لا شكَّ أنَّ التأمُّلات في مجموعة "إسمي هو ذاك المزوّد بالزهور" للصديق الشاعر شوقي مسلماني هي وليدة قراءة دقيقة لحضارة أرض الكنانة الروحيّة والآلهة عند الفراعنة، لأنَّها تشرح لنا سرّ الله وقصّته في تاريخ العالم القديم، بل هي ثمرة خبرة صوفيّة لشاعرٍ كتبَ زبدة مشاعره الروحيّة.
نحن البشر كثيراً ما نميل إلى إغلاق الله، أو على الأقل إلى قولبته، وهو أكثر من ذلك، لأنَّه ليس صنماً ولا مبدأ، ولا شخصاً، ولا يمكن احتواؤه مهما حاولنا، فهو أكثر وأكثر بكثير.
في كتابه "إسمي هو ذاك المزوّد بالزهور" والذي يقول فيه: " إنّكَ لن تجعلَ إمرأةً أو رجلاً خائفاً& \ هذا اعتداء على الله& \ ومن يقول بهذا الكلام فإنّ اللهَ& \ سيجعله فقيراً إلى الخبز"، مجهود رائع وتأمُّلات عميقة، ويقيني أنّه حاول أن يتلمّس ملامح وجوانب هذا الإله العظيم، وأنْ يساعدنا لكي نلقى وجه الله في كلّ آن، وأنْ نلقاه في كلّ وجه، فهو ليس للأبحاث أو للمناسبات والإحتفالات، وليس في وجوه خاصّة دون غيرها، إنَّه الوجه الدائم للجميع وفي الكلّ.
الله يهتمّ بجميع البشر، يشرق شمسه على الأشرار والأبرار. يهتمّ بالخطأة، يهتمّ بصغار القوم، يهتمّ بأولئك الذين يرذلهم الناس. الله إله محبة، كلّه حنان ورحمة، يقف بجانب المظلوم، بجانب الذي قست عليه الأيام وصلبته ظروف الحياة وحطمته خطئية البشر.& الله يهتمّ بخاطئ واحد يتوب أكثر ممّا يهتمّ بتسعة وتسعين بارًّا. الله يكشف عن ذاته للبسطاء أكثر منه لأصحاب العلم والمعرفة.& الله يُريد سعادة البؤساء على اختلاف فئاتهم ومشاربهم. إنَّه إله علائقي، نستطيع القول عنه أنَّه يرفض أنْ ينحصر دوره في مُمارسة شريعة، أدواره مُتعددة، واسماؤه لا تحصى، أعظمها المحبّة.& الله حين يتوجّه إلى الناس يلجأ إلى الإقناع بمحبة لا إلى الكره لأن برّه& هو تبرير الإنسان. الله هو ربّ الكون وسيّد التاريخ وأب البشر، يتمجّد في عمل الإنسان مهما كان هذا العمل ناقصاً، ينطلق منه ويكمّله، أولم نقرأ ما جاء على لسان الحلاّج المتصوف الكبير: "إنَّ الله عندما شاء أنْ يرى وجهه لم تكن لديه مرآة، لذا خلق الإنسان، فيه رأى وجهه". يشبه هذا ما جاء في سفر التكوين: "وقال الله: لنصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا.. فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ورأى الله جميع ما صنعه، فإذا هو حسَن جدًا" (تك 1: 26- 31). الله لم ولن يكون له باب يغلقه في وجه إنسان، أمّا قلبه دوماً مفتوح في وجه الجميع، سيّما أولئك الذين يصيحون، وقلّما يُسمع لهم صوت، أو يُفتح في وجههم قلبٌ أو باب.
هذا بعض ممّا نتعلّمه من هذا الكتاب، يبقى علينا أن نعود إلى ذواتنا، لنكتشف وجه الله الرحيم، الذي يعمل ولا يزال حتّى يطبع في الواقع والحقيقة& صورته ومثاله على كلّ إنسان، فيصبح كلّ واحد صورة الله غير المنظور في هذا العالم المنظور. وهنا لا بُدَّ أن أعترف صادقاً:& إنّني طالما جلستُ أستمع لشاعرٍ ذي قامة عالية يلقي قصائده فينال الإعجاب والتصفيق، ولكن في هذه المرّة سرقني الوقت وأنا جالس& أطالع بشغفٍ ونهم& تأمُّلات الشاعر والمتصوّف شوقي مسلماني، وهو يبوح بخبرته الصوفية للقرّاء ومنها: " أرجو خلالَ المحاكمة \ ألاّ& يقف أحدٌ ليُعارضَني \ أرجو ألاّ يُقال أنّي عملتُ أعمالاً \ هي ضدّ الحقِّ والحقيقي \ أرجو ألاّ يُقال شيء ضدّي \ في حضرةِ الربِّ العظيم".
لقد شوقتي يا صديقي شوقي في قراءة التأمُّلات عدة مرّات، فألف شكر لك. وأنتم أيها القرّاء الكرام ما عليكم إلّا أن تطالعوها لتعرفوا& لماذا أقدم مؤلّف الكتاب على مدّ الجسور الإنسانيّة بين البشر، تسعفه تعاليم الله خالق الجميع.& حفظَ الله الأستاذ الشاعر شوقي مسلماني، صديقًا ورفيق درب في ميادين الكلمة البنّاءة وفلاّحاً في حقل المحبة الجميل.
&