لا يمر شهر إلا ويشهد قضايا جديدة تعيد فيها متاحف اميركية قطعاً اثرية الى أوطانها الأصلية. وفي اواخر ايار/مايو الماضي مثلا عرضت السلطات الايطالية 25 قطعة اثرية مسروقة أُعيدت من الولايات المتحدة، بينها قطع هربها التاجر سيئ الصيت غياكومو ميديتشي الذي أُدين عام 2004 لبيعه آلاف القطع من الفن اليوناني ـ الروماني بعد سرقتها من ايطاليا ومنطقة البحر المتوسط.& وقبل ذلك بأسابيع قليلة أعاد متحف كليفلاند تمثالا من القرن العاشر للإله هانومان الهندوسي الى كمبوديا.
وفي نيسان/ابريل استعادت الأجهزة الأمنية من متحف الفن في هونولولو سبع قطع أثرية هندية يُعتقد ان المتحف اقتناها عن طريق تاجر الفن سوبهاش كابور المسجون حاليا في الهند بتهمة قيادته عملية اجرامية واسعة تغطي اربع قارات على امتداد عقود هرَّب كابور خلالها آثارا من الهند وجنوب شرق آسيا الى مقتنين افراد ومتاحف في الغرب بما يزيد قيمته على 100 مليون دولار.
ومن المؤسسات الاميركية الكبيرة التي ارتبطت بعلاقات مع كابور متحف متروبوليتان للفن في نيويورك ومعهد الفن في شيكاغو ومتحف الفن الآسيوي في سان فرانسيسكو.&
وشهدت السنوات العشر الماضية إعادة مئات القطع الأثرية من متاحف ومجموعات فنية عامة في الولايات المتحدة.& وأهملت المتاحف لدى اقتناء هذه القطع الأثرية غير القانونية ابداء الحرص المطلوب للتحقق من اصالتها ومناشئها. وكلفها هذا الاهمال ملايين الدولارات.
ولكن الخسائر المالية ليست وحدها ما يُقلق امناء المتاحف ومدراءها.& فان الأضواء الاعلامية التي تُسلط على هذه الفضائح تهدد مؤسسة المتاحف الغربية ذاتها وان المطالب المتزايدة بإعادة القطع الأثرية والأعمال الفنية المهربة والمسروقة الى اوطانها تجعل من الصعب تنفيذ المشروع المتمثل ببناء مؤسسات "عالمية" تقدم فن العالم وتاريخه.& واحيانا لا تمت الانتقادات الموجهة الى المتاحف الغربية بصلة تُذكر الى ضلوعها في تجارة ممنوعة.& وعلى سبيل المثال ان هيو ايكن شجب في صحيفة نيويورك تايمز الأساليب القسرية التي تُمارس مع بلدان غنية بآثارها مثل تركيا واليونان وايطاليا.& وأصبحت علاقات المتاحف الغربية بالحكومات الأجنبية مشروطة على نحو متزايد برضوخ هذه الحكومات الى مطالب غير معقولة وأحيانا ابتزازية على نحو مفضوح ، كما كتب ايكن.& ومع تنامي دور الصين والهند في السياسة الدولية تتزايد مطالبهما بإعادة آثارهما من الغرب.&
نتيجة لذلك يعتقد المدافعون عن المتاحف ان مجموعاتها ومقتنياتها المتنوعة والعالمية مستهدفة من حكومات ومنظمات لديها أجندات قومية ضيقة.& وان منتقدي المتاحف الغربية يتهمونها بالضلوع في هذه التجارة الممنوعة ، ويتهمونها على مستوى أخلاقي أعم بتكريس اللامساواة الصارخة بين الغرب وبقية العالم. ونقلت صحيفة الغارديان عن الكاتب جيسون فيلتش "ان الثقافة المتحفية في الولايات المتحدة تلكأت في إدراك حقائق التجارة الممنوعة". ويرى فيلتش ان هناك وجه شبه بين تجارة الآثار وتجارة المخدرات.& فالطلب على هذه وتلك في البلدان الغربية يجعل التجارتين ممكنتين.& وقال فيلتش انه "ما دامت هناك سوق مربحة للبضائع المنهوبة والمصنوعات ذات الأصول غير المعروفة على وجه التأكيد ، ستكون هناك تجارة ممنوعة بالآثار". المحامية تيس ديفيز التي تمثل "ائتلاف الدفاع عن الآثار" بالمتاحف الأميركية التي اعادت قطعاً أثرية بإرادتها ولكنها قالت ان هذه القطع ما كان يجب السماح بضمها الى مقتنيات هذه المتاحف أصلا. ونادرا ما تعيد المتاحف الاميركية قطعاً اثرية بأوامر قضائية بل تفعل ذلك طواعية واحيانا في خطوة استباقية لتفادي الملاحقة القانونية.&
وقال جيمس كونو رئيس مؤسسة غيتي ومن ابرز المدافعين عن المتاحف العالمية ان لا أحد يريد ترويج تجارة ممنوعة داعياً المتاحف والمقتنين الى التأكد من أصالة القطعة وشرعية الصفقة لاقتنائها. ولكن كونو اعرب عن خشيته على المتاحف العالمية في الغرب قائلا انها تواجه تحدياً كبيراً من قوميين في أنحاء العالم.& واشار الى ان الحكومات ومتاحفها كثيرا ما تصوغ مطالبها بإعادة آثار أو اعمال فنية بمفردات الحفاظ "على سلامة الأمة".& ويرى كونو ان هذه المطالب حركات مسرحية أكثر منها مواقف أخلاقية وانها تربط المُلكية الثقافية "بالسياسة والأجندة السياسية للنخب الحاكمة" ، على حد تعبيره. وبرأي كونو فان المتحف العالمي يبقى الشكل الأفضل للتعاطي مع الفن.& ونقلت صحيفة الغارديان عن رئيس مؤسسة غيتي قوله "ان الأعمال الفنية لم تلتزم بحدود سياسية حديثة بل كانت دائما تبحث عن الارتباط باشياء غريبة ورائعة في مكان آخر". وأدى تدمير مواقع أثرية في الشرق الأوسط على أيدي تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" الى تعزيز موقف المدافعين عن المتحف العالمي.& وقال غاري فيكان المدير السابق لمتحف والترز للفن في بالتيمور ان المؤسسات الغربية وحدها التي تستطيع& الحفاظ على تراث العالم الثقافي.& وصرح لصحيفة نيويورك تايمز ان فظائع داعش بحق الثقافة ستضع نهاية للدعوات المتحمسة في مطالبتها بإعادة الآثار والأعمال الفنية الى اوطانها الأصلية. ولكن مراقبين رأوا ان في هذا الموقف دفاعاً عن امتياز غربي.& وقالت المحامية تيس ديفيز "ان الكولونيالية ما زالت حية في عالم الفن" وانتقدت ديفيز دعاة المتحف العالمي قائلة انهم "ما زالوا يبررون الاحتفاظ بما نُهب لملء متاحفهم العالمية حيث يستطيع رعاتها ان يتفرجوا على مجموعات موسوعية من سائر انحاء العالم".& واضافت "انها فكرة نبيلة نظرياً ولكنها تَرَف غربي عملياً.& فهي قد تفيد مواطني نيويورك ولندن وباريس ولكن ماذا عن موطني فنون بنه؟ لا فائدة بالمرة".
واشار الكاتب فيلتش الذي أمضى سنوات يحقق في ممارسات مؤسسات مثل متحف غيتي ومقتنياتها الى انه يفهم التاريخ الإشكالي للمتاحف العالمية في الغرب ولكنه مع ذلك يرى قيمة كبيرة في طابعها الموسوعي.& وقال فيلتش "ان مجموعات عديدة بُنيت خلال الحقبة الكولونيالية ولكني لا أُحارب طواحين محاولا تغيير التاريخ وأتمنى ان تكون هناك متاحف موسوعية في مناطق اخرى من العالم".& واضاف ان العديد من المتاحف الكبيرة التي لديها موارد وفيرة في الغرب يجب ان تساعد في تقديم قروض الى المتاحف في مناطق العالم الأخرى وتقيم علاقات تبادل معها. كونو مع الرأي القائل بأن مؤسسات مثل مؤسسة غيتي التي يرأسها تحمل رسالة عالمية.& وقال ان اي متحف يدعو الى الكوزموبوليتانية والتنوع الثقافي ملزم بتشجيع امكانية الاطلاع مقتنياتها في مناطق أخرى.& وليس هناك سبب للاعتقاد بأن الآخرين في اماكن أخرى ليس لديهم حب الاستطلاع بشأن العالم.&
&