في كتابه "رحلتى .. 40 سنة حفائر" يروي عالم المصريات الشهير د.زاهي حواس مغامراته في عالم الآثار، بالإضافة إلى الاكتشافات الرائعة التي قام بها طيلة ثلاثة وثلاثين عامًا بحث فيها عن ماضي مصر؛ حيث إن العقدين الماضيين قد أثمرا العديد من الاكتشافات بوجه الخصوص. فحياة الأثري مزدحمة ومليئة بالمغامرات، وفي بعض الأحيان تكون معرضة للخطر. وفي صفحات هذا الكتاب يوضح ما قام به من اكتشافات ومواقف قوية للحفاظ على تراث مصر، فرمال مصر ـ في رأيه ـ كانت كريمة معي، وها قد جاء الوقت كي يرد لها الجميل، ويجعل العالم يشاركه اكتشافاته.
يقول زاهي حواس "أنعم الله على مصر بثروة هائلة من الآثار، التي تتناثر على أرضها من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ما بين فرعونية ويونانية رومانية وقبطية وإسلامية، والتي جعلت منها دولة عظمى في الآثار.. وقد شرفت بحمل مسئولية حماية تلك الآثار عندما توليت منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في عام 2002 وحتى 2011؛ حينما أصبحت وزيرا للآثار فى حكومتين متعاقبتين بعد الثورة، وكانت مهمتي الدائمة هي الحفاظ على الآثار للأجيال التالية. وتلك المهمة ليست يسيرة كما يظن البعض؛ حيث يجب أن أقوم بعدة أدوار مختلفة. فمن أجل الحفاظ على تلك الآثار كان يجب على أن أكون إداريًّا ناجحًا..أعمل على تنظيم زيارة ملايين الزوار إلى الأماكن الأثرية، والإشراف على موظفي الآثار، ودأبت على الذهاب يوميًّا إلى مكتبي حتى خلال أيام العطلات. وكان يجب على أيضاً أن ألعب دور السياسي لأحارب من أجل الحفاظ على الآثار، وإبعاد خطر الحياة المدنية الحديثة عن المواقع الأثرية؛ وكذلك تجنيب العمل الأثري مخاطر السياسة والتغيرات السياسية".
ويضيف "قبل كل ما سبق فأنا أثري، يجب أن أشرف على حفائري بالجيزة وسقارة والواحات البحرية وهليوبوليس، بالإضافة إلى عمل البعثات الأجنبية في جميع تلك المناطق وغيرها تحت إشرافي. كما يجب أن أجد الوقت كي أكتب مقالاتي وكتبي العلمية المتخصصة كي أسجل وأشرح تفاصيل عملي لبقية الأثريين، وكتابة كتب أخرى مبسطة للعامة، مثل هذا الكتاب الذي بين أيديكم. ومن خلال مسئوليتي عن الآثار، أصبحت سفيرًا لها حول العالم، حيث أقابل رؤساء وزعماء وصحفيين ومشاهير، وأقوم بالعديد من المقابلات الصحفية والتليفزيونية كي أجعل الملايين من الناس حول العالم يشاركونني مغامراتي بين آثار مصر. وكان عليّ أن أناضل يوميًّا في مواجهة قوى "ست": رب الشر والفوضى في مصر القديمة، وعدو النجاح، والمتمثلة في إهمال السائحين وغيرة بعض الزملاء وقوى الطبيعة المدمرة التي تهدد تراثنا العظيم. ورغم كل هذا، فإنه يجب أن أتحلى بالقوة كي أقوم بجميع تلك الأدوار لأنني أعشق عملي".
ويوضح حواس "منذ عام 1987، وأنا أقوم بالعديد من المشروعات الأثرية الهامة. ففي الجيزة قمت بتطوير مشروع خطة إدارة الموقع، وكانت نتيجة هذا المشروع المبدئية هي الوصول إلى العديد من الاكتشافات الرائعة. فقد عثرت على العديد من المباني والتكوينات المعمارية المرتبطة بمجموعة خوفو الهرمية من بينها الهرم العقائدي والطريق الصاعد ومعبد الوادي والميناء ، وربما بقايا قصر ومدينة الهرم. وبالإضافة إلى ذلك، فقد قمت بأعمال جديدة حول معبد الوادي للملك خفرع وعثرت على أدلة لوجود ميناء ثانٍ، كما أكملت مشروع ترميم هام لأبو الهول والأهرام، واكتشفت تمثالاً مزدوجًا للملك رمسيس الثاني بالقرب من هرم منكاورع. كما قمت مع صديقي مارك لينر بالعثور على أدلة هامة حول الرجال والنساء الذين شاركوا في بناء أهرام الجيزة. كما قام مارك بالكشف عن التجمع الملكي القديم –كما أطلقنا عليه- والذي كان يحتوي على الإمدادات والأدوات الخاصة بعمال البناء، كما أعمل على اكتشاف مقابر هؤلاء العمال بناة الأهرام..& وفي سقارة قام فريقي بالعمل عند المجموعة الهرمية للملك تيتي من الأسرة السادسة "2345-2323 ق.م"؛ حيث قمنا بتنظيف المجموعات الهرمية لملكتيه. كما قمنا بالعديد من الاكتشافات الهامة مثل الكشف عن مقبرة الأمير تيتي عنخ كم وليّ العرش وهرم الزوجة الرئيسية الملكة خويت. وفي هليوبوليس، قمنا بالكشف عن ترميم مقبرتين من الأسرة 26 "664-525 ق.م". كما أنني أقوم بإعداد مشروع خطة إدارة موقع تلك المنطقة الواقعة تحت الخطر".
ويشير حواس "قمنا باكتشافات رائعة في الواحات البحرية بالصحراء الغربية؛ حيث اكتشفنا جبانة ضخمة من العصر اليوناني الروماني ، والتي أطلقنا عليها اسم وادي المومياوات الذهبية، بالإضافة إلى عدد من المقابر الهامة من الأسرة 26. وأعتبر نفسي محظوظًا لأنني أعمل مع فريق عمل ممتاز؛ حيث قمت بتدريب العديد منهم على أساليب العمل الأثري والترميم. ومن بين هذا الفريق مساعدتي نشوى جابر، والتي أعتبرها ذراعي الأيمن، فهي تنظم جميع أعمالي مثل لقاءاتي واجتماعاتي وغيرها.
ويلفت إلى أن الأثري طارق العوضي يعتبر أهم مساعدىَّ الأثريين وذراعي اليمنى منذ عام 1994 عندما بدأ عمله في منطقة آثار الجيزة بعد تخرجه مباشرةً؛ وقد ساعدني خلال عملي في المواسم الثلاثة بالواحات البحرية، كما ساعدني في إعداد كتبي ومحاضراتي. فهو يعرف تمامًا ما أريد بمجرد أن أنظر إليه. وعندما كنت أقوم بكتابة مؤلفي Valley of the Golden Mummies أرسلته إلى الناشر بنيويورك كي يتولى الإشراف على صور الكتاب وتعليقات الصور والملاحق، وعلى الرغم من أنها كانت المرة الأولى له التي يزور فيها الولايات المتحدة الأمريكية إلا أنه عمل بجد. وقد حصلت له في عام 2001 على منحة دكتوراه من جامعة شارلز بجمهورية التشيك؛ وبعد حصوله على الدكتوراة عاد ليعمل معي مرة أخرى وعينته كبيراً لمفتشي آثار أبوصير ثم مديراً لإدارة الأبحاث العلمية؛ وأخيراً مديراً عاماً للمتحف المصري ليصبح أصغر من تولى هذا المنصب سناً لكنه من أكثرهم همة ونشاطاً. كما عمل معي أيضًا مساعدي محمود عفيفي، وهو شخص حساس وقوي في آن، كما أنه قائد عمل رائع. فقد حصل على درجة الماجستير من جامعة القاهرة، وأرسلته إلى بولندا للحصول على درجة الدكتوراه وعاد ليتولى العديد من المهام بالمجلس الأعلى للآثار، فأنا أعتبره ابني على الرغم من أنني أكبره بثمانية أعوام فقط. ومن مساعديَّ الأثريين منصور بريك الذي أرسلته بمساعدة معهد جيتي للترميم إلى قبرص للتدريب على أساليب الترميم ، وإلى مدرسة حفائر Field school بشيكاغو لتعلم أحدث التقنيات الأثرية.. منصور أثري ممتاز ويعمل الآن على تدريب العديد من الأثريين الشباب على التقنيات الأثرية. ودائمًا ما يميل منصور للمزاح والدردشة ، وأحب أن أعرف آخر الأخبار منه من باب المرح. وقد ساعدني في الكشف عن مقابر العمال بناة الأهرام، كما عمل معي خلال ثلاثة مواسم بوادي المومياوات الذهبية. وفي بعض الأحيان كنت أشق عليه في العمل حتى أجعل منه أثريًّا جيداً؛ حيث كنت أخبره أنه يجب ألاّ تكون أثريًّا مجتهداً فحسب؛ ولكن يجب أن تكون مديرًا قويًّا. فمن أجل أن تقوم بعمل جيد يجب أن تكون متواضعًا وقويًّا في نفس الوقت، وكي تكون قائدًا يجب أن تقيم مسافة بينك وبين مرؤوسيك.. فهذا هو سر النجاح. أما رمضان البدري، والذي كان يساعدني في التدريس كما عمل معي في بعض المواقع الأثرية، فهو أيضًا حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة براون بالولايات المتحدة".
ويقول حواس "سعدت أيضًا بالعمل مع العديد من الفنانين والرسامين، وعلى رأسهم الرسامة أماني عبد الحميد والرسامة نهى عبد الحفيظ والتي كانت تمتلك حسًّا فنيًّا رائعًا وأنامل ذهبية. فقد قامت بالعديد من الرسومات الرائعة في أماكن صعبة، مثل قمة الهرم الأكبر وفي حفائر مقابر العمال بناة الأهرام ووادي المومياوات الذهبية. وتلك المجموعة الرائعة من الأثريين؛ إضافة إلى المرممين والرسامين والمهندسين وحتى الفنيين وعمال الحفائر المدربين هم المسئولون عن حفظ تراثنا الحضاري. كم هو ممتع أن أرى شباب الأثريين وهم يتطورون ويكبرون. وأتمنى أن يقوموا بأفضل مما قمت به أنا، كما أتمنى أن يكونوا على قدر القوة بمواجهة "ست" والغيورين والحاقدين الذين يحاربون نجاحات الآخرين.. خلال الأعوام الماضية حصلت على العديد من الجوائز المحلية والعالمية تكريمًا لما قمت به؛ حيث قامت جامعة المنصورة فرع دمياط بتكريمي لإسهاماتي في المجتمع المصري ومجتمع الآثار العالمي. كما حصلت على لقب باحث العام في سنة 2000 من الجمعية المصرية الأمريكية للباحثين، كما تم اختيارى بواسطة مجلة Time الأمريكية فى عام 2006كواحد من 100 شخصية مؤثرة فى العالم. وبالإضافة إلى ذلك فقد تم اختياري ضمن مجموعة محكمي جائزة مؤسسة الأغاخان للعمارة، كما اختارتني الجمعية الجغرافية الأمريكية "ناشونال جيوجرافيك" لأكون المكتشف الثامن لها".
أما عن أهم التكريمات التي حصل عليها فهي "وسام الجمهورية من الطبقة الأولى في العلوم والآداب من الرئيس السابق حسني مبارك تكريمًا لما قمت به خلال ترميم تمثال أبو الهول. وهناك تكريم آخر لا يمكن أن أنساه وهو احتفال أقامه لي أهل قريتي في حوش مدرستي، وقام الدكتور عبد العظيم وزير محافظ دمياط فى ذلك الوقت بحضوره، وعندما رأيت أعمامي وعماتي وبقية أقاربي بما فيهم أطفالهم يبتسمون لي بفخر وسعادة، شعرت بدموعي تنهمر على خديَّ. وقامت الأكاديمية الأمريكية بمنحي جائزة الاسطوانة الذهبية. وخلال اليوم الرائع لهذا الاحتفال قابلت نحو أربعمائة شخصا من أفضل الدارسين على مستوى العالم وتحدثت معهم عن طريقي للنجاح. فأخبرت الحاضرين من الشباب بقصتي، وكيف أصبحت مسئولاً عن أهم آثار مصر الرائعة، وكيف وجدت عشقي خلال تلك الرحلة. وأرى أنه من الضروري أن أوضح لمجتمع الأثريين وللعامة على السواء تلك الاكتشافات الرائعة التي قمت بها، فقد كتبت العديد من الكتابات المتخصصة. وفي الأعوام الماضية وبتشجيع ودعم من صديقي الراحل مارك لينز الذى كان مديراً لقسم النشر بالجامعة الأمريكية، كتبت واشتركت في كتابة العديد من الكتب التي تنشر للعالم أجمع. ومن أشهر تلك المؤلفات والذي حظي بأعلى نسبة مبيعات حول العالم، Valley of the Golden Mummies وSilent Images، والذي كتبته وأنا مدير عام لآثار الجيزة بمناسبة المؤتمر الدولي للمرأة في بكين".
&