صدر قبل أيام& العدد الجيد رقم (15) من مجلة تشكيل العراقية الفصلية ، وكالعادة امتاز العدد& بالتنوع ودقة الموضوعات والإحاطة وعمق الاستقصاء، جاء في كلمة العدد وهي للدكتور شفيق المهدي ؛ " على الرغم من هول الأحداث الدامية التي يمر بها بلدنا، إلا أن الثقافة ممثلة بالآداب والفنون، تحث الخطى المتقدمة من أجل صوغ الملامح المتفرّدة في تأريخنا الثقافي وفي حضارتنا الراقية، وليس غريباً أن نجد الفنان التشكيلي في داخل العراق وخارجه يعمل على تحدي قيم القبح المستشري طوحاً منه لبلوغ المقاصد الفنية بالمواصفات التي ترقى إلى العالمية وصولاً إلى المغزى الجمالي المشيّد على أسس الحب والخير والسلام، فالفن في أحد تعريفاته يمثّل خلاصة النشيد الانساني المهذّب الذي يدعو إلى حب البشرية جميعاً..."
نقرأ في هذا العدد مقالة للناقد مؤيد البصّام بعنوان " شفافية اللون وهندسة الحرف في لوحة أجود العزّاوي" وهي تركزت وتابعت أعمال هذا الفنان، ومما جاء فيها " عندما ننظر إلى أعمال الفنان أجود العزاوي في بداياتها، نجد أنه لم يتغاير عن مجايليه من الفنانين الذين اشتغلوا على إدخال الحرف العربي في اللوحة، ولكنه استطاع أن يدخل عليها أبعاداً معرفية أخرى خاصة إذا عرفنا أن عقلية الفنان تتسم بروح البناء والتصميم من خلال دراسته الأكاديمية ومؤثراتها على عطائه الفني، فهو خريج جامعة غرنوبل / فرنسا عام 1980 وحصل على الدكتوراه في العلوم الاقتصادية، وكان درس السيراميك عبر دورات متعددة على يد الفنان الرائد عطا صبري إبان فترة السبعينيات...
هناك مقالة مميزة للناقد المرموق عادل كامل حول تجربة الفنان طالب مكي تناول فيها لغز القناع ومشفّرات العلامة ومؤثرات جواد سليم، ومما جاء فيها " إن نصوص طالب مكي النحتية إلى جانب رسوماته، هي الأخرى تكف عن أن تكون أنصاباً للذكرى لكي تحتفل برمز القوة، إنها على العكس من ذلك ومثلما شرع جواد سليم يتلمّس صياغة أدلة من مساحات شاغرة وفجوات معتمة تعمل عمل الأبجدية في تدوين علاقاتها بالمحيط، الوجود أو الجماعة أو الذات..."
ننوّه هنا إلى أن هناك عرضاً موجزاً بقلم الناقد خليل جليل غطى فيه معطيات كتاب " نصب الحرية لجواد سليم / ملحمة شعب وذاكرة حضارة " هذا الكتب المهم الذي صدر لكاتبه الناقد الموسوعي عادل كامل عن وزارة الثقافة العراقية...
وبين تلافيف هذا العدد مقالة مهمة للناقد حسن عبد الحميد حول أعمال الفنان وليد البدري وهي بعنوان " النحت بمجاورة التكنولوجيا" وهناك مقالة للدكتور ماضي حسن حول أعمال الفنان نصير الكعبي الواقعية... وأسهم الناقد ورئيس التحرير الفنان صلاح عباس بمقالة رصينة عن تجربة الفنان تركي عبد الأمير وكانت بعنوان " كيفيات الرسم واكتساب الهوية " منوّهاً إلى أن هذا الفنان حين رسم بعض التمائم أو العزائم أو الأحراز، فإن لهذه الثقافة مرجعيات أساسية مستوحاة مما حفلت به الميثولوجيا والفولكلور العراقي، وأن سبل الأداء الفني كفلت له حق تملك الأسلوب على الرغم من أن هذا التوجه يكاد أن يستنزف مضامينه لكثرة الأساليب المماثلة..."
نطالع في هذا العدد الحافل بكل ما هو جميل وممتع ومميّز، مقالة بعنوان ( التجريد، لماذا ؟) للدكتور برهان جبر حسون متناولاً& ومحللاً مفهوم الأسلوبية ....
ومن بين المقالات الأخرى القيّمة هناك مقالة للدكتور زهير صاحب بعنوان " مقدمة في العاجيات الآشورية، وكأن الكاتب قد حدس ما سيؤول إليه الموروث الآشوري في مدينة نينوى على يد القوى الظلامية ممثلة بعصابات داعش التي أجهزت على كل ما هو حضاري وجميل...، وجاء فيها ؛" أحبَّ الملوك الآشوريون القطع العاجية، كونها تلبي ذائقتهم الجمالية الأرستقراطية، فأكثروا من استخدامها في تزيين آثاثهم الملكي كالكراسي والأسرة والعروش، وقدّموا نماذج جميلة منها كهدايا لزوجاتهم وعشيقاتهم المدللات، وكانت على هيئة أوعية لحفظ حلي الزينة ودبابيس لتثبيت الشعر وأمشاطاً أنيقة، وكانت بعض القطع العاجية تثبت على بوّابات القصور والمعابد أو في مقدمة العربات الحربية الملكية، وكانت تستخدم كتعاويذ& سحرية تُبطل النحس وتجلب الخير...".
هناك أيضاً مقالة رصينة للباحث والناقد ناجح المعموري، وجاءت بعنوان " المسكوت عنه في الفوتوغرافيا" ، وتمحورت حول أعمال الفنان هيثم فتح الله& متناولاً ومحللاً ثيمة الوردة في مجمل معروضات معرضة الأخير....
ازدان العدد أيضاً بمقالات& أخرى، لم يتسع هذا الحيّز الضيق لذكرها، على أنه يتوجب علينا التنويه أن المجلة، وضمن سعيها الحثيث في استحضار وإبراز أو إلقاء الأضواء على تجارب بعض فنانينا الراحلين الذين تركوا بصمات مميزة على المشهد الثقافي والفني العراقي، ففتحت ملفاً للفنان الراحل رافع الناصري، حيث تابع عددٌ من النقاد المتخصصين من أمثال د. محمد الجزائري والناقد جاسم عاصي وعبد الأمير الخطيب& وعلي النجار& تجربة هذا الفنان بعيون فاحصة، وجاء الملف تحت عنوان احتفائي: " تحية لرافع الناصري" ...
حفل هذا العدد بالعديد من& الصور واللوحات ذات البعد الجمالي، وبغلاف فني تضمن ثلاثة لوحات وصورة فوتوغرافية على ظهر الغلاف الأخير...
وفي المحصلة ليس بوسع مثقفي العراق وفنانيه سوى أن يعبروا عن فرحتهم وتثمينهم لما عبرت وتعبر عنه هذه المجلة الرصينة، التي خدمت تطلعاتهم ودعمت رؤاهم، مشيدين بالجهد المضني والدأب والمثابرة التي اختار أن يحملها على كاهله كادر تحريرها ولا سيما رئيس تحريرها الفنان صلاح عباس...

&