صدر حديثا عن "دار التنوير" (بيروت/ تونس/ القاهرة) أول أنطولوجيا بالعربية (304 صفحات) للشاعر الأميركي وليم كارلوس وليامز، قام بترجمتها عبد القادر الجنابي، وقد ضمت ما يقارب 160 قصيدة، مع شقائق&نثرية حول الشعر والقصيدة، ومقدمة تروي حياته وتوضح مفهومه المضاد لكل شعرنة. ويُعتبَر وليام كارلوس وليامز (1883- 1963)، في نظر كلّ النّقاد، أعظمَ شاعرٍ أصيل أنتجته أميركا في القرن العشرين. فهو لم يُغيّر الشّعر الأميركي فحسب بل حتّى طريقة التناول النقدي لهذا الشّعر. يقف وليامز على رأس الحداثة الأميركية مع باوند وجيروترود شتاين. لكنه تفوّق عليهما وعلى اليوت بالذات، بتركيزه على الواقع المحلي، مبيّناً كونيّة هذا الواقع وثراءه الشعري، ما ان تتوسّع نظرتُنا إليه. كما أنّه أحدث انزياحاً في الشّعر نحو الاعتماد على الصور والأشياء الملموسة بدل من جعلِه وعاءَ استغلالِ الانفعال والمزاج والاسقاط الذاتي.

لا يرى وليامز فرقاً ثمّة بين مهنته كطبيبِ أطفال وكونه شاعراً: فبقدر ما يُخرج الطفل من رحم أُمّهِ، فإنهّ يستولد القصيدةَ من رحم الواقع اليومي. لذلك جاء شعرُه ثريّاً بما يتراءى عبر الأشجار، الشّوارع، المواسم، النّفايات، الفقراء والمُرضى من شعرٍ طليقٍ، وبكلامٍ أميركي حيّ مُتخلّص من لغة شكسبير، لغة العالم القديم! فالشاعر، في نظر وليامز، هو ابنُ يومِه. ويومُه هذا له شبكته الكلاميّة... على الشّاعر أنْ يعمل بها على اصطياد الحقيقة ووضعها في القفص. ولكي يفهم أي قارئ مدسوس وأمي بأن وليامز كان يدعو إلى الابتعاد عن لغة شكسبير؛ وإلى الانغمار في ما سمّاه American idiom (اللغة كما تُحكى أميركياً)، إذ كان يسعى إلى خلق شكل شعري من واقع محلّي حاضر، ينم عن إيقاعات الكلام الأميركي وتقطعاته، وليكون أكثر صدقاً في نقل أحاسيسه: "إن لغتنا الأميركية هي لغتنا نحن، ولا علاقة لها باللّغة الإنكليزية إلا بشكل طارئ عارض"! ومن هنا نرى عشرات كتبه المترجمة إلى الفرنسية، جاء على أغلفتها عبارة: "ترجمها عن الأميركية..."
هنا قصيدة من الكتاب:
&


إلى كلبٍ جريحٍ في الشّارع

هذا أنا مَن يستعيد رباطةَ جأشِه،
& & & & وليسَ الحيوانُ المسكين المُمدّد هناك
& & & & & & & & & & & & & الذي يَعْوِي تَوَجُّعًا،
فها أنا أهبُّ -
& & & & & & كما في انفجارِ
& & & & & & & & & & & & قنبلةٍ، قنبلةٍ دمّرت
العالمَ كلّه جاعلةً منه خراباً
& & & & & & ليس لي في الأمر حيلة
& & & & & & & & & & & & & &سوى الغناء عنه
وهكذا أخفّف
& & & & & & من ألمي.

ثمّة خدرٌ وسنان يُفقدُ حواسي
& & & & & & كما لو أنّي شربتُ
& & & & & & & & & & &شَوْكَراناً سامّاً. أفكّر&
في شِعرِ&
& & & & رينيه شار
& & & & & & & & & وفي كلّ ما قد رآه
وما لاقاه من معاناة
& & & & & & & & &أفضت به
& & & & & & & & & & & & & إلى التكلّم فقط
عن الأنهار المُغَشّاة بالنجيل الأحمر،
& & & & & & & & & & & وعن النّرجس والتوليب
& & & & & & & & & & & & & & & & & التي تروي جذورها،
حتّى النّهر الطلق الجريان
& & & & & & & & الذي يغسل جُذيرات&
& & & & & & & & & & & & & &هذه الأزهار ذات الرائحة الذكية
المالئة
& & & &نهرَ&
& & & & & & & المجرّة & & &.

أتذكّر "نورما"
& & & & & كلبةَ الصيد في أيّام طفولتي
& & & & & & & & &أذنيها النّاعمتين
وعينيها المُعبّرتين.
& & & & & &كانت قد ولدتْ مجموعةَ
& & & & & & & & & & &جِراءٍ،&رفستُ&ذات ليلةٍ
ذات ليلةٍ، في حُجْرَة المُؤَن
& & & & & & & & & & &أحدهم
& & & & & & & & & & & & & &ظناً مني، وأنا مضطربٌ،
أنّهم&
& & & & & & &كانوا يعضون ثدييها
& & & & & & & & & & & & بغية تدميرها.

أتذكّر أيضاً
& & & & & &أرنباً ميتاً
& & & & & & & & مُمدّداً بطريقة لا تُسبِّب أذىً
في الراحة المبسوطة&
& & & & & & & & ليدِ صيادٍ.
& & & & & & & & & فبينما أنا واقفٌ&
ومتفرجٌ،
& & & & أَخذَ سكّينةَ صيدٍ
& & & & & & & & & & & & &و، ضاحكاً،
غَرّها&
& & & & & & & & في عورةِ الحيوان.
& & & & & & & & كادَ أنْ يُغمى عليَّ

لماذا ينبغي أنْ أُفكّر الآنَ في هذا؟
& & & & & & & &فإنّ صرخات كلبٍ مائت
& & & & & & & & & & & & & & & & & & يجب كبتُها
هذا أفضل ما يمكنني فعله.
& & & & & & & & & & رينيه شار
& & & & & & & & & & & & & &إنك شاعرٌ يؤمن
بقدرة الجَمال
& & & & & &على تصحيح كلِّ الأخطاء.
& & & & & & & & & & & & & & &وأنا أيضاً أؤمن بهذا.
فبالإبداع والشّجاعة
& & & & & & & سنتفوّقُ على
& & & & & & & & & & البهائم الصّماء المُثِيرة للشَّفَقَة،
فليؤمن الجميعُ بهذا
& & & & & & & & &مثلما علّمتَني أنا أيضاً&
& & & & & & & & & & & & & & & & & &أنْ أؤمنَ به.