&بغداد:&&فقد العراق رمزا من رموزه العظيمة وهو المعماري الكبير والبغدادي الاصيل محمد مكية منتصف ليل يوم الاحد في مستشفى كوليج بلندن عن عمر ناهز المئة عام وعام تاركا مسيرة حافلة بالإنجازات الكبيرة في مجالات العمارة والفن والثقافة وحبا لا يضاهى لبغداد .
&& على الرغم من بعد المسافات ، ودعت بغداد عاشقها وابنها البار معماري القرن العشرين الدكتور محمد مكية الذي رحلت روحه الى بارئها بعيدا عنها ، ولان بغداد ام رؤوم فقد لوحت له بالوداع حزنا شاكرة له ما قدمه من اجلها مؤكدةانها لن تنساه وستضمه في حناياه علما كبيرا من اعلامها .
&&& والراحل الدكتور محمد صالح مكية من مواليد محلة صبابيغ الآل ببغداد عام 1914م، أكمل فيها دراسته الأولية ثم درس الهندسة المعمارية في جامعة ليفربول في بريطانيا و نال درجة البكالوريوس عام 1941 وحصل على الدبلوم في التصميم المدني من الجامعة نفسها، أما الدكتوراه فقد حصل عليها عام 1946م من في كلية كينغز جامعة كمبردج في بريطانيا، وكان موضوع أطروحته (تأثير المناخ في تطور العمارة في منطقة البحر المتوسط)، وعاد إلى بغداد في العام ذاته وأنشأ «شركاء مكية للاستشارات المعمارية والتخطيط». وفي الخمسينات، وضع تصميمات لمبان سكنية وتجارية واتسعت معرفته بتراث الهندسة المعمارية العراقية. إضافة إلى ذلك، كان الدكتور مكية أحد المؤسسين الأصليين لقسم الهندسة المعمارية في كلية الهندسة بجامعة بغداد في عام 1959. وظل رئيسا للقسم حتى عام 1968. وفي الأعوام التالية، أقيمت مكاتب لشركة مكية في كل من البحرين وعمان ولندن والكويت والدوحة وأبوظبي ودبي.
اختير خبيراً في الأمم المتحدة عام 1951م ، كما انتخب رئيساً لجمعية التشكيلين العراقيين في بغداد عام 1955م فضلاً عن كونه احد مؤسسيها الأوائل مع جواد سليم وفائق حسن، كما انتخب عام 1967م عضواً بالمجلس الدولي للنصب التذكارية في روما،& وفي عام 1959م. وقدم مشروعه الكبير (جامعة الكوفة) التي كان احد أعضاء مجلس تأسيسها في نهايات الستينيات من القرن الماضي، غير أن المشروع لم ير النور
&&& وبين الستينيات والتسعينيات من القرن العشرين٬ صمم الراحل عشرات الجوامع& والدواوين والقصور الأميرية ومباني الوزارات والمنظمات الحكومية والبنوك والمتاحف والجامعات والمكتبات في العراق والبلدان العربية والإسلامية وغير الإسلامية٬ وكانت تصاميمه تفوز دائما عن طريق لجان التحكيم الدولية.

اسلوب معماري فريد&
&&& ويشير العارفون بمجال اختصاصه ان أبرز ما في أسلوبه الهندسي أنه لم يتأثر بالتقنيات الغربية الحديثة في العمارة٬ ولم يكن أسير الخصائص والمفردات& العربية التقليدية٬ وانما زاوج بين التوجهين٬ وكان من نتيجة ذلك ولادة عمارة عراقية معاصرة وفية لبيئتها.
ويشيرون الى ان انجازاته تعبر خير تعبير عن فلسفته الانسانية العميقة٬ التي تراعي العمق الروحي والعمق البيئي في آن٬ وانطلاقاً من هذه الفلسفة هو يوجه نقداً شديداً لعمران المدينة العربية الحديثة التي تعادي الانسان ومزاجه وجمالياته ولا تتقاطع مع تراثه.
ويؤكدون انه على امتداد نشاطه الابداعي الحافل، أغنى محمد مكية البيئة المحلية والاقليمية بشواهد مبنية، تعد الآن صروحاً معمارية، و"ايقونات" بصرية لتلك المدن التي تقع فيها تلك الشواهد. ومثلما اثرى بيئتنا المبنية، فإنه أضاف، ايضاً، الشيء الكثير للمنجز المهني والاكاديمي (وخصوصاً الاكاديمي، الذي به ارتبط اسم مكيه كونه مؤسس وعميد اول مدرسة معمارية بالعراق )، كما للمنجز الثقافي العراقي المتنوع. من هنا، تعد عمارة مكيه، الآن، ملكاً للناس وللثقافة التي انتجتها، وللمجتمع الذي صمّمت له تلك العمارة، ما يجعل من الاحتفاء به، وبعمارته، أمراً تسوغه أهلية وقيمة ذلك المنجز الابداعي الذي حققه المعمار.
&

وسام ملكة بريطانية
&& حصل على وسام التميز من ملكة بريطانيا في شباط عام 2014 حيث تم تكريمه من قبل ملكة بريطانية العظمى اليزابيث حيث تم تسليمه الجائزة من قبل تشريفات القصر الملكي البريطاني (بكنجهام)؛ برسالة بعثتها الملكة لبلوغه من العمر مئة عام .

&&&&& من أقواله:
- أول درس في العمارة والتخطيط والتصميم تعلمته من عمارة بيوت محلة (صبابيغ الآل)، التي كانت في الأيام الغابرة جوار دار للخلافة العباسية، حيث مشهد منارة الغزل وجامع الخلفاء، الذي تهيأت لي فرصة تصميمه وإحيائه من جديد، بمعنى أن المكان كان مركزاً عالمياً .
- لكل مدينة هويتها٬ ولوُطلب مني تصميم جامع في لندن لأعطيته ملامح إنكليزية. وفي نظري أن الجغرافيا أكثر صدقا من التاريخ.
- المصمم المعماري يحمل مسؤولية كبيرة تجاه البيئة والكرة الأرضية ككل٬ وفلسفته في هذا الجانب تنبع من جذور دينية وإيمان بتعمير وصيانة الأرض حسب إرادة الخالق سبحانه وتعالى.&
- وجدت منذ وقت مبكر أن تفكيري وغاياتي في التخطيط العمراني تنسجم مع النصوص القرآنية٬ وكان تفكيري ينصب دائما على الهدف العام قبل الخاص. أي مراعاة المصلحة البيئية العليا عند التخطيط لأي مشروع.
- دائما أضع في اعتباري حقوق الإنسان والمكان والزمان. فهذه العناصر الثلاثة تشكل أساس نظريتي في التصميم المعماري.

اوصيكم ببغداد
في احتفالية اقيمت في بغداد لمناسبة مرور مئة عام على ولادته بعث الراحل رسالة فيما يأتي نصها :
الأعزاء والأحباء في بغداد الروح والوجدان والمعاني الكبيرة
إنه لشرف لي أن أخاطبكم.. وكم وددت لو أن هذه الأعوام المئة تعينني للوصول إليكم والاجتماع بكم والاستئناس بوجوهكم وكلماتكم..
بغداد أيها الأحبةُ جوهرة من جواهر العصر.. ربما تمرض.. تتعب.. تئن.. لكنها لا تشيخ.. فزمن المدن العظيمة مغاير لتفسيرنا للزمن..
المدن تمتلك روحها.. وهي روح يمكن تلمّسها.. شمها.. الشعور بها.. بكل مكان.
بغداد عزيزة وغالية.. عندما غادرناها مضطرين قبل عشرات من السنوات عرفنا ان شيئا من ذواتنا علق هناك على ضفاف دجلة.. في الأزقة.. والمقاهي.. والشناشيل.. والساحات..
عرفنا ان شيئا من بغداد كان معنا.. نما معنا كأبنائنا. كبرنا.. وشخنا.. وهذه المئة تمضي.. لكن ذلك الشيء، ذلك الجزء من بغداد لا يكبر.. لا يشيخ.. يتوحد بأحلامنا.. بلهجاتنا.. بطريقة تفكيرنا.. يتسلق جدران منازلنا.. يتحول الى شمس عراقية حانية ودافئة في أيام الشتاء القاسية.. والى نسمة من دجلة في أيام الصيف..
المدن تشارك فينا.. وتختم على أرواحنا بصمتها. لكن ليس كل المدن تفعل ذلك.. بعض المدن فقط.. وبغداد منها.
العمارة في جوهرها تنتمي الى تلك العلاقة الحميمية مع المكان والتاريخ والوظيفة والبشر.. ذلك المكان الذي يمنحنا جزءاً منه... يحتاج دائماً الى أن نفكر من اجله.. ان نبدع من اجله.. وان نفتخر بانتمائنا إليه..
من المؤسف أن بغداد تتعرض الى تشويه لذاتها وصفاتها منذ عقود.. من المؤسف ان العمارة لم تكن دائماً تنتمي الى تلك العلاقة الاصيلة مع النهر والضفة والروح الساكنة بينهما.
أوصيكم ببغداد.. استمعوا اليها.. أصغوا الى صوتها كثيرا.. ستكتشفونه في حركة الشجر والنخيل.. في دفق ماء النهر.. في الضحكات الصافية.. تأملوا لونها.. تجدونه في الطابوق.. في الخشب.. في زرقة الماء.. في سمرة الأهل.
«ديوان الكوفة» ينتمي الى بغداد.. بكل إرثه وتراثه والتاريخ الذي سجل فيه على امتداد عقود.. ولهذا أطالب بعودة ديوان الكوفة الى مكانه الطبيعي في بغداد.. ولأن السنوات المئة لا تسعفني للقيام بهذه المهمة بنفسي، كلفت ولدي العزيز كنعان مكيّة بالعمل معكم على هذا الامر.
لكم مني أيها الأصدقاءُ والأبناء والأحفاد كل المحبة والتقدير والعرفان.. اعتنوا ببغدادَ لتعتني بغدادُ بكم.. اعتنوا بالعراق الذي منحنا الكثير، رغم كل الأوجاع..
&

محمد مكية
4 نيسان 2014
لندن
&من انجازاته
&1. جامع الخلفاء.
2. جامعة الكوفة (1969) وقد حال النظام الصدامي دون تنفيذ هذا المشروع
الكبير وكانت الاستعدادات له بما فيها الاموال شارفت على الاكتمال.
3. بوابة مدينة عيسى في البحرين.
4. المسجد الكبير في الكويت.
5. جامع اسلام اباد في باكستان.
6. جامع قابوس الكبير في عمان.
7. جامع تكساس في الولايات المتحدة الاميركية.
8. جامع روما في ايطاليا.
9. بيت الدكتور فاضل الجمالي رئيس وزراء العراق الاسبق.
10. دارة الاميرات في المنصور.
11. مبنى المستوصف العام في ساحة السباع (1949).
12. مبنى بلدية الحلة (1951).
13. فندق ريجنت بالاس في شارع الرشيد (1954).
14. مبنى الكلية التكنولوجية في بغداد (1966) ومكتبة ديوان الاوقاف العامة (1967) ومبنى مصرف الرافدين في الكوفة (1968) ومسجد الصديق في الدوحة (1978) وتصميم الجامعة العربية في تونس (1983).
&

كتابان صدرا عنه
من الكتب المهمة التي صدرت عنه ، كتاب للدكتور خالد السلطاني بعنوان (محمد مكية مائة عام من العمارة والحياة) صادر عن دار الاديب البغدادية يوثق بالتحليل والصور المشاريع والتصاميم التي انجزها مكية الذي بلغ من العمر 100 عام.
كما صدر عنه كتاب للدكتور علي ثويني عن دار ميزوبوتاميا في بغداد بعنوان (المعماري محمد صالح مكية ..تحليل للسيرة والفكر والمنجز)، وهو سفر موسوعي يتطرق الى شجون العمارة والفكر والتاريخ والمجتمع والنفس المرافقة لسيرة الدكتور مكية .
وداعا عاشق بغداد
&رحم الله محمد مكية عاشق بغداد وابن دجلة ،الرمز العراقي الشامخ وشيخ المعماريين العراقيين .&&
&