&

النص الأول من سبتمبر 1939
ويستن هيو اودن
ترجمة: محمد سهيل احمد

اجلس في احد البارات&
في الشارع الثاني والخمسين
خائفا وغير واثق
اذ ينتهي اجل الآمال الذكية
لحقبة حقيرة من السنوات
أمواج غضب وارتعاب
تتحلق حول
الأركان المعتمة للأرض
لتستحوذ على حياتنا الخاصة
&وينتهك ليل سبتمبر
رائحة الموت المسكوت عنها.&

يمكن للمؤسسة المتقنة
ان تعري الإثم كله
منذ لوثر ولغاية الآن
تلك التي قادت حضارة ما الى الجنون
وان تدري بالذي يحصل في لينتز
وأية ايقونة مضخمة
صاغت إلها مضطرب العقل
انا وعامة الناس نعرف
كل ما يتعلمه أطفال المدارس
بأن& اولئك الذين يمارس عليهم الشر
سيمارسون الشر بالمقابل.

لقد عرف ثيوسايديدس المنفي
كل ما ترويه خطبة ما
حول الديموقراطية
وما يفعله المستبدون
وما يتفوهون من هراء قديم
فيما يخاطبون قبرا هامدا،
قد حلل بالكامل في كتابه
&من التنوير المكتسح
&الى أوجاع صنع العادات
والفوضى والأسى
من تعين علينا ان نتجرعها من جديد.

شطر هذا الهواء الحيادي
حيث تستخدم ناطحات السحاب العمياء
أقصى ارتفاعاتها لاظهار
قوة الانسان الجمعي
كل لغة تسكب ذريعتها
العبثية التنافسية:
ولكن القادرين على العيش طويلا
في أعطاف حلم فوار،
يحملقون خارج المرآة
بوجه الامبريالية
والظلم العالمي.

وجوه على امتداد البار
تتشبث بحبل أيامها الرتيبة:
ينبغي على الأضواء الا تخبو
ينبغي على الموسيقى ان تعزف على الدوام
فجميع المواثيق تتآمر
لجعل هذا المعقل يوحي
بالكيفية التي يكون عليها اثاث البيت
كي لا نبصر اين نحن
تائهون في غاب مسكون
صغار ما كانوا يوما سعداء او أصحياء
&بل مذعورون بسطوة الليل.

القمامة الاقتتالية الأشد عصفا.
حيث يصرخ الوجهاء
لا تهبط الى فجاجة امنياتنا:
ماكتبه نيجنسكي المخبول
عن دياغليف
يعكس حقيقة القلب الطبيعي
عن الزلل المتشظي في عظام
كل امرأة وكل رجل&
يتوق الى ما ليس بميسوره ان يمتلكه
ليس الحب الكوني
بل الرغبة في ان يكون المعشوق الوحيد.

من قلب العتمة الخائفة
صوب الحياة المثالية
يجيء الجوالون المتزاحمون
مرددين أيمان الصباح
سأخلص للزوجة
وأدقق في عملي
فيستيقظ الحكام المخذولون
كي يستأنفوا لعبتهم الاضطرارية
من بإمكانه ان يحررهم الآن
من بإمكانه الوصول الى الموتى
من بإمكانه مخاطبة معقودي الألسن؟

&كل ما في معيتي صوت
يكشف طيات الاكذوبة
يرقد الرومنطيقيون في دماغ
الانسان ــ العاقل ــ في الشارع
وفي أكذوبة السلطة:
ليس ثمة شيء يدعى دولة
تشق عمائرها عنان السماء
وما من احد يحيا وحيدا
فالجوع لا يترك ايما اختيار
لا للمواطن ولا للشرطي
فإما ان نتحاب أو ان نموت.

&بلا دفاعات تحت أستار الليل
يرقد عالمنا الخدر
ومع ذلك، مرقشة في كل مكان
&بقع الضوء الساخرة
تسطع حيثما يتبادل العادلون
رسائلهم:
لعلي أنا المجبول من طينتهم
من ايروس او من الغبار
المطوق باليأس والإنكار&
أشهر شعلة راسخة اللهب.

أشارات:
*& القصيدة تتكون من تسعة مقاطع Stanza كل مقطع مؤلف من احد عشر بيتا.
* يرى الشاعر الامريكي شستر كاولمان وآخرون ان اودن ارتاد ذلك البار الشعبي في اليوم الذي اجتاح فيه هتلر الاراضي البولندية في الاول من ايلول 1939 وهو التاريخ الذي يؤشر يوم اندلاع الحرب العالمية الثانية.
*& كما يرى كاولمان ان بار الـ Dive هو صنف من اصناف البارات الشعبية الرخيصة التي عادة ما يكون روادها من الشواذ ومن هنا يمكن فهم اشارة حول وجود راقص الباليه الاشهر دياغليف ومدير اعماله الذائع الصيت نيجنسكي.
* يبدو ان اودن اراد تبيان العلاقة بين الخاص والعام من خلال مفردة الـ Dive التي تسمى بالـ Pub& في بريطانيا.
* يعد هذا النص الشعري واحدا من اربعة نصوص شعرية اخرى توغل فيها الشاعر بالهم السياسي الى حد بعيد، على الرغم من نفوره الثقافي من الشعارات السياسية ولكنه وظفها في قصائده الخمس لأغراض دلالية.
*& لعل ما اشرنا اليه من تقسيم الستانزات الى احد عشر بيتا لكل مقطع&& سيقرن بالحادي عشر من سبتمبر وما تلاه من تفسيرات شتى.
* قام الشاعر الفلسطيني تمام التلاوي بترجمة النص ونشره في ملحق صحيفة ( السفير) اللبنانية في 18 نيسان 2008. وقد أورد بعض الاشارات التي تقدمت النص قال فيها: "هذه هي القصيدة الذائعة الصيت& التي رددها كل لسان أمريكي عقب احداث الحادي عشر من سبتمبر. هذه هي قصيدة ويستن هيو التي تحدث بها عن اجواء الكارثة قبل حصولها بإثني وستين عاما ".
هل تنبأ أودن حقا بأجواء الكارثة قبل حصولها بما يزيد عن ستة عقود حقا؟& واذا كان الرأي العام الامريكي قد اوّل القصيدة على هواه وبحسب ما يتناسب مع الاجواء السايكولوجية التي اعقبت احداث الحادي عشر من سبتمبر فهل يجيز لها تأويل من هذا النوع المشوب بالتسرع والعاطفة على نحو غير ذي صلة بالحدث التاريخي الذي الهم الشاعر كتابة هذا النص الشعري الا وهو الاجتياح الألماني النازي لبولندا وانطلاق الشرارة الاولى للحرب العالمية الثانية& عام 1939؟& لقد سمع اودن بخبرالاجتياح بينما كان جالسا لوحده في واحد من بارات نيويورك الشعبية. ومن هنا فأن اضاءة الستانزات التسعة للنص& كانت بحاجة الى ناقد متابع مثل ( بيتر ليفن Peter Levine ) الذي سنقوم بنشر نص قراءته النقدية في القادم من الأيام مكتفين بخلاصة مما توصل اليه الناقد من حقائق وتفسيرات وعلى النحو التالي: اختار صنفا من البارات عرف باستقباله الصنف الشاذ جنسيا من الرواد وهو البار الذي دله عليه معشوقه واحد كتاب سيرته (تشستر كاولمان Chester Kallman ) ومن هنا يمكن ان نفهم قيام الشاعر بذكر الثنائي الشاذ الشهير دياغليف ونيجنسكي& في القصيدة:
"ما كتبه نيجنسكي المخبول
عن دياغليف
يعكس حقيقة القلب الطبيعي "
لقد جاء اودن على ذكر ذلك الثنائي متسائلا فيما اذا كان ( عشقه) لكاولمان امرا اعتياديا، وفيما اذا كان الحب البشري، بشكل عام، منبعا من منابع الشر او واحدا من مفاتيح الحل.وخلاصة ما اراد الناقد ليفن قوله هو ان اودن يدرك ان الحرب فعل مقلق لحيواتنا الخاصة تقود الى " انبعاث عطر لا يخطيء للموت "، وما نص ( الأول من سبتمبر 1939) ــ على الرغم من شوائبه الاخلاقية ــ الا صرخة بوجه الحرب. ذلكم هو مغزى القصيدة الاول والأخير، ليس له صلة تاريخية بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، وتبقى مسألة تأويل ابيات القصيدة مرهونة بثقافة المتلقي.
*& يتوصل الشاعر تلاوي الى امر مستغرب، على حد تعبيره: عدم ترجمة القصيدة من قبل على الرغم من أهميتها وعلى الرغم من ان كثيرا من شعر اودن ترجم للعربية حيث& يبدو من الواضح انه بذل جهدا مضنيا للعثور على ترجمة للقصيدة لكنه يخلص الى القول: " لكن نتائج بحثي في المصادر وفي الكتب وفي غوغل كانت جميعها خائبة "
* مع تقديري العالي لاهتمام الشاعر تلاوي بالنص والقيام بترجمته رغم وعورة لغة اودن الشعرية حيث يقول:" آملا ان تكون هذه الترجمة هي الاقرب الى الصواب اللغوي والى الجمالية الشعرية، دون ان انكر بالطبع الصعوبة البالغة التي واجهتني مع لغة اودن وأساليبه التعبيرية "، لا بد من ان أورد نقطة ذات صلة بعدم عثوره على نص مترجم للقصيدة، ذلك انه في الغالب لن يجدها، ليس لأنها لم تترجم من قبل بل لسبب آخر بسيط هو أنها ترجمت ونشرت في وقت لم تكن الشبكة العنكبوتية للنت قد أوجدت بعد وان النص المترجم نشر على صفحات الملحق الادبي لجريدة الجمهورية العراقية والتي كان الراحل انور الغساني يشرف على صفحات الترجمة في ذلك الملحق، وان كاتب هذه السطور هو من قام بترجمتها. وما زالت لدي اعداد من الملحق بيد ان العدد الذي نشرت فيه الترجمة مفقود، مع الأسف ! كنت حينها في التاسعة عشرة من عمري طالبا في المرحلة الاولى بقسم اللغة الانجليزية بجامعة البصرة بمعنى ان النص شكّل نوعا من التحدي بالنسبة لي ومع ذلك استطعت المحافظة على روح القصيدة عدا ايهام واحد يتعلق بمفردة Dive التي لم اعرف حينها انها مفردة امريكية دارجة تطلق على اي حانة شعبية ذات شبهات تقع في الاندرغواوند فحصل خطأ في ترجمة مطلع القصيدة& حيث قلت:
"بينما كنت اتوغل غائصا نحو الأسفل "
وهو ما أمكنني تجاوزه مع تراكم الخبرة والزمن وسهولة الوصول والى المصادر مع تقديري العالي لانتباهات المترجم الصديق تمام تلاوي وترجمته القديرة لنص شديد الوعورة مثل الاول من سبتمبر 1939.
&