بغداد: ابهر احد عشر شابا وشابة الانظار وهم يقدمون فعالياتهم المسرحية المختلفة التي ما زالت تلاقي حضورا جماهيريا ملفتا، فيما يراها الكثيرون نقلة نوعية في المسرح العراقي.

&استطاع العرض المسرحي الذي يحمل عنوان (إعزيزة) للمخرج باسم الطيب،وتمثيل وتأليف 11 شابة وشاباً ينتمون الى ستوديو (نقطة للفنون المعاصرة)،ان يبهر الانظار بشكل غير مسبوق ويستقطب الجمهور اليه بشكل ملفت وقد حظي باهتمام كون الفعاليات التي قدمها غريبة على المتلقي العراقي فضلا عن انها تتناول المشاكل التي يعاني منها العراق والمجتمع العراقي وتحاول ان تجد لها الحلول المناسبة بطريقة فنية جميلة.
& يتضمن العرض الذي يقدم يوميا في (منتدى المسرح) في شارع الرشيد ببغداد ضمن تسمية (ايام إعزيزة للفنون المعاصرة) ايضا مشاهدة افلام قصيرة (فيلم عراقي وثلاثة افلام اجنبية) في (سينما إعزيزة / نفر ١ ) يتم اختيارها من قبل الجمهور ، اي سينما لشخص واحد فقط يختار فيلما واحدا لمشاهدته.

ثلاثة فصول
يتضمن العرض المسرحي ثلاثة فصول، الاول يقام في باحة منتدى المسرح ووضعية التلقي فيه وقوفا، والثاني داخل الغرف ووضعية التلقي جلوسا والثالث اختياري، فيما يتهيأ الشباب الى تنفيذ افكار جديد من ضمنها (شارع النجوم) الذي سيفتتح قريبا والذي هو يستضيف كل يوم فنانا نجما ويفتتح به شارع الرشيد ويتم تثبيتها كما في النظام الاميركي ولديهم مدينة فكرية للاطفال قريبا،والمشروع الاهم والاكبر الذي يحضر له هو افتتاح شارع الرشيد بعمل فني بشكل رسمي ،يفتتحونه سوقا ثقافيا مثل شارع المتنبي ولكن بطريقة فنية، اذ ان الشارع بلا حياة ويخلو في المساء من اية حركة.

معنى (اعزيزة)
ابطال العرض هم طلبة معهد وكلية الفنون الجميلة مع اربعة اطفال منهم: باسم الطيب، أحمد سعدون، أحمد نسيم، أمير ابو الهيل، أمير البصري، أمير عبد الحسين، حيدر سعد، شروق الحسن، غسان إسماعيل، مصطفى الصغير، هند نزار.، الطفل خالد الخالدي والطفلة تارا مونيكا.
&ومعنى (إعزيزة) هو الفأل السيء او السحر الذي يرمى في البيت فتحدث مشكلة ولا تهدأ، وهي مفردة شعبية حيث يقال للبيت الذي تحدث فيه مشاكل (هل دخلت فيه اعزيزة)، وقد انطلق القائمون على هذا العرض من هنا، حيث يعتقدون ان العراق رمي فيه سحر (اعزيزة) وما عمل الا لكي يشترك الجميع من اجل معالجة المشكلة وابطال (اعزيزة) هذه.

اسلوب مسرحي مميز&
&فقد اكد الفنان ياس خضير ان العرض بهره بكل ما فيه، وقال: من الاعمال التي شاهدتها واستفزت مخيلتي ووجداني هي مسرحية (اعزيزة) لان منظومة التلقي تختلف ومنظومة المشاهد تختلف ايضا والملتقي عنصر مهم في العرض، واستطاع المخرج وفريقه المبدع ان يحول الاشياء المجردة الى اشياء محسوسة من خلال اشتغالاتهم وابتكاراتهم.
واضاف: كلنا نعرف مشاكلنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لكن المخرج استطاع ان يقرب المشكلة ويشرحها من خلال العرض، فالاداء مميز والاسلوب المسرحي مميز ايضا فضلا عن منظومة التلقي المختلفة فأن لم يعجب المتلقي مشهد هنا او غرفة ما، فهناك مشاهد وغرف اخرى تمنحه الاستمتاع وتتفق مع مزاجه، انه يشعر ان امامه (البوم) صور ويتفرج عليه،او معرض تشكيلي على فني او مسرحي وهو خلطة ممتازة ومبدعة، ولا بد له ان يخرج راضيا عن العرض.

اعادت للمسرح رونقه
&اما الناقد طه رشيد فقد اكد وقال: عمل تجريبي تجاوز اكثر التجارب حداثوية في المسرح العراقي.. نقلة نوعية في المسرح العراقي.. "اعزيزة" تأسيس لمسرح عراقي جديد، "اعزيزة " عمل تنويري..، اعزيزة تطلق كلمة حق ضد القوى الظلامية والتكفيرية، اعزيزة تعيد للمسرح العراقي رونقه..كل واحدة من هذه الجمل تصلح لان تكون عنوانا لمقال مفصل عن مسرحية "إعزيزة" التي ابتكرها الفنان المبدع باسم الطيب وهو الذي وضع الخطوط الاولى في تأليف النص الذي ساهم به كل الممثلين.
&واضاف:الملاحظة الاولى التي نسجلها لهذا العمل هو وجود هذه الكثرة من الشباب وخلوها من الرواد والاسماء المعروفة في المسرح العراقي، وهذا ما يدفعنا للتفاؤل بديمومة المسرح، اذا ما استطعنا استيعاب وتطوير هذه الطاقات الشابة المبدعة.
&وتابع: كل شيء جديد في هذا العرض الجميل ابتداء من لحظة تفكيرنا بالذهاب للمسرح. لقد اعاد كادر العمل بعضا من تقليد جميل يتماشى وروح العصر وهو ضرورة حجز مكان مسبقا، وتم تطبق هذا المبدأ على جميع المتفرجين الذين حضروا العرض بما فيهم المسؤول الاول عن انتاج هذا العمل.

شغل مختلف
فيما اكد الشاعر احمد عبد الحسين انه رأى شغلا محترفا، وقال: أمران إنْ خلا عمل فنيّ أو أدبيّ منهما أو من أحدهما لا يعود للعمل معنى: الجرأة والعمق. وهذه المسرحية استجمعت هذين الأمرين بامتياز.
واضاف: رأيت شغلاً مختلفاً المضامين العميقة والجريئة التي حفلت بها (إعزيزة) لم تكن ناظرة بتحسس إلى كون المشهد يشكل صورة ما أو لا يشكل، كانت الصور كلها مندكة ـ بتوظيف ساحر لها ـ في جملة معرفية أو وجدانية يراد قولها.البوح أو كشف السرّ يفترض روحاً منكسرة. الأقوياء لا أسرار لهم ليكشفوها، والقوة أبداً فارغة ولا تصنع فناً راقياً، إنها في أحسن احوالها تخلق معنى عضليّاً، بعض يحبون قوة التنطع في شعر المتنبي مثلاً، لكن فناً كهذا سيظل مفتقراً إلى البوح الذي هو سمة وجدان منكسر، وجدان كل فنان يستحق اسمه.
وتابع: أنت المشاهد الذي تدور في الغرف وتدور معك (الإعزيزة) ستجد امرأة تدافع عن حق الرجال في قتل النساء وذبحهن غسلاً للعار، إلى أن تخجل من نفسك لأنك عشت في زمن كهذا، وتجد آخر يعترف لك بأنه مصاب بمرض الكذب والنفاق والكراهية ولا يستطيع الشفاء منها، فيتركك تتلمس أمراضك أنت، وفي غرفة أخرى يأخذك الممثل إلى زاوية ويقول لك سترى الرجل الذي سيجعل العراق جنة لتفاجأ بأنك أمام مرآة، تذكرت حينها قول الشاعرة الإيرانية العظيمة فروغ فرخزاد (انظر في المرآة لتعرف اسم منقذك).كل ما في المسرحية يقول لك ان عليك أن تستيقظ، فلا غيب ينقذك ولا دين، أنت منقذ نفسك ومنقذ من هم حولك وعليك أن تستيقظ الآن.
وختم بالقول: (إعزيزة) علامة عافية المسرح العراقي. وفرسانها هم مستقبل هذا المسرح، فمنذ الثمانينيات لم أر مسرحية تمزج فكراً بوجدان في صياغة فنية آسرة كهذه التحفة التي صنعها شبان أنحنيت لهم.

المخرج لـ (ايلاف): فن ما بعد الحداثوي
من جهته قال المخرج باسم الطيب لـ (ايلاف): اول عمل لي بعد العودة الى بغداد بعد اقامة لعدة سنوات في الخارج، وهذا الفن موجود في العالم في اوربا وانا تأثرت به وهذه التجربة هي الاولى في العراق والوطن العربي.
&واضاف: نحن مجموعة شباب تأسسنا عام 2013 وطوال هذه المدة بقينا نتكلم فقط فيما نريد ان عمل، نعد اجسادنا واصواتنا ونجري تمارين حديثة، اسسنا ستوديو اسميناها (نقطة للفنون المعاصرة) وفي المرة الثانية قلنا لنشتغل عملا، وتقسمت مراحل العمل، الفريق متكون من 17 شخصا، فتكلمنا بمشاكلنا وامراضنا واعترفنا باخطائنا وانطلقنا من مشاكلنا الشخصية واشتغلنا كل مشهد عبارة عن ملف اجتماعي اسميناها (ملفات اجتماعية) وهناك ملف التفكك الاسري واضطهاد المرأة،الاغتصاب الفكري وتصدير الثقافة السيئة للمجتمع والحروب وتأثيراتها على المجتمع والفهم الخاطيء لله والناس الذين يذبحون باسم الله، وهذا الملف مهم جدا عندنا، وايضا لدينا التنبؤات المستقبل وبقية الملفات مستمرة داخل الباحة والفضاءات الاخرى.
&وأوضح: العرض هو فن (البرفورمنس) الذي اسماه النقاد والباحثون بفن ما بعد الحداثوي،وقالوا انها تجربة اولى في العراق ولم يسبق ان قدمت فيه، واساسيات هذا الفن ان الممثل يؤدي نفسه ولا يؤدي شخصية ثانية، يصنع عرضا امام الجمهور، والجمهور جزء من الحدث،فيكون الفن التفاعلي اي انه مشارك في صناعة العرض، فالمسافة بين الممثل والمتلقي لا تتجاوز السنتمتر الواحد واحيانا نلمسه ونتعامل معه.
وتابع: هناك نص كتب بشكل جماعي،كلنا جلسنا وفكرنا وكتبناه، فظهر (كتابة وتمثيل ستوديو نقطة) لا يرتجل الممثل ولكن حين يسأله الجمهور اثناء المشهد يجيبه والمخرج منظم العملية كلها.
وأكد: كان في البداية على المسرح الوطني ولكنا فصلننا العرض على منتدى المسرح لان المكان يناسبنا اكثر والحميمية اقرب، قرب المتلقي يساعدنا ولكن مستقبلا يمكن ان نقدم اعمالنا على الوطني.
وختم بالقول: نريد ونتمنى من العراقيين كلهم مشاهدة هذا العمل، والخطة الثانية اننا سنتجول في المحافظات والاهم اننا اسسنا نظاما داخل العرض، بمعنى ان الجمهور يقف بالطابور والكل يتساوى فلا فرق بين مسؤول ومشاهد عادي
&