&بغداد: في مغامرة جريئة ومدهشة، أقدمت فنانتان تشكليتان عراقيتان على اعلان احتجاجهما ورفضهما ان يكون المواطن مجرد قربان للحروب مشددتان على التنديد بمقولة (نموت ويحيا الوطن)!

نظمت الفنانتان التشكيليتان زينا سالم ونبراس هاشم عملا تشكيليا مشتركا حمل عنوان (قرابين / sacrifices) على قاعة مؤسسة برج بابل بشارع ابو نؤاس جعلا منه (تحية الى المجدد في التشكيل العراقي الفنان جواد سليم) ، كان شكلا تركيبيا يسمى فن ما بعد الحداثة ، تمثل في قاعة المدخل التي كان فيها عمل الفنانة نبراس هاشم الذي يلفت النظر اليه والذي يجسد علم العراق بالوانه فقط من دون الكتابة او النجوم ورصعته بوجوه مواطنين فيما كانت الخلفية قماشة سوداء وغلفت العلم باسلاك فيما وضعت امام العلم قماشة سوداء وعليها مجموعة من الصخور ، اما عمل الفنانة زينا فكانت في الدخول الى غرفة تحولت الى (غرفة رعب) بضوء خافت جدا ، مليئة بلافتات سود تنعى الشهداء على مدى نحو اربعين عاما غمرت الشعب العراقي بعذاباتها واحزانها ، كأن الغرفة قبر يشعر الداخل فيها بشيء من الخوف او الرعب فيما كان هناك تسجيل فيديو يوضح صورا لموتى مع صوت يقول (نموت ويحيا الوطن) يتكرر على طول الوقت ،بينما تقبع في طرف الغرفة حقيبة صغيرة مفتوحة وفيها مجموعة كتب ودمية ، اما عنوان المعرض (قرابين) فهو تأكيد ان العراقيين طوال هذه المدة هم القرابين ولا زالوا .
&
ناصر الربيعي : محاولة جريئة
فقد اشاد الفنان ناصر الربيعي،رئيس تحرير مجلة باليت بالعرض الذي هو جزء من المشهد المأساوي العراقي، وقال : قرابين ..عرض ينتمي الى الفن التركيبي الذي يعتمد على ادوات حياتية عينية مالوفة او غير مالوفة احيانا تتداخل فيها الاشياء بشكل مدروس يقترب من المشهد القصصي التعبيري.
واضاف: هذا النوع من الفن الذي ساد اوربا منذ سنين واصبح ايقونة في اغلب المعارض والبناليات الفنية..بدا متاخرا عندنا في العراق وكانت هناك محاولات خجولة لتقديمه وسط جهل البعض منه وازدراء اخرين ممن يخلصون للقوالب الفنية المتوارثة .&وتابع: قرابين &محاولة جريئة من قبلهما لعرض جزء من المشهد العراقي المأساوي خلال الفترة الماضية المليئة بالحروب والموتى والاضاحي المجانية على مذبح الانتصارات الوهمية وااصراع العبثي مع النفس والاخرين...بداية تحتاج الى نضج اكبر وتشجيع حتى يمكن امتلاك احترافية هكذا اعمال لا يمكنها تقبلها بسهولة من قبل الجمهور الفني المحلي
&
&حسن عبد الحميد : مغامرة فنية
اما الناقد التشكيلي حسن عبد الحميد فقال : مغامرة تشكيلية .. مغامرة فنية حاولت اللعب على الذاكرة والمزج ما بين الفن التشكيلي كنتاج بصري جداري من خلال عملين متقابلين للفنانتين زينا ونبراس ، فاللوحة لم تعد تكفي للتعبير عما يجول في خواطر الفنان من حالات تسجيل موقف كما هو الحال مع عمل زينا ولكنك عندما تدخل الى صالة العرض تشعر كما لو انك في قبر فتسترجع كل الحروب (محافل الحروب) ومآثر الجريمة المجانية التي يرتكبها الطغاة والدكتاتوريون، لذلك كانت الفنانتان باخراجهما للعمل بمنتهى الذكاء ، كل شيء كان مقلوب ،منكفيء ،ليس مقلوب بالمعنى، عالم تواريخ مضبوطة سوى السنوات، سنوات الحروب :الحرب العراقية الايرانية وحرب الخليج الثانية ثم المتواليات والصراعات الطائفية والحرب الطائفية الى اخره .
&واضاف: هنا غادرت اللوحة الجدار ،لم يعد الجدار هو الاساس وان شارك في بعض الاعمال لكن لعب على الذاكرة الجمعية باستقصاء حالة الموت ، واختارت الغرفة هذه التي تشعرك وكأنك في قبر الا من كوة واحدة هي الشاشة .&وتابع: هذا العمل تركيب من الوحدات الموجودة في حياتك تكونها لكي تجعل منها موضوعا معينا كما تريده الفنانة، وقد ادهشني العمل بجد واحزنني كثيرا عندما حاولت ان اقارنه مع الفنان المسرحي جبار جودي الذي قدمه قبل اشهر على قاعة كولبنكيان ،وكان فيه مسرح وسينوغرافيا وتصوير فوتوغرافي ،هنا زينا ونبراس تشاركتا في المحنة وعبرتا عن لا جدوى الحرب ومتواليات الحرب او كما اسميتها في دراستي الاخير (هبة الخراب) فالحروب تركت لنا خراب النفس والبنية والمستقبل والتفكير .&
&
قاسم العزاوي : جامع لكل مفاصل الفنون
فيما قال الناقد قاسم العزاوي :لقد كان العرض التركيبي عرضا رائعاً ، وذكرنا بكل لحظاتنا /ساعاتنا/ايامنا/ سنيننا ...المتسربلة بالالم والفجيعة واللا استقرار وما زالت مستمرة .&واضاف: ياه..جدراننا ماعادت تستوعب زخم اليافطات السود ، ترى متى تحل محلها يافطات الفرح البيض....عرض تشكيلي بصري سمعي جامع لكل مفاصل الفنون وهو من الاساليب التشكيلية الحديثة وان جاز المصطلح (مابعد الحداثة الجامع لكل الفنون بعرض واحد) .
&
اكرم الحمداني : ارعبني العمل
&من جهته قال الاكاديمي اكرم الحمداني: عمل زينا مؤثر جدا عاد بي الى ذكريات اخي الشهيد عندما جاءوا به وأول ما فكرنا به هو اللافتة والاسم والمكان واستقبال المعزين ، اما العمل الاخر للفنانة نبراس فذكرني بأخي الشهيد الثاني ،وفي الحقيقة ان العلم العراقي لا يحتاج الى (الله اكبر) ولا الى النجوم وانما هو في الحقيقة صور لكل الشهداء على مر التاريخ .&واضاف:المعرض نوع من التطهير &والاثام والتفكير بالحروب والدمار، وبقدر ما ارعبني العمل فقد جعلني اتخذ موقف السكون امام اي عدو ولأكن انا ضحية من ضحايا الزمان ، اتمنى على السياسيين جميعا واصحاب القرار ان يأتوا كي يأخذوا عبرة لو كانوا يمتلكون ذرة انسانية .
&
زينا سليم :وثائق موت&
الى ذلك تحدثت الفنانة زينا سليم لـ(ايلاف) عن عملها قائلة : تولدت الفكرة منذ عامين لكن صعوبة تنفيذها او عدم وجود مؤسسات تستقبل هكذا اعمال هو الذي منعني من تنفيذها ولكن وجدت ان (برج بابل) يستقبل التجارب الجديدة ويهيىء المجال لنا لنقدم كل افكارنا بالمستطاع .
واضافت: العمل كان تطوعي من مهندس الاضاءة الاستاذ الفنان بيان نبيل مع طلبة من المسرح وطلبة الفنون التشكيلية وايضا ان العمل كان ذا شقين احدهما الصور الفوتوغرافية تحمل رمزية الاعمال صورت بعدسة مروان ادهم ، وكان الجزء الثاني العمل ذاته ان يعيش المتلقي خلال العمل .
وتابعت: كانت هنالك مصداقية في العمل ، فحتى اللافتات التي خطت فقد خطها الاستاذ صادق لازم الذي كان يمتهن هذه المهنة منذ عام 1980 ،وهذه اللافتات عبارة عن وثيقة لمراحل الموت بعمري على الاقل (44 سنة) لكنني لم اعش حالة سلام الا ثمان سنوات ، واتمنى ان تتوقف مقولة (نموت نموت ويحيا الوطن) بل نريد ان نحيا ونحيا ونحيا ويحيا بنا الوطن .
وأوضحت: هذا العمل من الفن المعاصر صنف (الانسليشن ارت) وهو الفن التركيبي وهو من فنون ما بعد الحداثة .
&
&نبراس هاشم : لا بصيص امل
اما زميلتها الفنانة نبراس هاشم فقد تحدثت لـ (ايلاف) قائلة : هذه الفكرة عندي منذ بدء التظاهرات في حزيران / يونيو فصرت استقريء الوجوه وابحث فيها عن لمحات التفاؤل والامل واتساءل هل انها فعلا معبرة عن التفاؤل والامل الحقيقي ام مجرد خطوات نعملها فأحببت ان اجيّر هذا العمل للانسان العراقي ، وقد احترت في اختيار الثيمة في التخصيص للانسان العراقي فلم اجدد غير العلم العراقي فرسمته ولم استعن بقماشة العلم بل انني رسمته واسسته وتعمدت ان ارسم الوجوه بطريقة ليست مشوهة بل تمثل الفرح وهي في حالة تعبيرية مترقبة لما قد يحدث وحتى الابتسامة تجدها مصطنعة لاننا نحن الشعب العراقي لم نعش يوما في حقيقة مطلقة بل كله تصنع ، للامل والسعادة وللحلم، لا توجد حقيقة واضحة للفرح اضافة الى مستجدات الحياة التي صارت بعد الحرب الاخيرة بأننا اينما نذهب هناك حاجز ، اما كونكريتي او اسلاك ئائكة ، لذلك خلفية اللوحة مغلفة بالاسود لان ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا مجلل بالسواد على الرغم من اننا نأمل الفرح ولكننا على بينة ان الفرح مفقود وان تعب الحياة مستمر حد الاجهاد ، لذلك وضعت الصخور فأصبحت مع الاسود طاقة تعبيرية لثقل الهموم التي تتكون بالفكرة كما انني غلفت العمل بالاسلاك لانه السجن الدائم للانسان في هذه البقعة من الارض.
واضافت: العملان هما (قرابين) اي ان الانسان العراقي قربان للظروف سواء الماضية او الحاضرة او المقبلة وزميلتي زينا ذهبت الى الى الماضي وتناولت الشهداء عبر الحروب ، وقد خدمتها الغرفة المظلمة وكان من المفروض ان اغلف كل المكان بالاسود ولكنني لم استطع لانه يحتاج فضاء مغلقا والسبب ظرف القاعات غير كاملة التجهيز ولكنني اكتفيت بتجهيز حائط كامل .
وتابعت: ليس في اللوحة بصيص امل للاسف لان الوضع ليست فيه علامات لبصيص امل فنحن الان نمشي في نفق لم يظهر بعد اي بصيص امل في نهايته .
&