مسقط: أحد أعرق وأقدم الفنون التشكيلية قاطبة، النحت الذي بدأ منذ بدء الخليقة ولكنه حافظ على أبعاده الثلاثة حتى سنوات قليلة مضت، عندما ابتكر الثنائي ميسون مصالحة وزوجها بسام السيلاوي -الأردنيان من أصل فلسطيني - البعد الرابع للنحت عبر تشكيل الظل ليكون الرديف في إيصال الرسالة البصرية للعمل الفني من خلال منحوتات معظمها مستوحى من العبادات الإسلامية والآيات القرآنية والعادات والتقاليد العربية والشعر والأمثال والحكم العربية.
"نحت الظلال" هو عنوان معرض الثنائي ميسون وبسام الذي تستضيفه حالياً دار الأوبرا السلطانية في العاصمة العمانية مسقط بعد عودته مؤخراً من ألمانيا ..و نحت الظل كما يعرفه الثنائي التشكيلي هو عبارة عن ظل يتم تشكيله من خلال إسقاط الضوء على الخط العربي ثلاثي الأبعاد أي على المنحوتة التي يتم تثبيتها على الجدار، وعندما يتم تسليط الضوء عليها من زاوية محددة ينعكس ظلها برسم يجسد بعداً رابعاً للعمل الفني و يساهم في إيصال الرسالة بشكل أكثر عمقاً وتأثيراً في المشاهد . إنه فن يوصلك إلى التعبير عن ما هو مكتوب من خلال سلوك أو هيئة معبرة عنه، فعلى سبيل المثال تعكس المنحوتة (سبحانك) الهيئة أو الحركة التي اعتاد المسلم أدائها اثنا السجود و الركوع في صلاته ، وكذلك منحوتة “الحمد لله” يعكس ظلها شخص رافعاً يديه حامدا ربه.
تقول ميسون : "استخدم العديد من الفنانين الظلال في أعمالهم الفنية، كل منهم حاول أن يميز نفسه بتقنية مختلفة و ذلك عبر استخدام خامات مختلفة لتعكس ظل العمل الأساسي، لكن غالباً ما كانت النتيجة لا تحمل هوية أو تعريف يرتبط بالفنان نفسه، يكون بمثابة توقيعه على العمل والسمة التي تميزه عن غيره، بالنسبة لنا، الأسلوب الذي ابتكرناه سوية والذي يعد الأول من نوعه كان خلاصة خبرة طويلة في عالم الفن التشكيلي، مزجنا عبره بين فن النحت والرسم ليكونا معاً ثنائية الظل والضوء، الخيال والواقع، العراقة والحداثة، مع منحه هوية خاصة بنا على مستويين، الأول هو الحلقة الضيقة لميسون وبسام، والثنائي هو الهوية الأم لعمل ينتمي للروح العربية والإسلامية".
عن آلية العمل ومراحله المختلفة يضيف بسام : "مثله مثل أي عمل إبداعي، يبدأ بفكرة مني أو من ميسون نضعها على طاولة البحث و نتناقش حولها وكيفية تنفيذها مع وضع رسومات أولية للعمل، في المرحلة الثانية نحدد موقع الشعاع الضوئي ومكان المنحوتة الأساسية لنبدأ بالنحت بشكل متوازي بين العمل الفعلي وظله على الحائط مستخدمين الصلصال كمادة أولية، وبعد الوصول إلى النتيجة المطلوبة نقوم بعمل قالب من السيليكون نملؤه بمادة الريزين التي تتصلب بسرعة، وبعد فك القالب نعيد العمل على المنحوتة بتفاصيلها الدقيقة، حيث أن الضوء يكشف أقل خطأ في العمل عندما ينتشر ظله على الحائط، وبعد الحصول على النتيجة المرضية لكلانا تأتي مرحلة التلوين باستخدام ألوان الإكريليك لمنح العمل شكله النهائي علماً أنه ليست كل الأفكار تظهر للنور في النهاية، فالبعض يفشل في مرحلة ما ويتسبب في إلغاء الفكرة إلا أننا نستفيد من الجهد الذي بذل فيها لنتعلم من أخطائنا ونتجاوز التحديات التي فرضتها طبيعة الفكرة للوصول إلى حل لاحقاً يكون بمثابة ولادة جديدة لعمل فريد من نوعه.

تكامل من أجل الأفضل
يعمل بسام وميسون كثنائي في كافة الأعمال التي ينتجونها ويعرضونها في معارضهم المتنقلة بين دول أوروبا والشرق الأوسط، إلا أن ذلك لا يلغي احتفاظ كل منهما بهويته الخاصة و لمسته التي يستطيع المتابع الشغوف لأعمالهما اكتشاف الخيط الرفيع الذي يفصل بين منحوتات ميسون و أعمال بسام، تقول ميسون : مصدر قوتنا و تميزنا هو عملنا المشترك، حيث أن لكل منا أسلوبه و مزاياه، وعند جمع هذين الأسلوبين المختلفين بانسجام تكون النتيجة طبعاً أفضل من العمل الفردي، إلا أن هذا الجمع ليس بالأمر اليسير، ولكن إذا تم بالوجه الصحيح و بتناغم تام تكون النتائج أفضل، ما يميز بسام هو التقنية و البناء القوي في العمل الفني، أما بالنسبة لي فالاهتمام بالتفاصيل الدقيقة والحرص على انسيابية الخطوط الأساسية للمنحوتة والإخراج النهائي للعمل هو هاجسي الدائم، ولذلك تكون النتيجة عبارة عن تكامل بين قدراتنا نحن الاثنين لصالح الشكل النهائي للعمل، وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى لأعمالنا تحمل توقيعنا المشترك، إلا أن المقربين منا والمتابعين لمسيرتنا الفنية مازال لديهم القدرة على تمييز أعمالنا ونسبها إلى صانعها الأساسي".

&