بغداد: استمعت كثيرا وانا اقرأ الرباعيات التي نقشتها على ذاكرة الورق الشاعرة زينب الربيعي، كانت الصور الشعرية فيها تتسامى بجماليات وعذوبة تتماهى مع الايقاع الذاتي للقاريء.
&&&& صدر& للشاعرة العراقية زينب الربيعي كتاب يحمل عنوان (رباعيات) عن دار ازمنة، يقع في 136 صفحة من القطع المتوسط، يخلو من اي مقدمة او تمهيد، ويتضمن 200 رباعيات شعرية (قصائد نثرية من أربعة مقاطع)، تتخللها بعض القصائد التي تشبه الرسائل الى من يهمه الامر طبعا، وهي: رسالة الصباح، رسالة ما بعد الصباح، رسالة العصر، رسالة الغروب، ما قبل الاخيرة والاخيرة، اما لوحة غلاف المجموعة والرسومات الداخل: فرسمتها ابنتها هالة محمود فاضل (15 سنة).
افتتحت المجموعة بقصيدة لا تحمل عنوانا ولكنها،كما يبدو، ارادت بها ان تعطي انطباعا معينا للقاريء عن غربتها وتوضح له بعض الافكار عنها وبعض اسرارها وان كانت ظللتها بشيء من الغموض، لكنها اوحت للقاريء انها عاشت الغربة منذ وقت مبكر وانها تركت العراق وهي ذاكرة بيضاء:
(وأنا مازلتُ لا أجيدُ تلوينَ وجهي
لا أجيدُ الصعودَ على الحذاءِ الأنثوي
ولم ألتقِ بعدُ بمفاتني
أخذَتْني الغربةُ من يدي
ركبْتُ الحافلةَ إلى وجهتها
مقاعدُها لا تحتاجُ إلى تسلسلٍ
وإلى ذاكرةٍ
تكتفي بأن تكونَ حضناً
جاداً
متأهباً
ونحنُ مَنْ يحملُ الأرقامَ).
&&&& اما في الرسائل ثمة اصوات وتساؤلات، اصوات تأتي من مسافات بعيدة تتخللها الاسئلة التي تبحث عن جواب لن يصل ربما، كل وقت من اوقات الرسائل فيه معنى للصوت والنداء والانتظار وثمة حيرة احيانا:
(ولي فيكَ سؤالٌ مجزوءٌ...
صمت...
وِجْهة...
قطعةٌ من حياةٍ
ستكونَ أسيراً فيها
قيودكَ من أشعارٍ وأحلامٍ وأسئلة
ياصاحبي،
وقتَ الغروبِ تكثرُ الأسئلة !)
&&& وفي الرباعيات تتنوع المواضيع التي تتناولها الشاعرة، تجوب بها مختلف بقاع الحياة وترسم فيها انثيالاتها القصيرة المكثفة العابقة بروائح مختلفة ايضا، فلكل رباعية غرض معين تضعه امام اعين القاريء ليرسمه في مخيلته ويمنحه درجة للاشادة به والاعجاب به ومن ثم تأتي المقارنة عفوية مع رباعية اخرى، فهي لا تقف عند حدود معينة بل انها تحلق اينما طاب لها ان تحلق سواء في نفسها لتكتشف ترجيعة هناك فتبادرها على الفور برسم بالوان& مبهرة من حيث المعنى والصورة التي تشدّ النظر اليها فيتأملها الاحساس لاسيما انها تمر مثل ومضة لكنها تترك اثرا في بؤبؤ العين:
(ريحُ اليومِ حزينةٌ
فالبارحة لم يتسنَ لها
المرورَ بكَ،
نافذتُكَ كانتْ مغلقة)
ومن الرباعيات من يعاد قراءتها مباشرة، كأن الطعم الذي ما زال على طرف اللسان لابد ان يستعاد، لاسيما ان الشاعرة تعلن توهج رباعياتها في الربع الاخير من الرباعية، فهي هنا تبني نصوصها على اربعة توهجات تبدأ من الاول المتضائل ثم يكبر ويكبر لتكون الدهشة في الخاتمة المبنية على الوهج الذي يمنح الرباعية اكتمال صورتها التي تتألق فتكون معبرة وواضحة:
(أنتَ كبيرٌ
لم يَسعْكَ قلبي.
قلبُكَ كبيرٌ
تاهَ فيهِ قلبي).
وللشاعرة شعور بالغربة التي عاشتها لكن غربتها تنشطر الى غربتين، تبوح بهما بشكل مستتر تحت غطاء التساؤلات والليل والصمت الذي تراه يتسع امامها كالبحر، لكن تبذل قصارى جهدها لكي لا تكون ريشة في الهواء او موجة تائهة في البحر، فتعي ما يمر بها:
(الحبُّ في الغربةِ من دون اتجاه
مثلَ مركب يُبحرُ،
على طولِ الشاطيءِ
ويرسو وسطَ البحر)
&لكنها.. من تلك الغربة تستمد خطوطا عديدة تحاول ان تنسجها لتشهق ما بداخلها عنها، تأخذ منها صورا او تتناول اسماء مما عرفت ورأت او ربما مما قرأت لتقف على شرفات تخيلاتها لترسم الخواطر فنقرأ جسر (بونتي فاكيو)على نهر ارنو في فلورنسا ايطاليا، وجزيرة (كابري) في البحر المتوسط تابعة لايطاليا، برشلونة، (ماسينا)& القديمة مدينة في جزيرة صقلية في البحر المتوسط، شاطيء (الريفييرا)، وغيرها من الاماكن التي حضرت في الرباعيات ولكن حضورها لم يكن عابرا او محشورا رغما عنها لاسباب شخصية مثلا، لا..، بل ان الشاعرة استلهمت من تلك الاماكن شاعرية بعد ان تأملتها جيدا فداعبتها باناملها ونظراتها ونسجت لها حكاية تقوم على اربعة اعمدة ولتؤطرها بالدهشة:
(الأشجارُ في مارسيليا
مثلَ نسائِها...
لا تحتاجُ إلى،
عمليةِ تجميل)
او:
(كأنَّ السماءَ أمطرت حلوى
فذابتْ على برشلونة
شرفاتٌ خضراءُ و زرقاءُ،
زهورُها حمراءُ)


&&& رسمت الشاعرة 200 لوحة فنية بالوان مختلفة استطاعت ان تجعل القاريء يقف قليلا امام كل واحدة ليتأملها ويتحقق من جماليتها في نفسه واذا ما وصلت اليه ليقتنع ان الصورة المرسومة تفاجأه بكلماتها التي تتماهى مع بعضها،كأنه ما قالته حكمة عليه ان يهز رأسه اعترافا بها ومن اعجابا بتلك الصياغة التي انسابت مثل خفقة وتر، ومن الممكن ان تسمع خفقات اوتار (العود) و(الكمان) اذ ان ترجيعات قلبها تعكس شجنا وسرورا في مقاطعها.
(إعطني يدكَ اليسرى
لأقرأَ كفكَ اليمنى
التي وضعتَها...
على خدي)

&