&الجزء الأول..

ليست لكل الأجزاء تتمات متجانسة.. ولا تعرف إن كان الأول هو الأخير.. الكتابة طقس مجنون يمليه عليها رأسها وتفاعلاته مع ما تذكره من أحداث.. رغم ذلك.. تقرر مسلوبة الإرادة في إملاء من حالة الهذيان الفكري بين الواقع والحقيقة.. أن تسميه الجزء الأول.

1
رطبة جداً بعد حمامها الساخن الذي ينزع عنها آثار الغربة ليؤهلها كي تعود هي نفسها قبل أن تغادر المكان..
الماء الساخن يذكرها بأحشاء أمها..
وجلسة الصنوبر تسترجعها طفلة "حشورة" تلعب في جلسات الكبار كما الصغار وتعيش أجواء الضيعة بكليتها.. مرافقة أبيها في مشاويره ومبدية آراءها حيناً ومتسلقة الأحراش من الشوير إلى الضهور أحيانًا، على قاعدة أن& الأحراش هي سبيل ابنة الأرض إلى الأرض..

2
تركت شعرها رطباً على سجيته.. متموجاً وناعماً في آن.. متكومًا على نفسه بعد أن عانقت المياه خصلاته... أشبه بمياه الساقية التي تنسدل ببطء على طريق «عين المعصرة»..
حان وقت الطقس المسائي..
ابتكار عطر الصنوبر..
من على شرفتها المليئة بقش تساقط.. بعد أن رجت أمها عدم "تكنيسه" ليوم واحد فقط.. تجلس أرضاً.. تتكئ إلى القش اليابس وتنتظر ذاك المسحوق الصنوبري الأصفر الذي يتطاير في الهواء ليلفح شعرها وجلدها وتتعطر أخيراً بعطر الصنوبر..
تذهب إلى دُرجْها، تجلب قنينة العطر الباهظة التي آلمها ثمنها إلّا أنَّها أحبتها.. تفتح غطاءها، تجمع ما تبقى على الأرض من بودرة الصنوبر الصفراء، تخلطها بعطرها، وتخبِّئها فرحة بحلة عطرها الجديدة..

3
مجنونة وشاعر والتوت البري ثالثهما
&مربكة.. رأته يجلس هناك ولكنها دارت حول المكان قبل أن تأتي وتسلم عليه..
تستنفر جنونها كله لمعركة كلامية..
تستحضر كل ما لقَّنتها إياها ناشطات حقوق المرأة في رأسها من تهم جاهزة..
تكررها كطفلة تحفظ آراء المعلمة التي هي دوماً على حق..
تعاند حتى في اختيار الشراب،& لتختار في النهاية الشراب نفسه دون أن تتنبه لفيض الحماقة في معالم وجهها..
تجد نفسها آذاناً صاغية..
تنتفض فتصطنع علامات امتعاض..
تضع يدين على خد وتسندهما إلى الطاولة وكأنها بين الصحو والنوم، تمامًا كما كانت تفعل على مقعدها في تلك المدرسة في الضيعة، سارحةً بأنظارها إلى شجرة البلوط في الباحة الخارجية.. ملعبهم الصيفي..
يتلو قصائده كصلاته اليومية..
بين الواقع والحلم تتأرجح أفكارها..
تمر الكلمات في رأسها.. بحيث لا تذكرها.. ولكنها تشعر بمعانيها التي تضفي على الطقس الشعري هوية شعورية..


4
تقرر أن تجالس نفسها في مقهى الروضة.. ما زالت كما غادرت الضيعة منذ الصباح.. معطرةً بالصنوبر.. حتى أنها تشعر برحيقه يلتصق بجلدها.. يمتزج بهواء البحر الذي تغريه إيحاءات الصنوبر.. تتغاضى عن كل ما ومن في المكان، تنظر إلى السماء من تحت.. تسند قاع عنقها من الخلف إلى الكرسي البلاستيكي وتتطلع إلى السماء.. وفي رقصة عيونها على إيقاع الموج ترى البحر بجانب السماء وكأنه يقبع في آخرها..& والفراغ الذي تحدِّق به يملأ تلك المسافة بين بحر يضاجع سماءً..
&
5
قطرات المياه المالحة التي تتطاير أحياناً قليلة، حين يتمرد البحر في ذاك المساء الصيفي، فيرشق بعضها باتجاهها، تلتصق بجلدها، تتذوق قطرة منها..
يرخي المساء يرخي بظلاله على المكان فيغريها..&

الجزء الثاني

في ساعات هاربة من عقرب الزمن، سيلتقيان مرة أخرى ليسرقا الوقت بأحاديث تكدَّست لسنوات!