس الملتهبة بالعقد النفسية. إن الأدب المترجم فتح لي الأبواب لعوالم كنت أجهلها، كذلك لكتابات ثانية ألهمتني ولا شك أنها تركت بصماتها في كتاباتي. إن الأدب كالموسيقى يعبر حدوده الذاتية وزمانه عند ترجمته، له أن ينقل عوالم من مكان إلى آخر ومن وجود إلى آخر دون تكلف.

** جميل، وفي المقابل نود أن نطلع على ماذا يعني لك ما ترجم من أعمالك إلى لغات أخرى؟
** إنني متعجب ومعجب بأن رواياتي استطاعت أن تنقل إلى لغات عديدة، خاصة الى تلك اللغات التي أجهلها، مثل الأردو واليابانية والصينية والتركية، وإنني أتطلع بفارغ الصبر لظهورها بالعربية، فصديقي الشاعر سليم العبدلي يعمل على ذلك. إنني أجد ذلك برهانا لإمكانية الأدب في تجاوز حدوده الثقافية والروحية والسياسية، ولذا فإني مندهش بأن لرواياتي هذه الخاصية في مخاطبة القارئ المتواجد في أماكن بعيدة جدا عن مكان تواجدي. إنني أنظر لذلك وأنا مقتنع بأننا في هذا العالم نشترك بأحلامنا، وبنفس الاحتياجات الحسية وبنفس الخوف. أليس جميعنا نشترك بهذه الأرض، ونتنشق جميعا نفس الهواء؟ إنني سعيد جدا بذلك وسعيد بالذات أنني أستطيع أن أصل إلى القارئ الدنماركي والأميركي والصيني وإلى قراء في كل أنحاء العالم في نفس الوقت، وكل ذلك يعود إلى دور المترجم النبيل في نقل الأدب من ثقافة إلى أخرى. أن أكون مقبولا من قبل القراء خارج الدنمارك أيضا كان حلما ولا زلت أضعه أمامي عندما أكتب، رغم علمي بأن الكثير من الساسة والمتسلطين يحاولون عزل شعوبهم، بل ويثيرون العداء بين الشعوب، ولكن& في الأدب تلتقي الشعوب وتجد الفرصة للاكتشاف أن لهم جميعا وجود مشترك.

&