خصص منتدى أصيلة في المغرب محور ندوته الثالثة على العلاقة بين الرواية والسينما في دول الجنوب والجدل الذي يتخلل هذه العلاقة، مستضيفًا روائيين ومخرجين ونقاد أدب وسينما.


عبد الرحمن الماجدي من أصيلة: دائمًا ما تثير العلاقة بين الرواية والسينما جدلًا من قبل النقاد والكتاب وصناع السينما، حيث يصرّ الكتاب على عنصر الوفاء للنص الروائي في عملية تحويله إلى فيلم. ويرى منظرو السينما أن المخرج الناجح هو من ينسّي المشاهد السؤال عن النص الأصلي للعمل الروائي الذي اقتبس منه قصة الفيلم؛ إذ تتطلب موهبة الاقتباس إعادة صناعة النص الروائي دراميًا بأدوات السينما ضمن زمن مكثف.

ليس الرواية كمنجز إبداعي قريبة للسينما، بل التشكيل أيضًا، لاشتراكهما في صناعة الصورة، ويليها الشعر الذي يشترك مع السينما في خلق الحس والتخيّل، فالسينمائي الناجح هو من يقود المتفرج إلى الحس، وليس إلى التفكير، الذي هو قتل للسينما كفن إبداعي.

جسر الرواية
ومنذ اكتشافه وانضمامه إلى قائمة الفنون كفن سابع في القرن التاسع عشر، اعتمد فن السينما على رأس الفنون التي سبقته في صناعته اقتباسًا - أمانة حينًا وخيانة أحيانًا. ولبحث العلاقة التي تربط بين السينما والرواية، في دول الجنوب خاصة، فقد خصص منتدى أصيلة في المغرب في دورته السابعة والثلاثين بالتعاون مع اتحاد المخرجين والمؤلفين المغاربة ندوة خاصة تمتد ليومين من 1 إلى 2 آب (أغسطس) الجاري في مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية في المدينة القديمة في أصيلة.

افتتاح الندوات جمع كلاً من الكاتب وأستاذ التعليم العالي في تخصص الجماليات وفلسفة التواصل محمد نور الدين أفاية والمخرجة فريدة بليزيد والناقد السينمائي المغربي حمادي كيروم.

فقد غاص محمد نور الدين أفاية في تفكيك العلاقة بين السينما والأدب مركّزًا على آراء جيل تولوز وسواه من مفكرين ونقاد، مستشهدًا بأمثلة منذ انطلاقة السينما منذ دافيد كريفث الذي يعد أبًا للسينما الحقيقية، كما نراها اليوم، مشيرًا إلى أن ميدان الرواية هو اللغة، وميدان السينما هو الصورة ولمسة المونتاج، مركزًا على ثيمة الوفاء حين الاقتباس.
فالصور الروائية ينسجها الروائي بوساطة اللغة، لكن السينمائي يحوّل هذه الصور بوساطة الصور أيضًا، وهنا تكمن صعوبة عمله، على الرغم من كونه جماعيًا، وعمل الروائي فردي يعتمد عليه فقط.

تجربة الاقتباس
ضرب أفاية أكثر من مثل من واقعنا العربي كتعاون الكاتب نجيب محفوظ مع المخرج صلاح أبو سيف، الذي أدخل محفوظ إلى السينما. ومحمد ملص، الذي حول النص الروائي إلى فيلم إبداعي، وأسامة محمد، الذي هو شاعر في الأصل، فكان أثر هذا الشعر واضحًا في أفلامه.

المخرجة فريدة بليزيد تحدثت عن تجربتها في الاقتباس في أول فيلم مستندة إلى المرويات التي سمعتها في طفولتها. واستطردت في سرد الصعوبات التي واجهتها في عملها الاقتباسي من أجل صناعة فيلم، ورأت أن على المخرج أن يتصرف في اقتباس الرواية. أما الناقد حمادي كيروم فقد تحدث عن تجربته مع السينما التي تمتد إلى 20 سنة. وقد قسم مميزات العلاقة بين السينما والرواية إلى ثلاثة أقسام هي: الأدبية والسينماتوغرافيا والاقتباس.

وعاد إلى بدايات السينما، حيث تحتم على كل باحث في هذه العلاقة العودة، مستشهدًا بقيام كريفث بالاعتماد على روايات تشارلز ديكنز وديستويفسكي، باعتباره أول من زاوج بين الرواية والسينما.

ثم فسر معنى الأدبية التي قال إنها جعل من أي نص سينما أدبًا. وشدد على أن من لا يفهم الأدب لن ينجح في الاقتباس. أما السينماتوغرافيا فهي جعل النص سينما. وفي حديثه عن الاقتباس قدم أمثلة من أفلام صلاح أبو سيف وروايات نجيب محفوظ أيضًا كخير شاهد على هذه العلاقة عربيًا. وقال إن هناك نصًا روائيًا تحول إلى فيلم مهم هو بداية ونهاية بلغ القمة روائيًا وبصريًا. وبيّن أن صلاح أبو سيف كشف فيه البداية لدى نجيب محفوظ. فلم يركز المخرج على البطل كما يفعل كثيرون، فتضيع منهم القصة، بل على الزمن.

ميادين مختلفة
وقال إن فلوبير مثلًا كان يكتب بالأشياء، مثل الذباب الذي يلحس عين الثور!، وعاب على بعض المخرجين الذين يهملون الوصف حين الاقتباس، ففي الوصف تكمن صور وحقائق مهمة.

وبيّن أن الاقتباس يحوّل الصور اللفظية إلى صور صورية باعتبار أن ميدان الروائي اللغة، لكن ميدان السينمائي الصورة. وأكد عىل أن أهم حالة في نقل عمل روائي إلى سينمائي هي إخراج المعنت، فالسينما تجسيد للامرئي (الزمن)، واذا لم تصل إلى مفهوم الزمن لن تنتج سينما عظيمة.

وخصص المهرجان بقية الندوات لعروض سينمائية مقتبسة من روايات، ويجري بعد ذلك الحديث والنقاش حولها. يذكر ان الدورة السابعة والثلاثين من موسم أصيلة الثقافي انطلق في الرابع والعشرين من شهر تموز (يوليو) الماضي ويستمر حتى التاسع من شهر آب (أغسطس) الحالي، ويكرم ذكرى الفنان التشكيلي المغربي الراحل فريد بلكاهية كضيف شرف هذا العام. وتضمنت محاور المهرجان ندوات (قدما الى الماضين نحو حرب باردة جديدة) و(الإعلام العربي وتحديات الرقمية) و(الرواية والسينما في دول الجنوب) و(العرب نكون أو لانكون)، إضافة الى ورشة عمل تشكيلية تتواصل اسبوعين تجمع تشكيليون من المغرب ودول عديدة.

&