&


وضعت قلم الرصاص على الطاولة باحثة عن فنجان قهوتي السمراء التي تركتها حتى تبرد بعد أن بددت وقت راحتي في رسم عين واسعة &كالبحر لا بل بلونها الرمادي كانت أشبه بمدينة قديمة حرقها حاسدوها ورحلوا عنها بعد أن تأكدوا من موتها , وبينما كان قلبي يتأمل مصيرها أخذني كف الأمل لأنثر الكحل عل أطرافها وأزينها لاستقبال ميلاد وحياة جديدة , اعدت قلمي إلى وضعه فوق الطاولة وأخذت أحتسي قهوتي و أنا أسأل نفسي : من أي الأبواب سيدخل عليها الأمل ؟ , ثم بدأت &نظراتي بالتحرك هنا و هناك لعلي أجد إجابتي من خلف النافذة معلقة على أدى لوحات الإعلانات في الشارع الذي يقابل المقهى أو ربما أقرأه على وجه أحد المارة .
وبينما كنت أحاول قراءة الوجوه بحثاً عن كلمة تناديني خطفتني &نظرة أتت راكضه نحوي كخيل يبحث عن صاحبة من رجل دخل بهدوء يشبه من كنت أحدثه في حلمي &, وحين شعرت بأنه لاحظني كسرت نظرتي &و وجهت عيني نحو النافذة التي بجانبي هرباً من عينيه , لكن صوت يده التي ضرب بها على طاولتي أعادتني بخوف , ذلك الذي أصبح قلبي يكرهه لأنه يأتي مصطحباً معه المفاجآت تسرق شيئاً منه .
جلس يقابلني تاركاً نظراته تحاصرني و تبني من حولي أسوار عالية حتى أنني كدت أن أختنق منها , حاولت أن أخذ بوجودها حقي بالتنفس كأي إنسانة لازالت على قيد الحياة , فأظهر ابتسامة لطيفه تشبه الشمس حين تتوسد عشب أخضر يحيط بشجرة ذات فروع كبيرة , ثم وضع يده في جيبه و أخرج صورة أهلكتها الأيام ولم تبقى إلا على الأجزاء التي ارتدت اللون الأسود &, ازداد خوفي حتى أنه كاد أن يتوسل صمته فبدأ بالحديث ليطمئن ما تبقى مني , فتح عينه ليريني ما مضى من عمره , لقد كان على طرف بياضها رجل يسير وحيداً يجر أحلامه في طريق طويل , كان ذلك البياض ثلجاً و كان بريق عينه نور يحييه حتى يصل إلى غده , بكل ما برجل شرقي من دفئ أخذ صوته يذكر كيف كان يجلس على الطاولة وحيداً مع تلك الصورة وينظر إلي وإلى ملامحي من خلف زجاج النافذة الذي كان يحجب شيئاً من تفاصيلها , كيف كانت عيناي تعكس فراغاً بعيد عن ذلك الزحام الذي يحيط بي ؟ , كيف كانت تبحث عن أبره صغيرة تحت أقدام على المارة وفوق رؤوسهم ؟ , كيف كان هناك سؤالاً معلقاً في نظرتي لم أجد له إجابة ؟ &, وكيف كان شعري بلونه الليلي يزعج عيني ثم رفعته بالقلم وكأنني كنت بحاجه إلى كف صديق , وعيني كيف مسحتها بيدي التي تحمل من أثر الرصاص شيء بسيط كطفلة لا تعرف شيء عن الألم , وعندما قرر أن أخذ خطوة نحو غده &فتح الباب وتفاجأ بنظرتي وهي تضم عينيه , ففتح الصندوق الكبير بداخله و أخرج كل الكلمات التي كتبها خلف الصور التي مرت به , قالها وقد سقطت دمعة يتيمة حفرت على كفه الأيمن , مسحها بسرعة حتى لا اشفق عليه لكنه عجز عن إزالة أثرها &, ثم استأذن ليفتح كراستي &وأخذ يبحث عن روقة جديدة وأصر على أن تكون نظيفة ثم كتبت عليها : من أنت ؟ فكتبت إجابتي تحت سؤاله : أنا هذه الورقة .
فوضع تحتها تلك الصورة طالباً مني أن انظر إليها جيداً , ثم أخبرني بأنني أشبه والدته التي لم يراها إلا في هذه الصورة , وقد تمنى كثيراً رأيتها , وعندما رآني أصبح حلمه أن يدفئ بحنانها وينام على كفيها , ويشم رائحه شعرها كلما قبل رأسها بعد عودته , تجمد كل ما بي و أنا أنظر إلى البريق الذي يخرج من عينيه وينير المكان &, أخذت أبحث بداخل قلبي عن رد فوجدت مشاعري محطمة على الأرض , اتجهت إلى عقلي وجدته يدير لي ظهره , فأخذت أبحث في معجمي الذي استخدمه يومياً عن كلمة ولم أجد , أخفضت رأسي والحروف تتطاير في الهواء فأمسك بيدي قائلاً بأنه يرى الجنة تحت قدمي فقط .. فأسقطني في بئر الصمت .
فقال : قولي لي أنك قبلت .. رجلاً جاء بضعفه وماضيه وشوقه ليجلس تحت قدميك , قولي لي بأنك ستكونين الجنة وأنا كالجنين الذي خرج منك صغير وأنا سأختار أن أكبر تحت عينيك , وأشيخ معك وأفنى لأجلك .
فوقفت فوق أحلامه قائله بكل ما تبقى بداخلي من برود : لكنني لست أماً , أنا قلب طفلة بجسد أنثى ترتدي جناحين ولا تتقنن سوى التحليق .
&