وصف الكاتب البريطاني سلمان رشدي الكاتب الألماني غونتر غراس بـ "راقص الأدب الالماني العظيم، الذي يرقص عبر أهوال التاريخ" معترفًا أنه حسد غراس على موهبته الفنية أكثر مما أُعجب بعبقريته الأدبية.

إعداد عبد الاله مجيد: يتذكر الكاتب البريطاني سلمان رشدي أنه حين كان في هامبورغ عام 1982 لنشر الترجمة الالمانية من كتابه "أطفال منتصف الليل" سأله الناشر إن كان يود مقابلة غونتر غراس. وحين أجاب انه طبعًا يريد مقابلته أُخذ بسيارة الى قرية خارج هامبورغ يعيش فيها غراس.

وكان لدى غراس بيتان في القرية، يكتب ويعيش في احدهما ويستخدم الآخر مشغلاً فنياً. وكان يُنتظر من رشدي بوصفه الكاتب الأصغر سناً أن يقدم آيات الاحترام الى غراس، التي يؤكد الكاتب البريطاني ذو الأصل الهندي انه كان سعيدًا بأدائها.

بعد ذلك قرر غراس فجأة أن رشدي نجح في امتحان القبول وقاده الى خزانة يحفظ فيها اقداحه الفريدة طالبًا من رشدي ان يختار واحدًا منها. ويتابع رشدي ان غراس أخرج قنينة من الكحول وحين أتى الاثنان على محتواها اصبحا صديقين.

وفي وقت لاحق انتقل الاثنان مترنحين الى المشغل الفني. ويروي رشدي ذكرياته عن ذلك اللقاء في صحيفة صندي تايمز قائلاً "سُحرت بالأشياء التي رأيتها، التي تعرفتُ عليها جميعاً من الروايات، بينها اسماك انقليس برونزية واسماك من التراكوتا وعمل محفور لصورة فتى يقرع طبلاً من الصفيح".

ويعترف رشدي بأنه حسد غراس على موهبته الفنية أكثر مما أُعجب بعبقريته الأدبية قائلاً انه لأمر رائع "أن تمشي في الشارع بعد يوم من الكتابة وتصبح فنانًا من نوع آخر". إذ "كان غراس يصمم أغلفة كتبه ايضًا حيث كانت كلاب وقطط وضفادع تخرج من قلمه الى أغلفة كتبه"، على حد تعبير رشدي.

بعد ذلك اللقاء، كان كل صحافي يلتقي رشدي يسأله عن رأيه بالكاتب الالماني وحين كان يجيب أن غراس واحد من أعظم كاتبين أو ثلاثة كتّاب على قيد الحياة وقتذاك كان بعض هؤلاء الصحافيين يعبرون عن خيبة املهم مشيرين الى "ان طبل الصفيح، نعم ولكن هذا العمل كُتب منذ زمن طويل اليس كذلك؟" وكان رشدي يحاول افهام هؤلاء بأنه حتى لو لم يكتب غراس تلك الرواية، فإن كتبه الأخرى كافية لأن تُكسبه ذلك التكريم والثناء الذي كان يغدقه عليه وحقيقة أنه كتب "طبل الصفيح" ايضًا تضعه "بين الخالدين"، على حد وصف رشدي.

وكان الصحافيون الذين بدت الخيبة على وجوههم يفضلون أن يسمعوا شيئًا من النقد، ولكن رشدي لم يكن لديه ما ينتقد غراس عليه.

ويقول رشدي انه أحب غراس "على كتابته وعلى الكوميديا السوداء التي اضفاها على دراسة التاريخ وعلى العبث في جديته وعلى ما أبداه من شجاعة لا تُنسى حين نظر الى شر زمنه المستطير وجهًا لوجه وحوَّل غير المنطوق الى فن عظيم".

ولاحقًا عندما تعرض غراس الى التشهير بوصفه نازيًا سابقًا ومعاديًا للسامية، قال رشدي لتكن الكتب دفاعه، بما فيها أعظم الأعمال التي كُتبت ضد النازية متضمنة مقاطع عن عمى الالمان تجاه الهولوكوست، وما كان قط بامكان معاد للسامية أن يكتبها.
&
وفي عيد ميلاد غراس السبعين، تجمع حشد من الكتّاب بينهم نادين غوردايمر وجون آيرفنغ بل "الأدب الالماني بأكمله" للاحتفاء بغراس في مسرح تاليا في هامبورغ، ولكن ما يتذكره رشدي بصفة خاصة انه عندما انتهت كلمات المديح والاطراء "بدأت الموسيقى وأصبحت خشبة المسرح حلبة رقص وكُشف غراس استاذًا في الرقص ايضاً... "وبدا أن أجمل فتيات المانيا كنّ جميعا ينتظرن في طابور للرقص معه".

ويكتب رشدي في صحيفة صندي تايمز أنه ادرك حينذاك أن غراس كان "راقص الأدب الالماني العظيم، يرقص عبر اهوال التاريخ نحو جمال الأدب صامداً بوجه الشر بسبب نبله الشخصي واحساسه الكوميدي المثير للسخرية".

ويشير رشدي الى أنه قال للصحافيين الذين ارادوه أن ينتقد غراس في عام 1982 "انه قد يموت قبل أن تفهموا أي رجل عظيم فقدتم". ويختتم الكاتب البريطاني بالقول "إن هذا الوقت أتى وآمل بأنهم يفهمون".